Thursday, October 11, 2012

منتديات عالم المرأة

منتديات عالم المرأة


مراحل الحج خطوة بخطوة

Posted: 11 Oct 2012 03:04 PM PDT


مراحل الحج خطوة بخطوة

مراحل الحج خطوة بخطوة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيفية الحج بنسكها الثلاث -

التمتع - والقران - والإفراد

,.-~*'¨-( صفـــــــة الحــــــــج والعمـــــــرة )-¨'*·~-.¸


الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
يامن عزمت على حج بيت الله الحرام، وأنفقت في سبيل ذلك المال والجهد والأوقات والأيام، وتركت وراءك الأهل والأولاد والأحباب والأرحام، ونزعت عنك لباس الترف والزينة ولبست لباس الاحرام، الذي هو أشبه ما يكون بالأكفان، كل ذلك سعياً لأداء هذه الفريضة العظيمة، وطلبا لرضى الخالق سبحانه وتعالى، لأنك تعلم أن
{ الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة }
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه،
وقال النبي صلى الله عليه وسلم { من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه } [متفق عليه]
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد، قال : { لكن أفضل الجهاد حج مبرور }. والحج المبرور هو ما وافق هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجته، لأنه قال: { لتأخذوا عني مناسككم } [مسلم] لذا فقد أحببنا أن نذكر لك صفة الحج وفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم وقد اخترنا ذلك من كلام فضيلة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله نسأل الله تعالى أن يكون حجك مبروراً، وذنبك مغفوراً، وسعيك مشكوراً.

صفة الحج والعمرة

قال محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله:
نذكر هنا صفة الحج على سبيل الإجمال والاختصار، وعلى صفة التمتع فنقول: إذا إراد الإنسان الحج والعمرة، فتوجه إلى مكة في أشهر الحج، فإن الأفضل أن يحرم بالعمرة، أولاً ليصير متمتعاً، فيحرم من الميقات بالعمرة، وعند الإحرام يغتسل كما يغتسل من الجنابه، والإغتسال سنه في حق الرجال والنساء حتى الحائض والنفساء، فيغتسل ويتطيب في رأسه ولحيته، ويلبس ثياب الإحرام، ويحرم عقب صلاة فريضه، إن كان وقتها حاضرا، أو نافله ينوي بها سنة الوضوء، لأنه ليس للاحرام نافله معينه، إذ لم يرد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والحائض والنفساء لا تصلي، ثم يلبي الحاج، قيقول: لبيك اللهم عمره، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. ولا يزال يلبي حتى يصل إلى مكه.
وينبغي إذا قرب من مكة أن يغتسل لدخولها كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ويدخل المسجد الحرام مقدماً رجله اليمنى قائلاً: ( بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ).
فإذا شرع في الطواف، قطع التلبيه، فيبدأ بالحجر الأسود يستلمه ويقبله إن تيسر، وإلا أشار إليه، ويقول: ( بسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم )، ثم يجعل البيت عن يساره ويطوف سبعة أشواط، يبتدئ بالحجر ويختتم به، ولا يستلم من البيت سوى الحجر الأسود والركن اليماني، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستلم سواهما، وفي هذا الطواف يسن للرجل أن يرمل في الثلاثة أشواط الأولى؛ بأن يسرع المشي ويقارب الخطى، وأن يضطبع في جميع الطواف، بأن يخرج كتفه الأيمن، ويجعل طرفي الرداء على الكتف الأيسر، وكلما حاذى الحجر الأسود كبّر، ويقول بينه وبين الركن اليماني: ( ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار ) ويقول في بقية طوافه ما شاء من ذكر ودعاء.
وليس للطواف دعاء مخصوص لكل شوط، وعلى هذا فينبغي أن يحذر الإنسان من هذه الكتيبات التي بأيدي كثير من الحجّاج، والتي فيها لكل شوط دعاء مخصوص، فإن هذه بدعة لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { كل بدعة ضلالة } [مسلم].
ويجب أن ينتبه الطائف إلى أمر يخل به بعض الناس في وقت الزحام، فتجده يدخل من باب الحجر، ويخرج من الباب الثاني، فلا يطوف بالحجر مع الكعبة، وهذا خطأ، لأن الحجر أكثره من الكعبة، فمن دخل من باب الحجر وخرج من الباب الثاني، لم يكن قد طاف بالبيت، فلا يصح طوافه.
وبعد الطواف يصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم إن تيسر له، وإلا ففي أي مكان من المسجد، ثم يخرج إلى الصفا، فإذا دنا منه قرأ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ) [البقرة:158]، ولا يعيد هذه الآيه بعد ذلك، ثم يصعد على الصفا، ويستقبل القبلة، ويرفع يديه، ويكبر الله ويحمده، ويقول: ( لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده ).
ثم يدعو بعد ذلك، ثم يعيد الذكر مرة ثانية، ثم يدعو، ثم يعيد الذكر مرة ثالثة.
ثم ينزل متجهاً إلى المروة، فيمشي إلى العلم الأخضر إلى العمود الثاني سعياً شديداً، أي يركض ركضاً شديداً، إن تيسر له ولم يتأذّ أو يؤذ أحداً، ثم يمشي بعد العلم الثاني إلى المروة مشياً عادياً، فإذا وصل المروة، صعد عليها، واستقبل القبلة، ورفع يديه، وقال مثل ما قال على الصفا، فهذا شوط.

ثم يرجع إلى الصفا من المروة، وهذا هو الشوط الثاني، ويقول فيه ويفعل كما قال في الشوط الأول وفعل، فإذا أتم سبعة أشواط، من الصفا للمروة شوط، ومن المروة للصفا شوط آخر، فإنه يقصّر شعر رأسه، ويكون التقصير شاملاً لجميع الرأس، بحيث يبدو واضحاً في الرأس، والمرأة تقصر من كل أطراف شعرها بقدر أنملة، ثم يحل من من إحرامه حلاً كاملاً، يتمتع بما أحل الله له من النساء والطيب واللباس وغير ذلك.
فإذا كان يوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج، فاغتسل، وتطيّب، ولبس ثياب الإحرام، وخرج إلى منى، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، خمس صلوات، يصلي الرباعية ركعتين، وكل صلاة في وقتها، فلا جمع في منى، وإنما هو القصر فقط.
فإذا طلعت الشمس يوم عرفه، سار إلى عرفه، فنزل بنمرة إن تيسّر له، وإلا استمر إلى عرفه فينزل بها، فإذا زالت الشمس، صلّى الظهر والعصر قصراً وجمع تقديم، ثم يشتغل بعد ذكر الله، ودعائه، وقراءة القرآن، وغير ذلك مما يقرب إلى الله تعالى.
وليحرص على أن يكون آخر ذلك اليوم ملحاً في دعاء الله عز وجل، فإنه حري بالإجابة.

ويسن أن يكون مستقبل القبلة، رافعاً يديه عند الدعاء، وكان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف العظيم: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ).
وليحرص كذلك على الأذكار والأدعيه النبوية فإنها من أجمع الأدعية وانفعها فيقول: ( اللهم لك الحمد كالذي نقول، وخيراً مما نقول، اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي، وإليك ربي مآبي، ولك ربي تراثي. اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ووسوسة الصدر، وشتات الأمر. اللهم إني أعوذ بك من شر ما تجيء به الريح ).
( اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً وفي بصري نوراً، اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي، لا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير، المستغيث المستجير، الوجل المشفق المقر، المعترف بذنوبي، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء من خضعت لك رقبته، وفاضت لك عيناه، وذلّ لك جسده، ورغم لك أنفه. اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم ).
فإذا غربت الشمس من يوم عرفه، انصرف إلى مزدلفة، فصلّى بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً، ثم يبقى هناك حتى يصلي الفجر، ثم يدعو الله عز وجل إلى أن يسفر جداً، ثم يدفع بعد ذلك إلى منى، ويجوز للإنسان الذي يشق عليه مزاحمة الناس أن ينصرف من مزدلفة قبل الفجر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخّص لمثله.
فإذا وصل إلى منى، بادر فرمى جمرة العقبة أولاً قبل كل شيء بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ثم ينحر هديه، ثم يحلق رأسه، وهو أفضل من التقصير، وإن قصّره فلا حرج، والمرأة تقصّر من أطرافه بقدر أنملة، وحينئذ يحلّ التحلل الأول، فيباح له جميع محظورات الإحرام ما عدا النساء.
فينزل بعد أن يتطيب ويلبس ثيابه المعتادة إلى مكة، فيطوف طواف الإفاضة سبعة أشواط. وهذا الطواف والسعي للحج، كما أن الطواف والسعي الذي حصل منه أول ما قدم للعمرة، وبهذا يحل من كل شيء حتى النساء.

ولنقف هنا لننظر ماذا فعل الحاج يوم العيد؟ فالحاج يوم العيد: رمى جمرة العقية، ثم نحر هديه، ثم حلق أو قصر، ثم طاف، ثم سعى، فهذه خكسة أنساك يفعلها على هذا الترتيب، فإن قدم بعضها على بعض فلا حرج، إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُسأل يوم العيد عن التقديم والتأخير، فما سئل عن شيء قُدّم ولا أُخر يومئذ إلا قال: { افعل ولا حرج } [متفق عليه]. فإذا نزل من مزدلفه إلى مكة، وطاف وسعى، ثم رجع إلى منى ورمى فلا حرج، ولو رمى ثم حلق قبل أن ينحر، فلا حرج، ولو رمى، ثم نزل إلى مكة وطاف وسعى فلا حرج، ولو رمى ونحر وحلق، ثم نزل إلى مكة وسعى قبل أن يطوف فلا حرج.
المهم أن تقديم هذه الأنساك الخمسة بعضها على بعض لا بأس به، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شيء قدم و لا أخر يومئذ إلا قال: { افعل ولا حرج } وهذا من تيسير الله سبحانه وتعالى ورحمته بعباده.
ويبقى من أفعال الحج بعد ذلك: المبيت في منى ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، وليلة الثالث عشر لمن تأخر، لقول الله تعالى: (وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [البقرة:203] فيبيت الحاج بمنى ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، ويجزيء أن يبيت في هاتين الليلتين معظم الليل.
فإذا زالت الشمس من اليوم الحادي عشر، رمى الجمرات اللاث، يبدأ بالصغرى التي تعتبر شرقية بالنسبة للجمرات الثلاث، فيرميها بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم عن الزحام قليلا، فيقف مستقبل القبلة، رافعاً يديه، يدعو الله تعالى دعاءً طويلاً، ثم يتجهإلى الوسطى فيرميها بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم قليلاً عن الزحام، ويقف مستقبل القبلة، رافعاً يديه، يدعو الله تعالى دعاءً طويلاً، ثم يتقدم إلى جمرة العقبة، فيرميها بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ولا يقف عندها، إقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي ليلة الثاني عشر، يرمي الجمرات الثلاث كذلك، فإذا أتم الحاج رمي الجمار في اليوم الثاني عشر، فإن شاء تعجّل ونزل من منى، وإن شاء تإخّر، فبات بها ليلة الثالث عشر، ورمى الجمار الثلاث بعد الزوال كما سبق، والتأخر أفضل، ولا يجب إلا بعد أن تغرب الشمس من اليوم الثاني عشر وهو بمنى، فإنه يلزمه التأخر حتى يرمي الجمار الثلاث بعد الزوال. لكن لو غربت عليه الشمس بمنى في اليوم الثاني عشر بغير إختياره، فإنه لا يلزمه التأخر، لأن تأخره إلى الغروب كان بغير اختياره.
ولا يجوز للإنسان أن يرمي الجمرات الثلاث في اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر قبل الزوال،لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرم إلا بعد الزوال، وقال: { خذوا عني مناسككم } [مسلم]، وكان الصحابه يتحينون الزوال، فإذا زالت الشمس رموا، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً، لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، إما بفعله، أو قوله، أو إقراره..
ولكن يمكنه إذا كان يشق عليه الزحام، أو المضي إلى الجمرات في وسط النهار، أن يؤخر الرمي إلى الليل، فإن الليل وقت للرمي، إذ لا دليل على أن الرمي لا يصح ليلاً، فالنبي صلى الله عليه وسلم وقّت أول الرمي ولم يوقّت آخره، والأصل فيما جاء مطلقاً، أن يبقى على إطلاقه، حتى يقوم دليل على تقييده بسبب أو وقت.
وليحذر الحاج من التهاون في رمي الجمرات، فإن من الناس من يتهاون فيها، فيوكّل من يرمي عنه، وهو قادر على الرمي بنفسه، وهذا لا يجوز ولا يجزيء، لأن الله تعالى يقول في كتابه: (وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) [البقرة:196] والرمي من أفعال الحج، فلا يجوز الإخلال به، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لضعفة أهله أن يوكلوا من يرمي عنهم، بل أذن لهم بالذهاب من مزدلفة في آخر الليل، ليرموا بأنفسهم قبل زحمة الناس، ولكن عند الضرورة لا بأس بالتوكيل، كما لو كان الحاج مريضاً أو كبيراً لا يمكنه الوصول إلى الجمرات، أو كانت امرأة حاملاً تخشى على نفسها أو ولدها، ففي هذه الحال يجوز التوكيل.
فيجب علينا أن نعظم شعائر الله، وألا نتهاون بها، وأن نفعل ما يمكننا فعلهبأنفسنا لأنه عبادة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : { إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة، ورمي الجمرات لإقامة ذكر الله } [أبو داود والترمذي].

وإذا أتم الحج رمي الجمرات، فإنه لا يخرج من مكة إلى بلده، حتى يطوف للوداع، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الناس ينفرون من كل وجه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت } [مسلم]، إلا إذا كانت المرأة حائضاً أو نفساء، وقد طافت طواف الإفاضة، فإن طواف الوداع يسقط عنها، لحديث ابن عباس: { أمر الناس أن يكونآخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خُفف عن الحائض } [متفق عليه]، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: إن صفية قد طافت طواف الإفاضة قال: { فلتنفر إذن } [متفق عليه] وكانت حائضاً.
ويجب أن يكون هذا الطواف آخر شيء، وبه نعرف أن مايفعله بعض الناس، حين ينزلون إلى مكة، فيطوفون طواف الوداع، ثم يرجعون إلى منى، فيرمون الجمرات، ويسافرون من هناك، فهذا خطأ، ولا يجزئهم طواف الوداع، لأن هؤلاء لم يجعلوا آخر عهدهم بالبيت، وإنما جعلوا آخر عهدهم بالجمرات.

خلاصة أعمال العمرة"



(1) الإغتسال كما يغتسل للجنابة والتطيب.
(2) لبس ثياب الإحرام، إزار ورداء للرجل وللمرأة ما شائت من الثياب المباحة.
(3) التلبية والإستمرار فيها إلى الطواف.
(4) الطواف بالبيت سبعة أشواط ابتداءً من الحجر الأسود وانتهاءً به.
(5) صلاة ركعتين خلف المقام.
(6) السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط ابتداءً بالصفا وانتهاءً بالمروة.
(7) الحلق أو التقصير للرجال، والتقصير للنساء.

مجمل أعمال الحج


عمل اليوم الأول وهو يوم الثامن:
1- يحرم بالحج من مكانه فيغتسل ويتطيب ويلبس ثياب الإحرام ويقول: ( لبيك اللهم حجاً لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك ).
2- يتوجه إلى منى فيبقى فيها إلى طلوع الشمس في اليوم التاسع،ويصلي فيها الظهر من اليوم الثامن، والعصر والمغرب والعشاء والفجر، كل صلاة في وقتها، ويقصر الرباعية.
عمل اليوم الثاني وهو اليوم التاسع:
1- يتوجه بعد طلوع الشمس إلى عرفه، ويصلي الظهر والعصر قصراً وجمع تقديم، وينزل قبل الزوال بنمرة إن تيسر له.
2- يتفرغ بعد الصلاة للذكر والدعاء مستقبل القبلة رافعاً يديه ويبقى بعرفه إلى غروب الشمس.
3- يتوجه بعد غروب الشمس إلى مزدلفة فيصلي فيها المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين، ويبيت فيها حتى يطلع الفجر.
4- يصلي الفجر بعد طلوع الفجر، ثم يتفرغ للذكر والدعاء حتى يسفر جداً.
5- يتوجه قبل طلوع الشمس إلى منى.
عمل اليوم الثالث وهو يوم العيد:

1- إذا وصل إلى منى، ذهب إلى جمرة العقبة، فرماها بسبع حصيات متعاقبات، واحدة بعد الأخرى، يكبر مع كل حصاة.
2- يذبح هديه إن كان عليه هدي.
3- يحلق رأسه أو يقصره، ويتحلل بذلك التحلل الأول، فيلبس ثيابه ويتطيب، وتحل له جميع محظورات الإحرام سةى النساء.
4- ينزل إلى مكة فيطوف بالبيت طواف الإفاضة، وهو طواف الحج، ويسعى بين الصفا والمروة للحج، إن كان متمتعاً، وكذلك إن كان غير متمتع ولم يكن سعى مع طواف القدوم. وبهذا يحل التحلل الثاني، ويحل له جميع محظورات الإحرام حتى النساء.
5- يرجع إلى منى فيبيت فيها ليلة الحادي عشر.
عمل اليوم الرابع وهو الحادي عشر:


1- يرمي الجمرات الثلاث، الأولى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة، كل واحدة بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة،يرميهن بعد الزوال ولا يجوز قبلهز ويلاحظ الوقوف للدعاء بعد الجمرة الأولى والوسطى.
2- يبيت في منى ليلة الثاني عشر.
عمل اليوم الخامس وهو الثاني عشر:

1- يرمي الجمرات الثلاث كما رماهن في اليوم الرابع.
2- ينفر من منى قبل غروب الشمس إن أراد التعجل، أو يبيت فيها إن أراد التأخر.
عمل اليوم السادس وهو الثالث عشر:
هذا اليوم خاص بمن تأخر ويعمل فيه:

1- يرمي الجمرات الثلاث كما سبق في اليومين قبله.
2- ينفلا من منى بعد ذلك.
وآخر الأعمال طواف الوداع عند سفره، والله أعلم.

أنواع النسك
الأنساك ثلاثة: تمتع، إفراد، قران.

فالتمتع: أن يُحرم بالعمرة وحدها في أشهر الحج، فإذا وصل مكة طاف وسعى للعمرة وحلق أو قصر، فإذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج وحده وأتى بجميع أفعاله.

والإفراد: أن يحرم بالحج وحده، فإذا وصل مكة طاف للقدوم وسعى للحج ولا يحلق ولا يقصر ولا يحل من إحرامه،بل يبقى محرماً حتى يحل من بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد، وإن أخر سعي الحج إلى ما بعد طواف الحج فلا بأس.

والقران: أن يحرم بالعمرة والحج جميعاً،أو يحرم بالعمرةأولاً ثم يدخل الحج عليهما قبل الشروع في طوافها. وعمل القارن كعمل المفرد سواء، إلا أن القارن عليه هدي، والمفرد لاهدي عليه.

تقبل حجكم ورفع في الجنان قدركم وأعادكم الى اهلكم واحبتكم سالمين ومغفور لكم
من الذنوب كيوم ولدتكم امهاتكم ان شاء الله.....

اخواني اخواتي في الله
اسأل الله ان ينفع به وان تعم الفائده

صفة الحج
راجعها فضيلة العلامة
عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين ( رحمه الله وغفر له )

مراحل الحج خطوة بخطوة

* حج بيت الله الحرام ركن من أركان الإسلام لقوله تعالى { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا }1 .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا )2.
فالحج واجب على كل مسلم مستطيع مرة واحدة في العمر .
* الاستطاعة هي أن يكون المسلم صحيح البدن ، يملك من المواصلات ما يصل به إلى مكة حسب حاله ، ويملك زاداً يكفيه ذهاباً وإياباً زائداً على نفقات من تلزمه نفقته .
ويشترط للمرأة خاصة أن يكون معها محرم .
* المسلم مخير بين أن يحج مفرداً أو قارناً أو متمتعاً . والإفراد هو أن يحرم بالحج وحده بلا عمرة .
والقران هو أن يحرم بالعمرة والحج جميعاً .
والتمتع هو أن يحرم بالعمرة خلال أشهر الحج ( وهي شوال و ذو القعدة وذو الحجة ) ثم يحل منها ثم يحرم بالحج في نفس العام .
ونحن في هذه المطوية سنبين صفة التمتع لأنه أفضل الأنساك الثلاثة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به أصحابه .
إذا وصل المسلم إلى الميقات ( والمواقيت خمسة كما في صورة 1 ) يستحب له أن يغتسل ويُطيب بدنه ، لأنه صلى الله عليه وسلم اغتسل عند إحرامه 3 ، ولقول عائشة رضي الله عنها : ( كنت أطيب رسول الله لإحرامه قبل أن يحرم )4. ويستحب له أيضاً تقليم أظافره وحلق عانته وإبطيه .

* المواقيت :

مراحل الحج خطوة بخطوة

1- ذو الحليفة ، وتبعد عن مكة 428كم . .
2- الجحفة ، قرية بينها وبين البحر الأحمر 10كم ، وهي الآن خراب ، ويحرم الناس من رابغ التي تبعد عن مكة 186كم .
3- يلملم ، وادي على طريق اليمن يبعد 120كم عن مكة ، ويحرم الناس الآن من قرية السعدية .
4- قرن المنازل : واسمه الآن السيل الكبير يبعد حوالي 75كم عن مكة .
5- ذات عرق : ويسمى الضَريبة يبعد 100كم عن مكة ، وهو مهجور الآن لا يمر عليه طريق .
تنبيه : هذه المواقيت لمن مر عليها من أهلها أو من غيرهم .
ـ من لم يكن على طريقه ميقات أحرم عند محاذاته لأقرب ميقات .
ـ من كان داخل حدود المواقيت كأهل جدة ومكة فإنه يحرم من مكانه .

مراحل الحج خطوة بخطوة

* ثم يلبس الذكر لباس الإحرام ( وهو إزار ورداء ) ويستحب أن يلبس نعلين [ أنظر صورة 2 ] ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين )5 .
* أما المرأة فتحرم في ما شاءت من اللباس الساتر الذي ليس فيه تبرج أو تشبه بالرجال ، دون أن تتقيد بلون محدد . ولكن تجتنب في إحرامها لبس النقاب والقفازين لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين ) 6، ولكنها تستر وجهها عن الرجال الأجانب بغير النقاب ، لقول أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها : ( كنا نغطي وجوهنا من الرجال في الإحرام ) 7.
ثم بعد ذلك ينوي المسلم بقلبه الدخول في العمرة ، ويشرع له أن يتلفظ بما نوى ، فيقول : ( لبيك عمرة ) أو ( اللهم لبيك عمرة ) .
والأفضل أن يكون التلفظ بذلك بعد استوائه على مركوبه ، كالسيارة ونحوها .


* ليس للإحرام صلاة ركعتين تختصان به ، ولكن لو أحرم المسلم بعد صلاة فريضة فهذا أفضل ، لفعله صلى الله عليه وسلم 8.
* من كان مسافراً بالطائرة فإنه يحرم إذا حاذى الميقات .
* للمسلم أن يشترط في إحرامه إذا كان يخشى أن يعيقه أي ظرف طارئ عن إتمام عمرته وحجه .
كالمرض أو الخوف أو غير ذلك ، فيقول بعد إحرامه : ( إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني ) وفائدة هذا الاشتراط أنه لو عاقه شيء فإنه يحل من عمرته بلا فدية .
* ثم بعد الإحرام يسن للمسلم أن يكثر من التلبية ، وهي قول : ( لبيك اللهم لبيك ن لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ) يرفع بها الرجال أصواتهم ، أما النساء فيخفضن أصواتهن .

مراحل الحج خطوة بخطوة

* ثم إذا وصل الكعبة قطع التلبية واضطبع بإحرامه 9 [كما في صورة 3 ] ، ثم استلم الحجر الأسود بيمينه ( أي مسح عليه ) وقبله قائلاً : ( الله اكبر ) 10 ، فإن لم يتمكن من تقبيله بسبب الزحام فإنه يستلمه بيده ويقبل يده 11. فإن لم يستطع استلمه بشيء معه ( كالعصا ) وما شابهها وقبّل ذلك الشيء ، فإن لم يتمكن من استلامه استقبله بجسده وأشار إليه بيمينه – دون أن يُقبلها – قائلاً : ( الله أكبر ) 12 ، [ كما في صورة 4 ]، ثم يطوف على الكعبة 7 أشواط يبتدئ كل شوط بالحجر الأسود وينتهي به ، ويُقَبله ويستلمه مع التكبير كلما مر عليه ، فإن لم يتمكن أشار إليه بلا تقبيل مع التكبير – كما سبق – ، ويفعل هذا أيضا في نهاية الشوط السابع .
أما الركن اليماني فإنه كلما مر عليه استلمه بيمينه دون تكبير 13،[ كما في صورة 4 ]، فإن لم يتمكن من استلامه بسبب الزحام فإنه لا يشير إليه ولا يكبر ، بل يواصل طوافه .

ويستحب له أن يقول في المسافة التي بين الركن اليماني والحجر الأسود ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) 14 [ كما في صورة 4 ].

مراحل الحج خطوة بخطوة

* ليس للطواف ذكر خاص به فلو قرأ المسلم القرآن أو ردد بعض الأدعية المأثورة أو ذكر الله فلا حرج .
* يسن للرجل أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى من طوافه .
والرَمَل هو الإسراع في المشي مع تقارب الخطوات ، لفعله صلى الله عليه وسلم ذلك في طوافه 15.
* ينبغي للمسلم أن يكون على طهارة عند طوافه ، لأنه صلى الله عليه وسلم توضأ قبل أن يطوف 16 .
* إذا شك المسلم في عدد الأشواط التي طافها فإنه يبني على اليقين ، أي يرجح الأقل ، فإذا شك هل طاف 3 أشواط أم 4 فإنه يجعلها 3 احتياطاً ويكمل الباقي .
* ثم إذا فرغ المسلم من طوافه اتجه إلى مقام إبراهيم عليه السلام وهو يتلو قوله تعالى { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } 17، ثم صلى خلفه ركعتين بعد أن يزيل الاضطباع ويجعل رداءه على كتفيه [ كما في صورة 4 ].
* ويسن أن يقرأ في الركعة الأولى سورة { قل يا أيها الكافرون } وفي الركعة الثانية سورة { قل هو الله أحد }18.
* إذا لم يتمكن المسلم من الصلاة خلف المقام بسبب الزحام فإنه يصلي في أي مكان من المسجد ، ثم بعد صلاته عند المقام يستحب له أن يشرب من ماء زمزم ، ثم يتجه إلى الحجر الأسود ليستلمه بيمينه ، 19. فإذا لم يتمكن من ذلك فلا حرج عليه .

مراحل الحج خطوة بخطوة

* ثم يتجه المسلم إلى الصفا ، ويستحب له أن يقرأ إذا قرب منه قوله تعالى : { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } 20.
ويقول ( نبدأ بما بدأ الله به ) ثم يستحب له أن يرقى على الصفا فيستقبل القبلة ويرفع يديه [ كما في صورة 5 ] ، ويقول – جهراً - : ( الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ) ثم يدعو – سراً – بما شاء ، ثم يعيد الذكر السابق ، ثم يدعو ثانية ثم يعيد الذكر السابق مرة ثالثة ولا يدعو بعده 21.
* ثم ينزل ويمشي إلى المروة ، ويسن له أن يسرع في مشيه فيما بين العلمين الأخضرين في المسعى ، فإذا وصل المروة استحب له أن يرقاها ويفعل كما فعل على الصفا من استقبال القبلة ورفع اليدين والذكر والدعاء السابق .
وهكذا يفعل في كل شوط .
أما في نهاية الشوط السابع من السعي فإنه لا يفعل ما سبق .
* ليس للسعي ذكر خاص به . ولكن يشرع للمسلم أن يذكر الله ويدعوه بما شاء ، وإن قرأ القرآن فلا حرج .
* يستحب أن يكون المسلم متطهراً أثناء سعيه .
* إذا أقيمت الصلاة وهو يسعى فإنه يصلي مع .ة ثم يكمل سعيه .
* ثم إذا فرغ المسلم من سعيه فإنه يحلق شعر رأسه أو يقصره ، والتقصير هنا أفضل من الحلق ، لكي يحلق شعر رأسه في الحج .
* لابد أن يستوعب التقصير جميع أنحاء الرأس ، فلا يكفي أن يقصر شعر رأسه من جهة واحدة .
* المرأة ليس عليها حلق ، وإنما تقصر شعر رأسها بقدر الأصبع من كل ظفيرة أو من كل جانب ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير )22 .
* ثم بعد الحلق أو التقصير تنتهي أعمال العمرة ، فيحل المسلم إحرامه إلى أن يحرم بالحج في يوم ( 8 ذي الحجة ) .
إذا كان يوم ( 8 ذي الحجة ) وهو المسمى يوم التروية أحرم المسلم بالحج من مكانه الذي هو فيه وفعل عند إحرامه بالحج كما فعل عند إحرامه بالعمرة من الاغتسال والتطيب و .... الخ ، ثم انطلق إلى منى فأقام بها وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، يصلي كل صلاة في وقتها مع قصر الرباعية منها ( أي يصلي الظهر والعصر والعشاء ركعتين ) .

* فإذا طلعت شمس يوم ( 9 ذي الحجة وهو يوم عرفة ) توجه إلى عرفة ، ويسن له أن ينزل بنمرة ( وهي ملاصقة لعرفة ) [ كما في صورة 6 ]، ويبقى فيها إلى الزوال ثم يخطب الإمام أو من ينوب عنه الناسَ بخطبة تناسب حالهم يبين لهم فيها ما يشرع للحجاج في هذا اليوم وما بعده من أعمال ، ثم يصلي الحجاج الظهر والعصر قصراً وجمعاً في وقت الظهر ، ثم يقف الناس بعرفة ، وكلها يجوز الوقوف بها إلا بطن عُرَنة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( عرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عُرَنة )23 ، ولكن يستحب للحاج الوقوف خلف جبل عرفة مستقبلاً القبلة [ كما في صورة 7 ]، لأنه موقف النبي صلى الله عليه وسلم 24، إن تيسر ذلك . ويجتهد في الذكر والدعاء المناسب ، ومن ذلك ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم : ( خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ) 25.

مراحل الحج خطوة بخطوة

االتروية : سمي بذلك لأن الناس كانوا يتروون فيه من الماء ، لأن منى لم يكن بها ماء ذلك الوقت
بطن عُرَنة : وهو وادي بين عرفة ومزدلفة [ كما في صورة 6 ]
جبل عرفة : ويسمى خطأ ( جبل الرحمة ) وليست له أي ميزة على غيره من أرض عرفة ، فينبغي عدم قصد صعوده أو التبرك بأحجاره كما يفعل الجهال .

مراحل الحج خطوة بخطوة

* يستحب للحاج أن يكون وقوفه بعرفة على دابته ، لأنه صلى الله عليه وسلم وقف على بعيره 26، وفي زماننا هذا حلت السيارات محل الدواب ، فيكون راكباً في سيارته ، إلا إذا كان نزوله منها أخشع لقلبه .
* لا يجوز للحاج مغادرة عرفة إلى مزدلفة قبل غروب الشمس .
* فإذا غربت الشمس سار الحجاج إلى مزدلفة بسكينة وهدوء وأكثروا من التلبية في طريقهم ، فإذا وصلوا مزدلفة صلوا بها المغرب ثلاث ركعات والعشاء ركعتين جمعاً ، بأذان واحد ويقيمون لكل صلاة ، وذلك عند وصولهم مباشرة دون تأخير ( وإذا لم يتمكنوا من وصول مزدلفة قبل منتصف الليل فإنهم يصلون المغرب والعشاء في طريقهم خشية خروج الوقت ) .
ثم يبيت الحجاج في مزدلفة حتى يصلوا بها الفجر ، ثم يسن لهم بعد الصلاة أن يقفوا عند المشعر الحرام مستقبلين القبلة ، مكثرين من ذكر الله والدعاء مع رفع اليدين ، إلى أن يسفروا – أي إلى أن ينتشر النور – [ أنظر صورة 6 ] لفعله صلى الله عليه وسلم 27.
* يجوز لمن كان معه نساء أو ضَعَفة أن يغادر مزدلفة إلى منى إذا مضى ثلثا الليل تقريباً ، لقول ابن عباس رضي الله عنهما : ( بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضَعَفة من جمع بليل ) 28 .
* مزدلفة كلها موقف ، ولكن السنة أن يقف بالمشعر الحرام كما سبق ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( وقفت هاهنا ومزدلفة كلها موقف ) 29 .
ثم ينصرف الحجاج إلى منى مكثرين من التلبية في طريقهم ، ويسرعون في المشي إذا وصلوا وادي مُحَسِّر ، ثم يتجهون إلى الجمرة الكبرى ( وهي جمرة العقبة ) ويرمونها بسبع حصيات ( يأخذونها من مزدلفة أو منى حسبما تيسر ) كل حصاة بحجم الحمص تقريباً [ كما في صورة 8 ]

مراحل الحج خطوة بخطوة

المشعر الحرام : وهو الآن المسجد الموجود بمزدلفة ( كما في صورة 6 )
جمع : جمع هي مزدلفة ، سميت بذلك لأن الحجاج يجمعون فيها صلاتي المغرب والعشاء .
وادي مُحَسِّر : وهو وادي بين منى ومزدلفة ( كما في صورة 6 ) وسمي بذلك لأن فيل أبرهة حَسَرَ فيه ، أي وقف ، فهو موضع عذاب يسن الإسراع فيه .

مراحل الحج خطوة بخطوة

يرفع الحاج يده عند رمي كل حصاة قائلاً : ( الله أكبر ) ، ويستحب أن يرميها من بطن الوادي ويجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه [ كما في صورة 9] ، لفعله صلى الله عليه وسلم 30. ولا بد من وقوع الحصى في بطن الحوض – ولا حرج لو خرجت من الحوض بعد وقوعها فيه – أما إذا ضربت الشاخص المنصوب ولم تقع في الحوض لم يجزئ ذلك .
* ثم بعد الرمي ينحر الحاج ( الذي من خارج الحرم ) هديه ، ويستحب له أن يأكل منه ويهدي ويتصدق . ويمتد وقت الذبح إلى غروب الشمس يوم ( 13 ذي الحجة ) مع جواز الذبح ليلاً ، ولكن الأفضل المبادرة بذبحه بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد ، لفعله صلى الله عليه وسلم . ( وإذا لم يجد الحاج الهدي صام 3 أيام في الحج ويستحب أن تكون يوم 11 و 12 و 13 و 7 أيام إذا رجع إلى بلده ) .


ثم بعد ذبح الهدي يحلق الحاج رأسه أو يقصر منه ، والحلق أفضل من التقصير ، لأنه صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين بالمغفرة 3 مرات وللمقصرين مرة واحدة 31.
* بعد رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير يباح للحاج كل شيء حرم عليه بسبب الإحرام إلا النساء ، ويسمى هذا التحلل ( التحلل الأول ) ، ثم يتجه الحاج – بعد أن يتطيب – إلى مكة ليطوف بالكعبة طواف الإفاضة المذكور في قوله تعالى : { ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليَطوّفوا بالبيت العتيق } 32. لقول عائشة رضي الله عنها : ( كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف بالبيت ) 33 ، ثم يسعى بعد هذا الطواف سعي الحج .
وبعد هذا الطواف يحل للحاج كل شيء حرم عليه بسبب الإحرام حتى النساء ، ويسمى هذا التحلل ( التحلل التام ) .
* الأفضل للحاج أن يرتب فعل هذه الأمور كما سبق ( الرمي ثم الحلق أو التقصير ثم الذبح ثم طواف الإفاضة ) ، لكن لو قدم بعضها على بعض فلا حرج .
* ثم يرجع الحاج إلى منى ليقيم بها يوم ( 11 و 12 ذي الحجة بلياليهن ) إذا أراد التعجل ( بشرط أن يغادر منى قبل الغروب ) ، أو يوم ( 11 و 12 و 13 ذي الحجة بلياليهن ) إذا أراد التأخر ، وهو أفضل من التعجل ، لقوله تعالى { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى }34.
ويرمي في كل يوم من هذه الأيام الجمرات الثلاث بعد الزوال 35 مبتدئاً بالصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى ، بسبع حصيات لكل جمرة ، مع التكبير عند رمي كل حصاة .
ويسن له بعد أن يرمي الجمرة الصغرى أن يتقدم عليها في مكان لا يصيبه فيه الرمي ثم يستقبل القبلة ويدعو دعاء طويلاً رافعاً يديه [ كما في صورة 10 ] ، ويسن أيضاً بعد أن يرمي الجمرة الوسطى أن يتقدم عليها ويجعلها عن يمينه ويستقبل القبلة ويدعو دعاء طويلاً رافعاً يديه [ كما في صورة 10] أما الجمرة الكبرى ( جمرة العقبة ) فإنه يرميها ولا يقف يدعو ، لفعله صلى الله عليه وسلم ذلك 36.

مراحل الحج خطوة بخطوة

*بعد فراغ الحاج من حجه وعزمه على الرجوع إلى أهله فإنه يجب عليه أن يطوف ( طواف الوداع ) ثم يغادر مكة بعده مباشرة ، لقول ابن عباس رضي الله عنهما : ( أمِر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خُفف عن المرأة الحائض ) 37 ، فالحائض ليس عليها طواف وداع .

* مسائل متفرقة :
* يصح حج الصغير الذي لم يبلغ ، لأن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبياً فقالت : يا رسول الله ألهذا حج ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( نعم ، ولك أجر ) 38، ولكن لا تجزئه هذه الحجة عن حجة الإسلام ، لأنه غير مكلف ، ويجب عليه أن يحج فرضه بعد البلوغ .
* يفعل ولي الصغير ما يعجز عنه الصغير من أفعال الحج ، كالرمي ونحوه .
* الحائض تأتي بجميع أعمال الحج غير أنها لا تطوف بالبيت إلا إذا انقطع حيضها و اغتسلت ، ومثلها النفساء .
* يجوز للمرأة أن تأكل حبوب منع العادة لكي لا يأتيها الحيض أثناء الحج .
* يجوز رمي الجمرات عن كبير السن وعن النساء إذا كان يشق عليهن ، ويبدأ الوكيل برمي الجمرة عن نفسه ثم عن موُكله . وهكذا يفعل في بقية الجمرات .
* من مات ولم يحج وقد كان مستطيعاً للحج عند موته حُج عنه من تركته ، وإن تطوع أحد أقاربه بالحج عنه فلا حرج .
* يجوز لكبير السن والمريض بمرض لا يرجى شفاؤه أن ينيب من يحج عنه ، بشرط أن يكون هذا النائب قد حج عن نفسه .

* محظورات الإحرام :
لا يجوز للمحرم أن يفعل هذه الأشياء :
1- أن يأخذ شيئاً من شعره أو أظافره .
2- أن يتطيب في ثوبه أو بدنه .
3- أن يغطي رأسه بملاصق ، كالطاقية والغترة ونحوها .
4- أن يتزوج أو يُزَوج غيره ، أو يخطب .
5- أن المعاشرة.
6- أن يباشر ( أي يفعل مقدمات المعاشرة من اللمس والتقبيل ) بشهوة .
7- أن يلبس الذكر مخيطاً ، وهو ما فُصّل على مقدار البدن أو العضو ، كالثوب أو الفنيلة أو السروال ونحوه ، وهذا المحظور خاص بالرجال – كما سبق - .
8- أن يقتل صيداً برياً ، كالغزال والأرنب والجربوع ، ونحو ذلك .

* من فعل شيئاً من هذه المحظورات جاهلاً أو ناسياً أو مُكرهاً فلا إثم عليه ولا فدية .
* أما من فعلها متعمداً – والعياذ بالله – أو محتاجاً لفعلها : فعليه أن يسأل العلماء ليبينوا له ما يلزمه من الفدية .
* تنبيه : من ترك شيئاً من أعمال الحج الواردة في هذه المطوية فعليه أن يسأل العلماء ليبينوا له ما يترتب على ذلك .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
----------------------
للتذكير
الاعمال المستحبة في عشر ذي الحجة
الصيام
يستحب صيام عشر ذي الحجة
مكانتهاوفضلها فقد
اقسم الله في كتابه بقوله \والفجر 0 وليال عشر \الفجر 21
وقد خص النبي ايضا يوم عرفة بالصوم فقال \صيام يوم عرفة احتسب على الله ابكفر السنة الى قبله والتي بعده \ روه مسلم
فسارعوا خواتي واخواني في الله الاجر
مادام انتم في صحة وعافية
حجااااا عفافي اااابي
اهدي هذا الموضوع
كصدقة جارية
الى اخي
رحمة الله عليه وغفر الله له
واسكنه الجنان
اللهم امين اللهم امين
اللهم امين

تألقى فى العيد بالجديد و المميز و موديلات حصرى

Posted: 11 Oct 2012 03:04 PM PDT


تألقى فى العيد بالجديد و المميز و موديلات حصرى

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته


قرب العيد


و كل عام وانتم بخير


اليوم بقدم لكم لانجيرى العيد
جدييييييييييييد و شيك و خامات واااااااااو

للأتصال من داخل المملكة

0562692115

ام جنى


اسيبكم مع الصور
و الاسعار فى المشاركة بعد الصور
دعواتكم بصلاح الاحوال

[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]

[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]
[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]
[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]

[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]

[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]

[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]

[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]

[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]

[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]

[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]

[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]

تألقى فى العيد بالجديد و المميز و موديلات حصرى

Posted: 11 Oct 2012 03:03 PM PDT


تألقى فى العيد بالجديد و المميز و موديلات حصرى

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته


قرب العيد


و كل عام وانتم بخير


اليوم بقدم لكم لانجيرى العيد
جدييييييييييييد و شيك و خامات واااااااااو

للأتصال من داخل المملكة

0562692115

ام جنى


اسيبكم مع الصور
و الاسعار فى المشاركة بعد الصور
دعواتكم بصلاح الاحوال

[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]

[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]
[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]
[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]

[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]

[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]

[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]

[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]

[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]

[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]

[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]

[URL=http://www.up-00.com/]تألقى العيد بالجديد المميز موديلات حصرى[/url]


برنامج نفاس شغل امي والله تتطلعين من النفاس غير

Posted: 11 Oct 2012 03:00 PM PDT


برنامج نفاس شغل امي والله تتطلعين من النفاس غير

يشهد ربي الي فوووووق شغل نظيف وادويه تتطلعين ممن النفاااس عروووس
والله مو دعااايه شغل امي وتجيبها للبيت وتنقيها وتنظفها وتتطحنها بطحونه خاااص لها الي جربوها وشافو نتايجه والله يدعوون لامي تدرين اولا شي ماراح تشتكين من الخوا والهوا والافرازت والتوسع والاصوات اغلب الحرريم يكلموني والله انهم يبكون لانه بجد احراج عند الزوج وبالذات لاصرت بالنفاااس مرحبااا حبيباتي اولا قبل ابدبالموضوع والله العظيم
ومشتاااق لكي تخيلي افرازت ومويات وتوسع واصوات وبالعربي تكونين خربانه
والله اناا بنفس وخواتي ماناخذ الاعلاج امي تدرون ليش لاني اطلع من النفاااس واناواثقه من نفسي
برنامج كاامل تمشين عليها النفاااس كلهماتاخذين من العطار شي لان العطاارين وسخين وكلها حشرات وانتي بنفسك راح تشوفين وتحكمين وماعندي مانع الي تجربها تقول رايه هينا اقولكم الي بالشنطه كامله
1علاج العشرالايام الاوله لتنظيف الارحام وشد الجسم ويخيط الخياط اذا كنتي مسويها تجميل
2الطبيخه بصررراحه كلمة روووعه قليله فيها لانها تشيل الالالم وتنظف الارحام وتشد منطقة . وراح تشوفين ايش الي راح ينزل منك من الاوساخ مرره مررره ممتازززه وتمنع الالتهابات والحكه
3علاج النفاس الاساسي الي من11يوم 35يوم يفتح البشره واذا حابه تحط لكي الوالده مسمن طبعا ع طلب ال.ووونه ويضوق وينظف الرحم ويشيل الكرش ويمنع الافرازت ويشد الارحام ويجعل جسمك مشدود وبشره مورده
4علاج الخوا والهوا والافرازت والتضويقيوخذ من25يوم الي 40يوم طبعا يمنع الهوا والافرازت ويعالج الخوا ويضوق ويفتح لون بشرررتك
5غسول طبعا مره مره ممتازتغسلين المنطقه ثلاث مررات باليوم من اول النفااسالي اخره يطهر المنطقه ويفتحها ويمنع الافرازت
6كبو فايدته يطلع كل الهوا الي بالجسم ويشيل الالم الي تسببها الخو والهواويشد ويضوق
7بهااار قهوه مهم جدا جدا لانه يمنع الشمم لان بعض الحريماذا جت تقهوي وحده معاها عطورات واحيانا بخور البيت يشم ع الارحام فضروري بهاارالقهوه
وهذا شرررررح مفصل لشنطة النفاس والله يابنات شغل متعوب عليه وامي ربييخليها لي تحتاج الدعاء فقط والله الشاااهد ع كل كلمه كتبتها وخبرت امي اجبرتني اسوق وانامرتاحه واثقه والي بتاخذ باذن الحي القيوم لاتشوف العافيه والصحه
واخيرررا لاوصيكم الاستغفار ولاغيره لكل هموم الدنيا
استغفرالله لي وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهموالاموووات
واي استسفار ع رقمي او الواتس اب ومارد هينا ابد احط رقمي والي حابه تتواصل معي حياكم باي وقت 0533669176

تبغين موخره بارزه ومغريه وبيضاء روعه وخدود منفوخه جربي وشوفي النتايج بنفسك

Posted: 11 Oct 2012 02:57 PM PDT


تبغين موخره بارزه ومغريه وبيضاء روعه وخدود منفوخه جربي وشوفي النتايج بنفسك

ابقولكم منتجاتي وربي الشااهدماهي دعاايه ولامجرد اعلان والخببره كسبتها من امي ربي يحفظه الي^-^
اولا منتجااتي والي جابت نتااايج مبهررره ونتااايج روعه روعه مع ال.اينوهي
خلطه خااصه لتكبير الارداف والمقصد الموخرره تبرزهوتكبببرها بشكل واااضح ومشدوده والنتايج تلاحظينها 15يوم طبعا كل ما استمريتي كلماشفتي نتايج احلى وارووع والحمدالله وطبعاوامنه ع الحامل والمرضع والي فيهم سكروضغط يعني يكلونهاوهم مرتاحين ع الاخرر
الي وجيهم نحاافه عندي خلطةخاااصه لنفخ الخدود مره مره تنفخها وتصفي البشره وتعطي نظاره وطبيعيه وامنه
عندك كررش وماعند خصرعندي تركيبةاعشاب لمسح الكرش وتنحت الخصرلكي خلال 20يوم شوفي البطن والله والله ان تدعين لي والي اخذوه ابطونهم مره مره كبيررهوالله يتصلون ويشكرروني ومعاه زيت لشد والتشققات ويمنع الترهل
كوررس لتسمين الجسم كامل للجسم والخدود والاردافخلال10ايام تلاحظين الفررق ويفتح لون البشره والاحلى وزززنك ثابت يعني لما تتركين الكورس يثبت الوزن
علاج خااص لمشاكل الارحام ومنها الهوا والخواوالاصوات والمويات والافرازت والتوسع
بناااات اوحررريم والله والله مشااكل الهوا والخوا الي يجي بالارحام مشاكله كثيره ومنها القلق والخوف وممكن اذا اهملتي نفسك وما اخذتي العلاج المناسب وع فكره مو اي حرمه تعرف علاج الهواوالخوا بعضهم غرضهم مادي وبعضهم يحطون مردود وبعض المردوديخرب
لكن العلاج والله والله تسويه امي واعشاب نظيفه ومضمونه وغير كذا الهواوالاصوات والافرازت والاصوات تختفي حتى يضوق المنطقه عندك وتصيرين ناشفه تماماويروح منك الصوت والهوا وتصير ارحامك مرره كويساوماراح تعانين من اي مشكله والعلاج يتكون من اربع ادويه يستخدم ايام الدوره حتي ينظم الدوره ويطردالغازات وينظف الارحام تنظيف
شعرك تالف وباهت ويتساقط ومايطول
الحل زيت تاج الهندبالاعشابالهنديه اليتجينيمن الهند والزيوت خصيصه لشعر التعبااانه وماشاءالله شهرر واحدشوفي النتايج و10ايام مافيه تساقط ويطول بفتره وجيزه وينعم يخلي شعررناااااااعموماشاء الله الكل راح يسالك عننننها وع فكره اذاخليتيالزيت مستحيل يتساقط لانه يقوى البصيلات ويغذيهااا
كرريم خاااصه لتبيض البشره ومعاه الصابونه يشيل للكلف والتمش ويعالج البشره الباهت والكريم طبيعي ومافيه اي مواد ضاار ويعطي بياااااض مره مره مره رووعه والاهم بعد ماتوقفين الكريم حافظي ع بشررتك بالوشن ترطيب يحافظع البشررره وع بياااضها
كرريم خااص لتبيض المنطقه الحساسه وطبيعي ومره ممتازونتايج رهيب مره والاحلى انه ثااااااااااابت الون مايتغير
كررريم لتبيض الجسم كامل لركب والاكواااع والاباطوالرقبه مع الصنفررره الررهيبه الي بتشيل الجلد الميت ويعطيك البياض والصفاءالنضاره والون ثااابت
وبكذا خلصت منتجاتي الي مجررربه والي 9سنووواتوالله الشاهد انها مضمونه وشغل نظيف والاهم تكونين .واثقه انا والله مو مجرد تجاره فقط الاهم انفع الناس وانفع نفس بما يرضي الله
منتجاااتي معرروفه بمنتجاات القممه
الخااااصه لام فايزز ومنتجااتي حصريه لي انا فقط
وهذااا رقمي الاتصال او ع الواتس0533669176

استمتع بهالرنة الجميلة الجذابة mp3

Posted: 11 Oct 2012 02:49 PM PDT


استمتع بهالرنة الجميلة الجذابة mp3

[CENTER]استمتع بهالرنة الجميلة الجذابة

استمتع بهالرنة الجميلة الجذابة mp3

استمتع بهالرنة الجميلة الجذابة

حمل من هنــــــــــــــا
او
استمتع بهالرنة الجميلة الجذابة


من هنـــــــــــــــــا


يارب تحبوها
وتنال الاعجاب
[/CENTER]

ماسك الذهب للملكة كليوباترا الأصلى Golden Mask

Posted: 11 Oct 2012 02:46 PM PDT


ماسك الذهب للملكة كليوباترا الأصلى Golden Mask

ماسك الذهب للملكة كليوباترا الأصلى Golden Mask للدكتور عادل عبد العال
للحفاظ على بشرة نضرة ومشرقة وجذابة.

قناع الذهب أو "أكسير الشباب" عبارة عن رقائق من الذهب الخالص بنسبة 99.9%، استخدمه الطب القديم لمعالجة تقرحات البشرة والبهاق والتجاعيد.

لطلب على الواتس اب
0556436290
ماسك الذهب للملكة كليوباترا الأصلى Golden Mask

سوفت سليم المنتج الول للتنحيف

Posted: 11 Oct 2012 02:24 PM PDT


سوفت سليم المنتج الول للتنحيف

Natural and safe
Rapid weight loss with no additional diet!
Soft slim

350mg× 30 capsules

ما هوsoft slim:
هو متمم غذائي مصنع من الأعشاب الطبيعية للتخلص من الوزن الزائد يمتاز عن غيره من الأصناف حيث أن فعاليته تبدأ من الحبة الأولى دون تمارين رياضية أو الإحساس بعوارض جانبية مما يجعله من أحسن المنتجات لفقدان الوزن. يعمل على مضاعفة حرق الدهون المتراكمة في الجسم وينشط عملية الخلايا الدهنية وتذويبها في معظم الأماكن مثل المعدة والخصر والأوراك والأرداف دون التعرض إلى ماء الجسم أو العضلات مثل الصدر.
المكونات الأساسية:
Aloe Vera 21% , Ananas leaf 13%, Artemisia Dracunculus 9%, Bamboo shoot 7%, Garcinia cambogia16%, jobstears13%, lotus leaf9%, and psyllium Husk12%.
خصائص ومميزات soft slim:
· يعمل على قطع الشهية وحرق الدهون من الحبة الأولى.
· خسارة 3-4 كيلو غرام من أول أسبوع.
· يسرع عملية حرق الدهون العنيدة في الأماكن الأكثر تراكماً في الجسم.
· يسرع عملية الأيض.
· يعمل على حرق الدهون والسعرات الحرارية.
· يتم إنتاجه من المستخلصات النباتية.
· ليس له آثار جانبية كالعطش أو الإسهال أو الصداع.

طريقة الاستعمال: تؤخذ حبة واحدة فقط صباحاً مع كوب كبير من الماء (قبل دقائق من الفطور)

دواعي الاستعمال:الأشخاص الذين يعانون من الوزن الزائد.
تحذير: لا يستخدم هذا المنتج للحوامل والرضع والذين يعانون من أمراض القلب والضغط.

للطلبات:0596057479 او عبر الواتس اب

جلابيات رقص مصرية لمحبات التغير والتميزز

Posted: 11 Oct 2012 02:22 PM PDT


جلابيات رقص مصرية لمحبات التغير والتميزز

الجلابية المصرية لمحبات التغير
المقاس موحد(وان سايز)

توووجد بجميع الالوان
السعر 120ريال
لطلب على الواتس اب

0556436290
جلابيات مصرية لمحبات التغير والتميزز

انقصي وزنك حتى 12كيلو

Posted: 11 Oct 2012 02:21 PM PDT


انقصي وزنك حتى 12كيلو

Natural and safe
Rapid weight loss with no additional diet!
Soft slim

350mg× 30 capsules

ما هوsoft slim:
هو متمم غذائي مصنع من الأعشاب الطبيعية للتخلص من الوزن الزائد يمتاز عن غيره من الأصناف حيث أن فعاليته تبدأ من الحبة الأولى دون تمارين رياضية أو الإحساس بعوارض جانبية مما يجعله من أحسن المنتجات لفقدان الوزن. يعمل على مضاعفة حرق الدهون المتراكمة في الجسم وينشط عملية الخلايا الدهنية وتذويبها في معظم الأماكن مثل المعدة والخصر والأوراك والأرداف دون التعرض إلى ماء الجسم أو العضلات مثل الصدر.
المكونات الأساسية:
Aloe Vera 21% , Ananas leaf 13%, Artemisia Dracunculus 9%, Bamboo shoot 7%, Garcinia cambogia16%, jobstears13%, lotus leaf9%, and psyllium Husk12%.
خصائص ومميزات soft slim:
· يعمل على قطع الشهية وحرق الدهون من الحبة الأولى.
· خسارة 3-4 كيلو غرام من أول أسبوع.
· يسرع عملية حرق الدهون العنيدة في الأماكن الأكثر تراكماً في الجسم.
· يسرع عملية الأيض.
· يعمل على حرق الدهون والسعرات الحرارية.
· يتم إنتاجه من المستخلصات النباتية.
· ليس له آثار جانبية كالعطش أو الإسهال أو الصداع.

طريقة الاستعمال: تؤخذ حبة واحدة فقط صباحاً مع كوب كبير من الماء (قبل دقائق من الفطور)

دواعي الاستعمال:الأشخاص الذين يعانون من الوزن الزائد.
تحذير: لا يستخدم هذا المنتج للحوامل والرضع والذين يعانون من أمراض القلب والضغط.

للطلبات:0596057479 او عبر الواتس اب

وصلت حالا،واسع الكرم ليوسف االايوب

Posted: 11 Oct 2012 02:21 PM PDT


وصلت حالا،واسع الكرم ليوسف االايوب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أعزائي انشودة واسع الكرم ليوسف االايوب
للتحميل

الحمار الطائر 2017

Posted: 11 Oct 2012 02:07 PM PDT


الحمار الطائر 2017

الحمار الطائر 2017

عندما يمر رئيس أو مسؤول أو ملك ..

Posted: 11 Oct 2012 02:02 PM PDT


عندما يمر رئيس أو مسؤول أو ملك ..

عندما رئيس مسؤول

PhonerLite 2.04 - للاتصال بأى هاتف ومحمول وارسال رسائل مجاناً ومجرب

Posted: 11 Oct 2012 01:59 PM PDT


PhonerLite 2.04 - للاتصال بأى هاتف ومحمول وارسال رسائل مجاناً ومجرب


PhonerLite 2.04

PhonerLite 2.04 للاتصال هاتف ومحمول وارسال رسائل مجاناً ومجرب


*--*--*--*--*--*--*--*--*--*--*--*

info

برنامج PhonerLite الذي يتيح لك الأتصال المجاني وإرسال رسائل قصيرة ايضا وكل هذا دون أي تكلفة بتاتا . برنامج PhonerLite يساعدك علي الاتصال بأي رقم حول العالم.
ماعليك سوي كتابة رقم الموبايل الذي تريد الاتصال بة أو إرسال رسائل لة وستتم عملية الاتصال في الحال
هذا البرنامج تقدمة ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) عالمية لمساعدة مستخدمي الانترنت للإتصال وإرسال الرسائل لأي رقم يريدونة بكل سهولة .


صورة البرنامج

[IMG]i1242.photobucket.com/albums/gg533/fir3on/5-23.jpg[/IMG]

*--*--*--*--*--*--*--*--*--*--*--*

Download

أولاً يجب تحميل شرح الاستخدام

jumbofile
http://jumbofile.net/t4a485h8xykv

-- -- -- --

ثانيا لتحميل البرنامج

jumbofile
http://jumbofile.net/6pftp8jx4b1t

*--*--*--*--*--*--*--*--*--*--*--*

روبن هود العربي

Posted: 11 Oct 2012 01:53 PM PDT


روبن هود العربي

روبن العربي

محاربة الفساد

Posted: 11 Oct 2012 01:51 PM PDT


محاربة الفساد

محاربة الفساد

اجمل نغمة حصرية شيقة جميلة تلتمس بها الابداع المميز

Posted: 11 Oct 2012 12:56 PM PDT


اجمل نغمة حصرية شيقة جميلة تلتمس بها الابداع المميز

[CENTER]اجمل نغمة حصرية شيقة جميلة تلتمس الابداع المميز
اجمل نغمة حصرية شيقة جميلة تلتمس بها الابداع المميز
اجمل نغمة حصرية شيقة جميلة تلتمس الابداع المميز
حمل من هنـــــــــــــــــــــا
اجمل نغمة حصرية شيقة جميلة تلتمس الابداع المميز
أو من هنــــــــــــــــــــــا
اجمل نغمة حصرية شيقة جميلة تلتمس الابداع المميز
والقادم أجمل إن شاء الله
[/CENTER]

خذيها نصيحه مني .. لاتتزوجي

Posted: 11 Oct 2012 12:22 PM PDT


خذيها نصيحه مني .. لاتتزوجي

لا تتزوجي:
قبل
أن تفهمي وتفقَهي معنى الزّواج ...
( ومـــقــــــاصده ) في شرع رب العا لمين

لا تتزوّجي :
قبل
ان تتعلّـــمي ما لكِ من حقوق
وقبل أن تتعلّـمي مكانة الزوج وما له من حــقوق .

لا تتزوجي:
قبل
أن تتعلّــمي كيف تصنعين مملكــَتك
وكيف تربّــين أبنائك ...
وفق شرع الله ..عزّ وجل

لا تتزوجي:
إذا كنتِ تظنين أن الزواج يشبه قصـص الحب التي ترينَـها
في المسلسلات
فالزواج حقيقة سامية وما يعرضونه خـيال و فساد

لا تتزوجي:

إذا كنتِ تظنين أن الزواج "تجربة"
يمكنك الخروج منها متى شئت !! ولأي سبَــب..
وأنه لافرق
بين حياتك مع أهلكِـ و مع (زوجكــِ.....)
فالزواج (ميثاق غليظ) وحياة أخرى ..




اضاافتي ...

وليكن من ضمن تجهيزك المادي لعش الزوجيه تجهيزك من الناحيه النفسيه والمعنوويه ..

ولابد من التثقف في كل ما يخص حيااتك ومعاملتك مع زوجك .. ولا تسمعي من نسااء ربما يكن احيانا لهم يد في مشاكل انتم في غنى عنها ..

ودمتم بحب

نغمة روعةارتبطت عبر مر الزمن

Posted: 11 Oct 2012 11:55 AM PDT


نغمة روعةارتبطت عبر مر الزمن

[CENTER]نغمة روعةارتبطت الزمن

نغمة روعةارتبطت عبر مر الزمن
نغمة روعةارتبطت الزمن

حمل من هنـــــــــــــا
او
نغمة روعةارتبطت الزمن

من هنــــــــــــــــا


يارب تحبوها
[/CENTER]

الناموسية المربعه بالعبارات بالالوان احمر,سكري,موف,وردي,ابيض

Posted: 11 Oct 2012 11:42 AM PDT


الناموسية المربعه بالعبارات بالالوان احمر,سكري,موف,وردي,ابيض

جديد الناموسية المربعه بالعبارات بالالوان المتعددة

احمر - سكري - موف - وردي - ابيض للتواصل / 0508010804 www.lamssa.com الناموسية المربعه بالعبارات بالالوان احمر,سكري,موف,وردي,ابيض الناموسية المربعه بالعبارات بالالوان احمر,سكري,موف,وردي,ابيض الناموسية المربعه بالعبارات بالالوان احمر,سكري,موف,وردي,ابيض الناموسية المربعه بالعبارات بالالوان احمر,سكري,موف,وردي,ابيض الناموسية المربعه بالعبارات بالالوان احمر,سكري,موف,وردي,ابيض الناموسية المربعه بالعبارات بالالوان احمر,سكري,موف,وردي,ابيض الرياض- محل بداخل ملاهي الروضة النسائية مخرج 12 اسمه لمسة رومانسية للتواصل / 0508010804 www.lamssa.com

العائدون الى الله -الجزء الثاني

Posted: 11 Oct 2012 10:31 AM PDT


العائدون الى الله -الجزء الثاني

العائدون إلى الله مجموعة من قصص التائبين ، من مشاهير وعلماء ودعاة وغيرهم يرونها بأنفسهم جمعها محمد بن عبدالعزيز المسند المجموعة الثانية (1) توبة المفكر سيد قطب رحمه الله( ) في قرية صغير في صعيد مصر ولد سيد قطب رحمه الله، ونشأ في أسرة متدينة متوسطة الثراء، وقد حرص والداه على تحفيظه القرآن الكريم في صغره، فما أتمّ العاشرة إلا وقد حفظه كاملاً .. ولما بلغ التاسعة عشرة عاش فترة من الضياع، وصفها بنفسه بأنه كانت (فترة إلحاد) حيث قال: (ظللت ملحداً أحد عشر عاماً حتى عثرت على الطريق إلى الله، وعرفت طمأنينة الإيمان. وفي سنة 1948م غادر سيد القاهرة متوجهاً إلى أمريكا في بعثة لوزارة المعارف آنذاك، فكانت تلك الرحلة هي بداية الطريق الجديد الذي هداه الله إليه، ووفقه لسلوكه والسير فيه. كان سفره على ظهر باخرة عبرت به البحر المتوسط والمحيط الأطلسي... وهناك على ظهر الباخرة، جرت له عدة حوادث أثرت في حياته فيما بعد، وحددت له طريقه، ولذلك ما إن غادر الباخرة في الميناء الأمريكي الذي وصل إليه، وما إن وطئت قدماه أرض أمريكا حتى كان قد عرف طريقه، وحدد رسالته، ورسم معالم حياته في الدنيا الجديدة. والآن… لنترك الحديث لسيد ليخبرنا عما حدث له على ظهر السفينة يقول: (منذ حوالي خمسة عشر عاماً… كنا ستة نفر من المنتسبين إلى الإسلام، على ظهر سفينة مصرية تمخر بنا عباب المحيط الأطلسي إلى نيويورك، من بين عشرين ومائة راكب وراكبة ليس فيهم مسلم. وخطر لنا أن نقيم صلاة الجمعة في المحيط على ظهر السفينة! والله يعلم أنه لم يكن بنا أن نقيم الصلاة ذاتها أكثر مما كان بنا حماسة دينية إزاء مبشر كان يزاول عمله على ظهر السفينة، وحاول أن يزاول تبشيره معنا! وقد يسر لنا قائد السفينة -وكان إنجليزياً- أن نقيم صلاتنا، وسمح لبحارة السفينة وطهاتها وخدمها -وكلهم نوبيون مسلمون- أن يصلي منهم معنا من لا يكون في (الخدمة) وقت الصلاة. وقد فرحوا بهذا فرحاً شديداً إذ كانت هذه هي المرة الأولى التي تقام فيها صلاة الجمعة على ظهر السفينة. وقمت بخطبة الجمعة، وإمامة الصلاة، والركاب الأجانب معظمهم متحلقون، يرقبون صلاتنا! وبعد الصلاة جاءنا كثيرون منهم يهنئوننا على نجاح (القداس)!! فقد كان هذا أقصى ما يفهمونه من صلاتنا. ولكن سيدة من هذا الحشد -عرفنا فيما بعد أنها يوغسلافية مسيحية ( )هاربة من جحيم (تيتو) وشيوعيته- كانت شديدة التأثر والانفعال، تفيض عيناها بالدمع، ولا تتمالك مشاعره… جاءت تشد على أيدينا بحرارة وتقول -في إنجليزية ضعيفة- إنها لا تملك نفسها من التأثر العميق بصلاتنا هذه، وما فيها من خشوع، ونظام وروح… الخ ( ) وبعد ذلك كله… وفي ظلال هذه الحالة الإيمانية، راح سيد يخاطب نفسه قائلا: (أأذهب إلى أمريكا وأسير فيها سير المبتعثين العاديين، الذين يكتفون بالأكل والنوم، أم لابدّ من التميز بسمات معينة؟! وهل غير الإسلام والتمسك بآدابه، والالتزام بمناهجه في الحياة وسط المعمعان المترف المزوّد بكل وسائل الشهوة واللذة الحرام؟...) قال: ورأيت أن أكون الرجل الثاني، (المسلم الملتزم)، وأراد الله أن يمتحنني هل أنا صادق فيما اتجهت إليه أم هو مجرد خاطرة؟! وكان ابتلاء الله لي بعد دقائق من اختياري طريق الإسلام، إذ ما إن دخلتُ غرفتي حتى كان الباب يقرع… وفتحتُ… فإذا أنا بفتاة هيفاء جميلة، فارعة الطول، شبه عارية، يبدو من مفاتن جسمها كل ما يغري… وبدأتني بالإنجليزية قائلة: هل يسمح لي سيدي بأن أكون ضيفة عنده هذه الليلة؟ فاعتذرتُ بأن الغرفة معدة لسرير واحد، وكذا السرير لشخص واحد… فقالت: وكثيراً ما يتسع السرير الواحد لاثنين!! واضطررت أمام وقاحتها ومحاولتها الدخول عنوة لأن أدفع الباب في وجهها لتصبح خارج الغرفة، وسمعت ارتطامها بالأرض الخشبية في الممر، فقد كانت مخمورة… فقلت: الحمد لله… هذا أول ابتلاء… وشعرتُ باعتزاز ونشوة، إذ انتصرت على نفسي… وبدأت تسير في الطريق الذي رسمته لها( )… ولقد واجه سيد رحمه الله ابتلاءات كثيرة بعد ذلك ولكنه تغلّب عليها وانتصر على نفسه الأمارة بالسوء! ولما وصل إلى أمريكا، يحدثنا عما رأى فيقول: ولقد كنت -في أثناء وجودي في الولايات المتحدة الأمريكية- أرى رأي العين مصداق قول الله تعالى: (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مُبلسون). (سورة الأنعام الآية 44). فإن المشهد الذي ترسمه الآية مشهد تدفق كل شيء من الخيرات والأرزاق بلا حساب، لا يكاد يتمثل في الأرض كلها كما يتمثل هناك! وكنت أرى غرور القوم بهذا الرخاء الذي هم فيه… وشعورهم بأنه وَقف على الرجل الأبيض… وطريقة تعاملهم مع الملونين في عجرفة مرذولة، وفي وحشية كذلك بشعة… وفي صلف على أهل الأرض كلهم، كنتُ أرى هذا كله فأذكر هذه الآية… وأتوقع سنة الله… وأكاد أرى خطواتها وهي تدبّ إلى الغافلين( ). وبعد سنتين قضاهما سيد في أمريكا، عاد رحمه الله إلى مصر… ولكنه عاد رجلاً آخر… رجلاً مؤمناً ملتزماً صاحب رسالة ودعوة وغاية. رحم الله سيداً وأسكنه فسيح جناته وعفا عنا وعنه. (2) توبة الشرطيين شهدا إعدام سيد قطب رحمه الله ( ) إن في بذل العلماء والدعاة والمصلحين أنفسهم في سبيل الله حياة للناس، إذا علموا صدقهم؛ وإخلاصهم لله عز وجلّ. ومن هؤلاء الدعاة والمفكرين.. (سيد قطب) رحمه الله، فقد كان لمقتله أثر بالغ في نفوس من عرفوه وعلموا صدقه، ومنهم اثنان من الجنود الذين كُلفّوا بحراسته وحضروا إعدامه. يروي أحدهما القصة فيقول: هناك أشياء لم تكن نتصورها هي التي أدخلت التغيير الكلي على حياتنا.. في السجن الحربي كنا نستقبل كل ليلة أفراداً أو مجموعات من الشيوخ والشباب والنساء، ويقال لنا: هؤلاء من الخونة الذين يتعاونون مع اليهود ولابدّ من استخلاص أسرارهم.. ولا سبيل إلى ذلك إلا بأشدّ العذاب. وكان ذلك كافياً لتمزيق لحومهم بأنواع السياط والعصي.. كنا نفعل ذلك ونحن مُوقنون إننا نؤدي واجباً مقدّساً… إلا أننا ما لبثنا أن وجدنا أنفسنا أمام أشياء لم نستطع لها تفسيراً، لقد رأينا هؤلاء (الخونة)، مواظبين على الصلاة أثناء الليل وتكاد ألسنتهم لا تفتر عن ذكر الله حتى عند البلاء. بل إن بعضهم كان يموت تحت وقع السياط، أو أثناء هجوم الكلاب الضارية عليهم، وهو مبتسمون على الذكر. ومن هنا… بدأ الشك يتسرب إلى نفوسنا… فلا يعقل أن يكون مثل هؤلاء المؤمنين الذاكرين من الخائنين المتعاملين مع أعداء الله. واتفقتُ أنا وأخي هذا سراً على أن نتجنب إيذائهم ما وجدنا إلى ذلك سبيلا. وأن نقدم لهم كل ما نستطيع من العون. ومن فضل الله علينا أن وجودنا في ذلك السجن لم يستمر طويلاً… وكان آخر ما كُلفنا به من عمل هو حراسة الزنزانة التي أفرد فيها أحدهم وقد وصفوه لنا بأنه أخطرهم جميعاً، أو أنه رأسهم المفكر وقائدهم المدبر ( ) وكان قد بلغ به التعذيب إلى حد لم يعد قادراً معه على النهوض، فكانوا يحملونه إلى المحكمة العسكرية التي تنظر في قضيته. وذات ليلة جاءت الأوامر بإعداده للمشنقة، وأدخلوا عليه أحد الشيوخ!!! ليذكره ويعظه!!! وفي ساعة مبكرة من الصباح التالي، أخذت أنا وأخي بذراعيه نقوده إلى السيارة المغلقة التي سبقنا إليها بعض المحكومين الآخرين… وخلال لحظات انطلقت بنا إلى مكان الإعدام… ومن خلفنا بعض السيارات العسكرية تحمل الجنود المدججين بالسلاح للحفاظ عليهم… وفي مثل لمح البصر أخذ كل جندي مكانه المرسوم محتضناً مسدسه الرشاش، وكان المسئولون هناك قد هيئوا كل شيء… فأقاموا من المشانق مثل عدد المحكومين… وسيق كل منهم إلى مشنقة المحددة، ثم لفّ حبلها حول عنقه، وانتصب بجانب كل واحدة (العشماوي) الذي ينتظر الإشارة لإزاحة اللوح من تحت قدمي المحكوم.. ووقف تحت كل راية سوداء الجندي المكلف برفعها لحظة التنفيذ. كان أهيب ما هنالك تلك الكلمات التي جعل يوجهها كل من هؤلاء المهيئين للموت إلى إخوانه، يبشره بالتلاقي في جنة الخلد، مع محمد وأصحابه، ويختم كل عبارة الصيحة المؤثرة: الله أكبر والله الحمد. في هذه اللحظات الرهيبة سمعنا هدير سيارة تقترب، ثم لم تلبث أن سكت محركها، وفتحت البوابة المحروسة، ليندفع من خلالها ضابط من ذوي الرتب العالية، وهو يصيح بالجلادين: مكانكم! ثم تقدم نحو صاحبنا الذي لم نزل إلى جواره على جانبي المشنقة، وبعد أن أمر الضابط بإزالة الرباط عن عينه، ورفع الحبل عن عنقه، جعل يكلمه بصوت مرتعش: يا أخي.. سيد.. إني قادم إليك بهدية الحياة من الرئيس الحليم الرحيم، كلمة واحدة تدليها بتوقيعك، ثم تطلب ما تشاء لك ولإخوانك هؤلاء. ولم ينتظر الجواب، وفتح الكراس الذي بيده وهو يقول: اكتب يا أخي هذه العبارة فقط: (لقد كنت مخطئاً وإني أعتذر...). ورفع سيد عينه الصافيتين، وقد غمرت وجهه ابتسامة لا قدرة لنا على وصفها.. وقال للضابط في هدوء عجيب: أبداً.. لن أشتري الحياة الزائلة بكذبة لن تزول! قال الضابط بلهجة يمازجها الحزن... ولكنه الموت يا سيد. وأجاب سيد: (يا مرحباً بالموت في سبيل الله..)، الله أكبر!! هكذا تكون العزة الإيمانية، ولم يبق مجال للاستمرار في الحوار، فأشار الضابط للعشماوي بوجوب التنفيذ. وسرعان ما تأرجح جسد سيد رحمه الله وإخوانه في الهواء... وعلى لسان كل منهم الكلمة التي لا نستطيع لها نسياناً، ولم نشعر قط بمثل وقعها في غير ذلك الموقف، (لا إله إلا الله، محمد رسول الله...) وهكذا كان هذا المشهد سبباً في هدايتنا واستقامتنا، فنسأل الله الثبات. (3) توبة المغني البريطاني المشهور (كات ستيفنز ) ( ) رفض كل مغريات الدنيا بكل شهرتها وشهواتها، هرب من هجير هذا العالم إلى وهج الإيمان، فوجد فيه الهناء والطمأنينة… إنها قصة الفنان البريطاني الذي ضربت شهرته الآفاق، (كات ستيفنـز)، الذي أصبح اسمه فيما بعد (يوسف إسلام). ها هو يرويها بنفسه في هذه السطو البليغة التعبير، البالغ التأثير فيقول: (ولدتُ في لندن قلب العالم الغربي... ولدتُ في عصر التلفزيون وارتياد الفضاء.. ولدتُ في عصر وصلتْ فيه التكنولوجيا إلى القمة في بلد معروف بحضارته في بريطانيا.. ترعرعتْ في هذا المجتمع، وتعلمت في مدرسة (كاثوليكية)، حيث علمتنْي المفهوم المسيحي (النصراني)، للحياة والعقيدة، وعرفت ما يفترض أن أعرفه عن الله، وعن المسيح (عليه السلام)، والقدر والخير والشر. حدثوني كثيراً عن الله، وقليلاً عن المسيح، وأقلّ من ذلك عن الروح القدس. كانت الحياة حولي ماديّة تنصبُّ من كل أجهزة الإعلام، حيث كانوا يعلموننا بأن الغنى هو الثروة الحقيقية، والفقر هو الضياع الحقيقي، وأن الأمريكي هو المثل للغنى، والعالم الثالث هو المثل للفقر والمجاعة والجهل والضياع!! ولذلك لابدّ أن أختار طريق الغنى، وأسلك مسلكه، لأعيش حياة سعيدة، وأفوز بنعيم الحياة، ولهذا فقد بنيت فلسفة الحياة على ألا علاقة لها بالدين، وانتهجت هذه الفلسفة، لأدرك سعادة النفس. وبدأت أنظر إلى وسائل النجاح، وكانت أسهل طريقة أن أشتري (جيتاراً)، وأؤلف بعض الأغاني، وألحنها، وأنطلق بين الناس، وهذا ما فعلته بالفعل باسم (كات ستيفنـز). وخلال فترة قصيرة حيث كنت في الثامنة عشرة من عمري، كان لي ثمانية شرائط مسجلة، وبدأت أقدم الكثير من العروض، وأجمع الكثير من المال حتى وصلت إلى القمة!! وعندما كنتُ في القمة، كنت أنظر إلى أسفل، خوفاً من السقوط!! وبدأ القلق ينتابني، وبدأت أشرب زجاجة كاملة في كل يوم، لأستجمع الشجاعة كي أغني، كنت أشعر أن الناس حولي يلبسون أقنعة، ولا أحد يكشف عن وجهه القناع -قناع الحقيقة!! كان لابدّ من النفاق، حتى تبيع وتكسب -وحتى تعيش!! وشعرت أن هذا ضلال، وبدأت أكره حياتي واعتزلت الناس وأصابني المرض، فنقلتُ إلى المستشفى مريضاً بالسل، وكانت فترة المستشفى خيراً لي حيث إنها قادتني إلى التفكير. كان عندي إيمان بالله، ولكن الكنيسة لم تعرّفني ما هو الإله، وعجزت عن إيصال حقيقة هذا الإله الذي تتحدث عنه!! كانت الفكرة غامضة وبدأت أفكر في طريقي إلى حياة جديدة، وكان معي كتب عن العقيدة والشرق، وكنت أبحث عن السلام والحقيقة، وانتابني شعور أن أتجه إلى غاية مّا، ولكن لا أدرك كنهها ولا مفهومها.. ولم أقتنع أن أظل جالساً خالي الذهن، بل بدأت أفكر وأبحث عن السعادة التي لم أجدها في الغنى، ولا في الشهرة، ولا في القمة، ولا في الكنيسة، فطرقت باب (البوذية والفلسفة الصينية)، فدرستها، وظننت أن السعادة هي أن تتنبأ بما يحدث في الغد حتى تتجنب شروره، فصرت قدريّاً، وآمنت بالنجوم، والتنبؤ بالطالع، ولكنني وجدت ذلك كله هُراء. ثم انتقلت إلى الشيوعية، ظنّاً مني أن الخير هو أن نقسم ثروات هذا العالم على كل الناس، ولكنني شعرت أن الشيوعية لا تتفق مع الفطرة، فالعدل أن تحصل على عائد مجهودك، ولا يعود إلى جيب شخص آخر. ثم اتجهت إلى تعاطي العقاقير المهدئة، لأقطع هذه السلسلة القاسية من التفكير والحيرة. وبعد فترة أدركت أنه ليست هناك عقيدة تعطيني الإجابة، وتوضح لي الحقيقة التي أبحث عنها، ويئست حيث لم أكن آنذاك أعرف شيئاً عن الإسلام، فبقيت على معتقدي، وفهمي الأول، الذي تعلمته من الكنيسة حيث أيقنت أن هذه المعتقدات هراء، وأن الكنيسة قليلاً منها. عدت إليها ثانيةً وعكفت من جديد على تأليف الموسيقي، وشعرت أنها هي ديني، ولا دين لي سواها!! وحاولت الإخلاص لهذا الدين، حيث حاولت إيجاد التأليف الموسيقي، وانطلاقاً من الفكر الغربي المستمد من تعاليم الكنيسة الذي يوحي للإنسان أنه قد يكون كاملاً كالإله إذا أتقن عمله أو أخلص له وأحبه!! وفي عام 1975م حدثت المعجزة، بعد أن قدّم لي شقيقي الأكبر نسخة من القرآن الكريم هدية، وبقيت معي هذه النسخة حتى زرت القدس في فلسطين، ومن تلك الزيارة بدأت أهتم بذلك الكتاب الذي أهدانيه أخي، والذي لا أعرف ما بداخله وماذا يتحدث عنه، ثم بحثت عن ترجمة للقرآن الكريم بعد زيارتي للقدس، وكان المرة الأولى التي أفكر فيها عن الإسلام، فالإسلام في نظر الغرب يُعتبر عنصريا عرقياً والمسلمون أغراب أجانب سواء كانوا عرباً أو أتراكاً، ووالديّ كانا من أصل يوناني، واليوناني يكره التركي المسلم، لذلك كان المفروض أن أكره القرآن الذي يدين به الأتراك بدافع الوراثة، ولكني رأيت أن أطلع عليه -أي على ترجمته- فلا مانع من أن أرى ما فيه. ومن أول وهلة شعرت أن القرآن يبدأ بـ (بسم الله) وليس باسم غير الله، وعبارة (بسم الله الرحمن الرحيم) كانت مؤثرة في نفسي، ثم تستمر فاتحة الكتاب: (الحمد لله رب العالمين،) كل الحمد لله خالق العالمين، ورب المخلوقات. وحتى ذلك الوقت كانت فكرتي ضئيلة عن الإله، حيث كانوا يقولون لي: إن الله الواحد، مقسم إلى ثلاثة، كيف؟!! لا أدري. وكانوا يقولون لي إن إلهنا ليس إله اليهود...!! أما القرآن الكريم، فقد بدأ بعبادة الله الواحد رب العالمين جميعاً، مؤكداً وحدانية الخالق، فليس له شريك يقتسم معه القوة، وهذا أيضاً مفهوم جديد، ثم كنت أفهم قبل معرفتي بالقرآن الكريم، أن هناك مفهوم الملائمة والقوى القادرة على المعجزات، أما الآن فبمفهوم الإسلام، الله وحده هو القادر على كل شيء. واقترن ذلك بالإيمان باليوم الآخر وأن الحياة الآخرة خالدة، فالإنسان ليس كتلة من اللحم تتحول يوماً ما إلى رماد كما يقول علماء الحياة.. بل ما تفعله في هذه الحياة يحدد الحالة التي ستكون عليها في الحياة الآخرة. القرآن هو الذي دعاني للإسلام، فأجبت دعوته، أما الكنسية التي حطمتني وجلبتْ لي التعاسة والعناء فهي التي أرسلتْني لهذا القرآن، عندما عجزت عن الإجابة على تساؤلات النفس والروح. ولقد لاحظت في القرآن، شيئاً غريباً، هو أنه لا يشبه باقي الكتب، ولا يتكوّن من مقاطع وأوصاف تتوافر في الكتب الدينية التي قرأتها، ولم يكن على غلاف القرآن الكريم اسم مؤلف، ولهذا أيقنت بمفهوم الوحي الذي أوحى الله به إلى هذا النبي المرسل. لقد تبين لي الفارق بينه وبين الإنجيل الذي كتب على أيدي مؤلفين مختلفين من قصص متعددة. حاولت أن أبحث عن أخطاء في القرآن الكريم، ولكني لم أجد، كان كله منسجماً مع فكرة الوحدانية الخالصة ( ). وبدأت أعرف ما هو الإسلام. لم يكن القرآن رسالة واحدة، بل وجدت فيه كل أسماء الأنبياء الذين شرفهم وكرمهم الله ولم يفرق بين أحد منهم، وكان هذا المفهوم منطقياً، فلو أنك آمنت بنبي دون آخر فإنك تكون قد دمرت وحدة الرسالات. ومن ذلك الحين فهمتُ كيف تسلسلت الرسالات منذ بدء الخليفة، وأن الناس على مدى التاريخ كانوا صنفين: إما مؤمن، وإما كافر. لقد أجاب القرآن على كل تساؤلاتي، وبذلك شعرت بالسعادة، سعادة العثور على الحقيقة. وبعد قراءة القرآن الكريم كله، خلال عام كامل، بدأت أطبق الأفكار التي قرأتها فيه، فشعرت في ذلك الوقت أنني المسلم الوحيد في العالم. ثم فكرتُّ كيف أكون مسلماً حقيقياً؟ فاتجهت إلى مسجد لندن، وأشهرت إسلامي، وقلت (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله). حين ذلك أيقنت أن الإسلام الذي اعتنقته رسالة ثقيلة، وليس عملاً سهلاً ينتهي بالنطق بالشهادتين. لقد ولدتُّ من جديد! وعرفتُ إلى أين أسير مع إخواني من عباد الله المسلمين، ولم أقابل أحداً منهم من قبل، ولو قابلت مسلماً يُحاول أن يدعوني للإسلام لرفضت دعوته بسبب أحوال المسلمين المزرية، وما تشوهه أجهزة إعلامنا في الغرب، بل حتى أجهزة الإعلام الإسلامية كثيراً ما تشوه الحقائق الإسلامية، وكثيراً ما تقف وتؤيد افتراءات أعداء الإسلام، العاجزين عن إصلاح شعوبهم التي تدمرها الآن الأمراض الأخلاقية، والاجتماعية وغيرها!! لقد اتجهتُ للإسلام من أفضل مصادره، وهو القرآن الكريم، ثم بدأت أدرس سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف أنه بسلوكه وسننه، علّم المسلمين الإسلام، فأدركت الثروة الهائلة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسننه، لقد نسيت الموسيقى، وسألت إخواني: هل أستمر؟ فنصحوني بالتوقف، فالموسيقى تشغل عن ذكر الله، وهذا خطر عظيم. لقد رأيت شاباً يهجرون أهلهم، ويعيشون في جو الأغاني والموسيقى، وهذا لا يرضاه الإسلام، الذي يحث على بناء الرجال. أما الملايين التي كسبتها من عملي السابق (وهو الغناء) فوهبتها كلها للدعوة الإسلامية). هذه هي قصة المغني البريطاني المشهور، كات ستيفنز (يوسف إسلام) الذي رفض الشهرة والملايين، بعد أن هداه الله إلى طريق الحق، نهديها إلى جميع الفنانين والمغنين في عالمنا العربي والإسلامي، بل في العالم أجمع، لعلها تكون عبرة للمعتبرين، وذكرى للذاكرين. (4) توبة الممثلة هناء ثروت)( ) هناء ثروت ممثلة مشهورة، عاشت في (العفن الفني) فترة من الزمان، ولكنها عرفت الطريق بعد ذلك فلزمته، فأصبحت تبكي على ماضيها المؤلم. تروي قصتها فتقول: أنهيت أعمالي المنزلية عصر ذلك اليوم، وبعد أن اطمأننت على أولادي، وقد بدءوا في استذكار دروسهم، جلست في الصالة، وهممت بمتابعة مجلة إسلامية حبيبة إلى نفسي، ولكن شيئاً ما شد انتباهي، أرهفت سمعي لصوتٍ ينبعث من إحدى الغرف. وبالذات من حجرة ابنتي الكبرى، الصوت يعلو تارة ويغيب بعيداً تارةً أخرى. نهضت بتعجل لأستبين الأمر، ثم عدت إلى مكاني باسمة عندما رأيت صغيرتي ممسكة بيدها مجلداً أنيقاً تدور به الغرفة فرحة، وهي تلحّن ما تقرأ، لقد أهدتْها إدارة المدرسة ديوان (أحمد شوقي)، لتفوقها في دراستها، وفي لهجة طفولية مرحة كانت تردد: خـدعوها بقـولهـم حسنــاء والغـواني يغـرهـن الثنــــاء لا أدري لماذا أخذت ابنتي في تكرار هذا البيت، لعله أعجبها.. وأخذتُ أردده معها، وقد انفجرتْ مدامعي تأثراً وانفعالاً. أناملي الراعشة تضغط بالمنديل الورقي على الكرات الدمعية المتهطلة كي لا تفسد صفحات اعتدت تدوين خواطري وذكرياتي في ثناياها، وصوت ابنتي لا يزال يردد بيت شوقي: (خدعوها)؟! نعم، لقد مُورستْ عليّ عمليات خداع، نصبتها أكثر من جهة. تعود جذور المأساة إلى سنوات كنتُ فيها الطفلة البريئة لأبوين مسلمين، كان من المفروض عليهما استشعار المسئولية تجاه وديعة الله لديهما -التي هي أنا- بتعهدي بالتربية وحسن التوجيه وسلامة التنشئة، لأغدو بحق مسلمة كما المطلوب، ولكن أسأل الله أن يعفو عنهما. كانا منصرفين، كل واحد منهما لعمله، فأبي -بطبيعة الحال- دائماً خارج البيت في كدح متواصل تاركاً عبء الأسرة لأمي التي كانت بدورها موزعة الاهتمامات ما بين عملها الوظيفي خارج المنزل وداخله، إلى جانب تلبية احتياجاتها الشخصية والخاصة، وبالطبع لم أجد الرعاية والاعتناء اللازمين حتى تلقفتني دور الحضانة، ولمّا أبلغ الثالثة من عمري. كنت أعيش في قلق وتوتر وخوف من كل شيء، فانعكس ذلك على تصرفاتي الفوضوية الثائرة في المرحلة الابتدائية في محاولة لجذب الانتباه إلى شخصي المهمل (أُسريّاً) بيد أن شيئاً ما أخذ يلفت الأنظار إلي بشكل متزايد. أجل، فقد حباني الله جمالاً، ورشاقة، وحنجرة غريدة، جعلت معلمة الموسيقى تلازمني بصفة شبه دائمة، تستعيدني الأدوار الغنائية -الراقصة منها والاستعراضية- التي أشاهدها في التلفاز، حتى عدوت أفضل من تقوم بها في الحفلات المدرسية، ولا أزال أحتفظ في ذاكرتي بأحداث يوم كُرّمتُ فيه لتفوقي في الغناء والرقص والتمثيل على مستوى المدارس الابتدائية في بلدي، احتضنتني (الأم ليليان)، مديرة مدرستي ذات الهوية الأجنبية، وغمرتني بقبلاتها قائلة لزميلة لها فقد نجحنا في مهمتنا، إنها -وأشارت إليّ- من نتاجنا، وسنعرف كيف نحافظ عليها لتكمل رسالتنا!! ( ) لقد صور لي خيالي الساذج آنذاك أني سأبقى دائماً مع تلك المعلمة وهذه المديرة، وأسعدني أن أجد بعضاً من حنان افتقدته، وإن كنت قد لاحظتُ أن عطفهما من نوع غريب، تكشفت لي أبعاده ومراميه بعدئذ، وأفقت على حقيقة هذا الاهتمام المستورد!! صراحة، لا أستطيع نكران مدى غبطتي في تلك السنين الفائتة، وأنا أدرج من مرحلة لأخرى، خاصة بعد أن تبناني أحد مخرجي الأفلام السينمائية كفنانة (!!) دائماً وسط اهتمام إعلامي كبير بي! كما أخذت تفخر أمي بابنتها الموهوبة (!!) أمام معارفها، وصويحباتها، وتكاد تتقافز سروراً وهي تملي صوري على شاشة التلفاز، جليسها الدائم. كانت تمتلكني نشوة مكسرة، وأنا أرفل في الأزياء الفاخرة والمجوهرات النفيسة والسيارات الفارهة، كانت تطربني المقابلات، والتعليقات الصحفية، ورؤية صوري الملونة، وهي تحتل أغلفة المجلات، وواجهات المحلات، حتى وصل بي الأمر إلى أن تعاقد معي متعهدو الإعلانات والدعايات، لاستخدام اسمي -اسمي فقط- لترويج مستحضراتهم وبضائعهم! كانت حياتي بعمومها موضع الإعجاب والتقليد في أوساط المراهقات، وغير المراهقات على السواء، وبالمقابل كان تألقي هذا موطن الحسد والغيرة التي شب أوارها في نفوس زميلات المهنة -إن صح التعبير- وبصورة أكثر عند من وصل بهن قطار العمر إلى محطات الترهل، والانطفاء، وقد أخفقت عمليات التجميل في إعادة نضارة شبابهن، فانصرفن إلى تعاطي المخدرات، ولم يتبق من دنياهن سوى التشبث بهذه الأجواء العطنة، وقد لُفظْن كبقايا هياكل ميتة في طريقها إلى الزوال. قد تتساءل صغيرتي: وهل كنت سعيدة حقاً يا أمي؟!! ابنتي الحبيبة لا تدري بأني كنت قطعة من الشقاء والألم، فقد عرفتُ وعشت كل ما يحمل قاموس البئوس والمعاناة من معانٍ وأحداث( )! إنسانة واحدة عاشت أحزاني، وترفقت بعذاباتي رحلة الشقاء (المبهرجة)، وعلى الرغم من أنها شقيقة والدتي إلا أنها تختلف عنها في كل شيء، ويكفيها أنها امرأة فاضلة، وزوجة مؤمنة، وأم صالحة. كنتُ ألجأ إليها بين الحين والآخر، أتزود من نصائحها وأخضع لتحذيراتها، وأرتضي وسائلها لتقويم اعوجاجي، وهي تحاول فتح مغاليق قلبي ومسارب روحي بكلماتها القوية ومشاعرها الحانية، ولكن -والحق يُقال- كان شيطاني يتغلب على الجانب الطيب الضئيل في نفسي لقلة إيماني، وضعف إرادتي، وتعلقي بالمظاهر، وعلى الرغم من هذا العالم لم يكن بالمستطاع إسكات الصوت الفطري الصاهل، المنبعث في صحراء قلبي المقرور. بات مألوفاً رؤيتي ساهمة واجمة، وقد أصبحتُ دمية يلهو بها أصحاب المدارس الفكرية -على اختلال انتماءاتها العقائدية- لترويج أغراضهم ومراميهم عن طريق أمثالي من المخدوعين والمخدوعات، واستبدالنا بمن هم أكثر إخلاصاً، أو إذا شئت (عمالة)، في هذا الوسط الخطر، والمسئول عن الكثير من توجهات الناس الفكرية. وجدت نفسي شيئاً فشيئاً أسقط في عزلة نفسية قائظة، زاد عليها نفوري من أجواء الوسط الفني -كما يُدعى- !! معرضة عن جلساته وسهراته الصاخبة التي يُرتكب فيها الكثير من التفاهات والحماقات باسم الفن أو الزمالة!! لم يحدث أن أبطلت التعامل مع عقلي في ساعات خلوتي نفسي، وأنا أحاول تحديد الجهة المسئولة عن ضياعي وشقائي، أهي التربية الأسرية الخاطئة؟ أم التوجيه المدرسي المنحرف؟ أم هي جناية وسائل الإعلام؟ أم كل ذلك معاً؟!! لقد توصلت -أيامها- إلى تصميم وعزم يقتضي تجنيب أولادي -مستقبلاً- ما ألقاه من تعاسة مهما كان الثمن غالياً إذ يكفي المجتمع أني قُدمت ضحية على مذبح الإهمال والتآمر والشهوات، أو كما تقول خالتي: على دين الشيطان. وفجأة، التقينا على غير ميعاد. كان مثلي، دفعته نزوات الشباب -كما علمت بعدئذ- إلى هذا الوسط ليصبح نجماً! -وعذراً فهذه اصطلاحاتنا آنذاك- ومع ذلك كان يفضل تأدية الأدوار الجادة -ولو كانت ثانوية- نافراً من التعامل مع الأدوار النسائية. ومرة احتفلت الأوساط الفنية والإعلامية بزيارة أحد مشاهير (هوليوود) لها، واضطررت يومها لتقديم الكثير من المجاملات التي تحتمها مناسبة كهذه!!، وانتهزت فرصة تبادل الأدوار وتسللت إلى مكان هادئ لالتقاط أنفاسي، لمحته جالساً في مكان قريب مني، شجعني صمته الشارد أن أقتحم عليه عزلته. سألته -بدون مقدمات- عن رأيه في المرأة لأعرف كيف أبدأ حديثي معه. أجابني باقتضاب أن الرجل رجل، والمرأة امرأة، ولكل مكانه الخاص، وفق طبيعته التي خلق عليها. استرسلت في التحادث معه، وقد أدهشني وجود إنسان عاقل في هذا الوسط!… ٍفهمت من كلامه أنه سيضحي -غير آسف- بالثراء والشهرة المتحصلين له من التمثيل، وسيبحث عن عمل شريف نافع، يستعيد فيه رجولته وكرامته. لحظتها قفز إلى خاطري سؤال عرفت الحياء الحقيقي وأنا أطرحه عليه. لم يشأ أن يحرجني يومها، ولكن مما وعيت من حديثه قوله: ]إذا تزوجت فتكون زوجتي أمّاً وزوجاً بكل معنى الكلمة، فاهمة مسئولياتها وواجباتها، وستكون لنا رسالة نؤديها نحو أولادنا لينشئوا على الفضيلة والاستقامة، كما أمر الله، بعيداً عن المزالق والمنعطفات، وقد عرفت مرارة السقوط وخبرت تعاريج الطريق[. وقال كلاماً أكثر من ذلك: أيقظ فيّ الصوت الفطري الرائق، يدعوني إلى معراج طاهر من قحط القاع الزائف إلى نور الحق الخصيب وأحسستُ أني أمام رجل يصلح لأن يكون أباً لأولادي، على خلاف الكثير ممن التقيتُ، ورفضت الاقتران بهم. وبعد فترة، شاء الله وتزوجنا. وكالعادة كان زواجنا قصة الموسم في أجهزة الإعلام المتعددة، حيث تعيش دائماً على مثل هذه الأخبار. ولكن المفاجأة التي أذهلت الجميع كانت بإعلاننا -بعد زيارتنا للأراضي المقدسة-عن تطليق حياة الفراغ والضياع والسوء، وأني سألتزم بالحجاب، وسائر السلوكيات الإسلامية المطلوبة إلى جانب تكريس اهتمامي لمملكتي الطاهرة -بيتي المؤمن- لرعاية زوجي وأولادي طبقاً لتعاليم الله ورسوله. أما زوجي فقد أكرمه الله بحسن التفقه في دينه، وتعليم الناس في المسجد. أولادي الأحباء لم يعرفوا بعد أن أباهم في عمامته، وأمهم في جلبابها، كانا ضالين فهداهما الله، وأذاقهما حلاوة التوبة والإيمان. خالتي المؤمنة ذرفت دموعها فرحة، وهي ترى ثمرة اهتمامها بي في الأيام الخوالي، ولا تزال الآن تحتضنني كما لو كنت صغيرة، وتسأل الله لي الصبر والثبات أمام حملات التشهير والنكاية التي استهدفت إغاظتي بعرض أفلامي السافرة التي اقترفتها أيام جاهليتي، على أن أعاود الارتكاس في ذاك الحمأ اللاهب وقد نجاني الله منه. ومن المضحك أن أحد المنتجين، عرض على زوجي أن أقوم بتمثيل أفلام، وغناء أشعار، يلصقون بها مسمى (دينية) !!!( ) ولا يعلم هؤلاء المساكين أن إسلامي يربأ بي عن مزاولة ما يخدش كرامتي أو ينافي عقيدتي. نعم، لقد كانت هجرتي لله، وإلى الله، وعندما تكبر براعمي المؤمنة، سيدركون إن شاء الله لِمَ وكيف كنت؟! وتندفع صغيرتي إلى حجري بعد الاستئذان، وأراها تضع بين يديّ الديوان، تسألني بلهجة الواثق من نفسه أن أتابع ما حفظت من قصيد، وقيل أن أثبت بصري على الصفحة المطلوبة، اندفعتْ في تسميعها: خـدعوها بقـولهـم حسنــاء والغـواني يغـرهـن الثنــــاء (5) توبة الراقصة هالة الصافي ( ) روت الفنانة الراقصة، المعروفة، هالة الصافي، قصة اعتزالها الفن وتوبتها، والراحة النفسية التي وجدتها عندما عادت إلى بيتها وحياتها، وقالت: بأسلوب مؤثر عبر لقاء صحفي معها: (في أحد الأيام كنت أؤدي رقصة في أحد فنادق القاهرة المشهورة، شعرت وأنا أرقص بأنني عبارة عن جثة،، دمية تتحرك بلا معنى، ولأول مرة أشعر بالخجل وأنا شبه عارية، أرقص أمام الرجال ووسط الكؤوس. تركت المكان، وأسرعت وأنا أبكي في هستيريا حتى وصلت إلى حجرتي وارتديت ملابسي. انتابني شعور لم أحسه طيلة حياتي مع الرقص الذي بدأته منذ كان عمري 15 سنة، فأسرعت لأتوضأ وصليت، وساعتها شعرت لأول مرة بالسعادة والأمان، ومن يومها ارتديت الحجاب على الرغم من كثرة العروض، وسخرية البعض. أديت فريضة الحج، ووقفت أبكي لعل الله يغفر لي الأيام السوداء..). وتختتم قصتها المؤثرة قائلة: (هالة الصافي ماتت ودفن معها ماضيها، أما أنا فاسمي سهير عابدين، أم كريم، ربة بيت، أعيش مع ابني وزوجي، ترافقني دموع الندم على أيام قضيتها من عمري بعيداً عن خالقي الذي أعطاني كل شيء. إنني الآن مولودة جديدة، أشعر بالراحلة والأمان بعد أن كان القلق والحزن صديقي، بالرغم من الثراء والسهر واللهو). وتضيف: (قضيت كل السنين الماضية صديقة للشيطان، لا أعرف سوى اللهو الرقص، كنت أعيش حياة كريهة حقيرة، كنت دائماً عصبية، والآن أشعر أنني مولودة جديدة، أشعر أنني في يد أمينة تحنو علي وتباركني، يد الله سبحانه وتعالى). (6) توبة شاب أسرف على نفسه بالمعاصي( ) ضيفنا هذه المرة شاب له قصة طويلة، لم يدع معصية إلا فعلها، ولا كبيرة إلا ارتكبها، كل ذلك بحثاً عن السعادة، ولكنه لم يجد إلا الشقاء والتعاسة. أغلقت في وجهه جميع الأبواب إلا باب واحد، باب الله الذي لا يُغلق. فلجأ إلى الله وعاد إليه، وهنا وجد السعادة التي كان يبحث عنها، التقيت به فحدثني بقصته فقال: نشأت في بيت (عادي) من بيوت المسلمين، وكنت أصلي الصلاة المعتادة، أرى الناس يذهبون إلى المسجد فأذهب معهم، ولم أكن -لصغر سني- أدرك قيمة الصلاة وأهميتها. ولما كبرت قليلاً اشترى لي والدي سيارة -وكنت آنذاك في بداية المرحلة الثانوية- فكانت بداية الانطلاق. وجاء دور رفقاء السوء، ليقضوا على ما تبقى لديّ من خير وفضيلة وصلاح!! فقد تعرفتُ على مجموعة منهم، وكنتُ الوحيد من بينهم الذي يملك سيارة، فتوليتُ القيادة، وكنت أغدو بهم وأروح، فصار كل واحد منا يظهر ما يوحي به إليه شيطانه من الأفكار والابتكارات، في فن الاختطاف والمخدرات، وغيرها من الفنون... فبدأت شيئاً فشيئاً أتعلم هذه الأمور. انتقلنا من الحي الذي كنا فيه، إلى حي آخر، وهناك وجدتُّ مجموعةً أخرى من الشباب فتسلمت القيادة أيضاً، فما تركتُ معصية إلا ارتكبتها ابتداءً من المعاصي الصغيرة وانتهاءً بالمخدرات والمسكرات حتى وصل بنا الحال بحثاً عن شرب الخمور في نهار رمضان، كنا نفعل ذلك كله بحثاً عن السعادة الموهومة. كنتُ من أشد الناس عداوةً وبغضاً للملتزمين الطيبين، وكان في الحارة رجل يقال له: (عبد الواحد) كنتُ أشد الناس عداوةً له، لأنه كان من المجتهدين في نصح الشباب في (الحارة)، فكان هدفنا هو إيذاء هذا الرجل، وقد حاولنا كثيراً ولكن لم نجد إلى ذلك سبيلاً. مرّتْ أعوام طويلة، وأنا على هذه الحال، بين المخدرات والمشكلات الأخلاقية، وغيرها حتى أني تركتُ الدراسة واتجهتُ إلى العمل، فإذا جاء آخر الشهر وتسلمتُ راتبي صرفته كله في المخدرات. وبعد فترة، منّ الله على أخي الأصغر بالهداية، فكان قدوة لنا في البيت في حسن التعامل، كنا نضايقه ونهدده!! ونحذره! من مصاحبة عبد الواحد وغيره من الشباب الطيبين، بل كنا نمنعه من تطبيق بعض شعائر الإسلام الظاهرة كإعفاء اللحية، وتقصير الثياب، فكان يُقابل إساءتنا هذه بالإحسان، ويردّ علينا بكلمات طيبة مثل (إن شاء الله) و(جزاكم الله خيراً) ونحوها، فبدأتُ أشعر بارتياح نحوه لحسن معاملته، وكانت هذه بداية التحول. ثم جاء بعد ذلك دور ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) عبد الواحد، فقد كان يجتهد في نصحنا، ويكثر من ذلك، فكنا نثير عليه المشكلات، ونحاول تشويه سمعته، واتهامه بما هو منه براء كذباً وبهتاناً. وفي يوم من الأيام أشار علي بعض الزملاء -وكان ذلك في بداية التزامه- أن نذهب إلى مكة لأداء العمرة، وبعد رجوعنا من العمرة كنتُ أنا وأصحابي مجتمعين في أحد الشوارع، فمرّ بنا ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) عبد الواحد بسيارته، فأخذنا نسبّه ونشتمه ونطلق عليه الألفاظ البذيئة فوقف، ثم عاد إلينا فقلنا هذه فرصة فلابدّ من ضربه والقضاء عليه، فنزل ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) من سيارته، وبادر قائلاً: السلام عليكم، ثم أقبل عليّ وعانقني وضمني إلى صدره وقال: (الحمد لله على السلامة وتقبل الله منا ومنك، ما شاء الله، أخذت عمرة؟..).. فخجلتُ خجلاً شديداً، وتغيرتْ ملامح وجهي، ثم سلّم على بقية الأصحاب، وسألهم عن أحوالهم، وكأنه لم يسمع كلمةً واحدةً مما قلناه، ومضى في طريقه، فأخذنا نتلاوم، وكل واحد منا يقول للأخر: أنت السبب، ومن تلك اللحظة بدأنا نهتم بهذا الرجل ونقدره، ونحترمه، وتغيرت نظرتنا له. وبعد فترة، رغبتُ في الالتحاق بالعسكرية، فاضطررتُ إلى إجراء عملية جراحية، لعلة بي. ودخلتُ المستشفى، فكان رفقاء السوء يزورونني فيؤذونني بشرب الدخان والكلام البذيء. وفي المقابل كان ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) عبد الواحد يزورني، هو وبعض أصحابه، فكانوا يُقبّلون رأسي، ويُسمعونني كلمات ملؤها التفاؤل والأمل، فأصبحتُ أشعر بارتياح لزيارتهم وجلوسهم معي. وفي إحدى الزيارات، سألني أحدهم عن نومي، فأخبرتهم أني لا أنام إلا بمخدر طبي، وأن عندي بعض المجلات والصحف والقصص أقرأ فيها فلا يأتيني النوم، فقال لي أحدهم: ليس لك علاج إلا القرآن، فطلبتُ منهم مصحفاً فأعطوني، وفي تلك الليلة قرأت سورة البقرة كاملةً، فنمت مباشرةً، وفي الليلة الثانية، قرأت سورة آل عمران، فنمتُ كذلك، ثم سألوني بعد ذلك عن حالي ونومي فأخبرتهم بأني أصبحتُ أنام بارتياح. خرجتُ من المستشفى، ومع أني كنت أشعر بارتياح شديد لهؤلاء الشباب الطيبين الملتزمين، إلا أني مازلتُ مع أولئك الأشرار الخبثاء. وفي يوم من الأيام، كنتُ على موعد مع فعل معصية، وكان ذلك الموعد في مكان بعيد، في منطقة أخرى، ولم أكن بعد قد استعدت كامل صحتي بعد تلك العملية، ولكني خاطرت، فركبت سيارتي وانطلقتُ متوجهاً إلى تلك المنطقة، وفي الطريق انفجرتُ إحدى العجلات بقوة، فاضطررتُ إلى الخروج عن الطريق، والدخول في منطقة رملية. كنتُ في تلك اللحظات أشعر بألم شديد من آثار تلك العملية الجراحية التي لا تزال آثارها باقية، حتى أني أكاد أعجز عن حمل نفسي، وبصعوبة نزلتُ من السيارة وحاولت أن أرفعها، ولكني كلما رفعتها سقطت، حاولت مراراً ولكن دون جدي، فلما يئست، وقفت على جانب الطريق وحاولت أن أستعين بعض المارة، ولكنهم لم يقفوا لمساعدتي. اقتربتِ الشمس من الغروب، وأحسستُ بأني وحيد في هذا المكان الموحش، فضاقتْ بي الدنيا، ولم أدر ما أفعل، وهنا لم أجد من ألتجئ إليه إلا الله الواحد الأحد، ومن غير شعور، جثوت على ركبتي، ومددت كفي إلى الله -عز وجل- فدعوته في تلك اللحظات أن يُفرج همي ويكشف كربتي.. ولم يكن ذلك عن إخلاص منيّ ولكنها الفطرة. وعدتُ إلى سيارتي وبعد عدة محاولات تمكنت بعون الله من رفعها، وقمت بتبديل العجلة التالفة وأخرجت السيارة وقد أوشكت الشمس على الغروب. وبعد هذا كله لم أتعظ بل واصلتُ سيري طمعاً في فعل تلك المعصية، ولكن الله عصمني منها حيث فاتَ الموعد، فصليتُ المغربَ هناك ثم عدتُّ من حيث أتيتُ، وبدأ أولئك الشباب الطيبون يكثرون من زيارتي، ويُلحون عليّ في حضور مجالسهم، فكنت أتردد عليهم وأجلس معهم، فكانت رائحة الدخان تفوح من ثيابي، ومن فمي، فلم يظهروا لي انزعاجهم من ذلك، بل كانوا يقتربون مني ويرحبون بي ثم (يطيّبونني)، ويمسحون علي يديّ من دهن العود، فكنت أستغرب عملهم هذا ومعاملتهم الطيبة. كنتُ أجلس معهم من بعد صلاة المغرب إلى العشاء، وبعد صلاة العشاء أعود إلى أصحابي الآخرين (السيئين)، فأجلس معهم إلى الفجر فلا أسمع منهم إلا السب والشتم والكلمات البذيئة والألفاظ النابية، واستمر الحال على ذلك، أجلس مع هؤلاء وهؤلاء، مع ارتياحي لأولئك الطيبين لما أسمعه منهم. ثم جاءتْ الضربةُ القاضيةُ، فقد بدأتُ أخطط للزواج، فتقدمتُ لخطبة فتاة ملتزمة، فخدعتُ أهلها وأقنعتهم بأني شاب صالح، أصلي وأخاف الله، ولكن الفتاة رفضتُ إلا شابًا ملتزماً، وحاولت إقناعها، ولكنها أصرتْ على موقفها، وقالت: لن أقبل إلا شاباً ملتزماً، وكان مظهري لا يوحي بأني شاب ملتزم، فأصبتُ بصدمة عنيفة، وقلت في نفسي: ما معنى (شاب ملتزم)؟! وعدتُّ إلى البيت، وأنا أفكر في قولها، وأقول في نفسي: لماذا لا أكون شاباً ملتزماً؟ وكان الله ألهمني في تلك اللحظة أن أكون كذلك... فذهبتُ إلى ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) عبد الواحد، وأخبرته بأني سوف أبدأ حياة جديدة، وأكون شاباً مستقيماً. وبالفعل بدأتُ حياةً جديدةً فابتعدتُّ عن رفقاء السوء، الذين كانوا هو سبب شقائي وتعاسي، وأصبحتُ شابّاً ملتزماً، والله سبحانه أعانني على ذلك، والآن قد مضى على التزامي -ولله الحمد- خمس سنوات تقريباً. فأسأل الله أن يثبتني وإياكم على دينه، إنه سميع مجيب. (7) توبة فتاة متبرجة( ) إن الفرق بين المرأة المتحجبة الطاهرة، والمرأة المتبرجة السافرة، كالفرق بين الجوهرة الثمينة المصونة وبين الوردة التي في قارعة الطريق. فالمرأة المحجبة مصونة في حجابها، محفوظة من أيدي العابثين، وأعينهم. أما المرأة المتبرجة السافرة، فإنها كالوردة على جانب الطريق، ليس لها من يحفظها أو يصونها، فسرعان ما تمتد إليها أيدي العابثين، فيعبثون بها، ويستمتعون بجمالها بلا ثمن حتى إذا ذبلتْ وماتتْ، ألقوها على الأرض، ووطئها الناس بأقدامهم. فماذا تختارين أختي المسلمة؟ أن تكوني جوهرة ثمينة مصونة، أم وردة على قارعة الطريق؟ وإليك أختي المسلمة هذه القصة، لفتاة كانت من المتبرجات، فتابت إلى الله، وعادت إليه، فها هي تروي قصتها فتقول: (نشأتُ في بيتٍ مترفٍ وفي عائلة مترفة، ولما كبرتُ قليلاً بدأتُ أرتدي الحجاب، وكنت أرتديه على أنه من العادات والتقاليد لا على أنه من التكاليف الشرعية الواجبة التي يثاب فاعلها، ويعاقب تاركها، فكنتُ أرتديه بطريقة تجعلني أكثر فتنةً وجمالاً. أما معظم وقتي فكنتُ أقضيه في سماع لهو الحديث الذي يزيدني بعداً عن الله وغفلة. أما الإجازات الصيفية فكنّا نقضيها خارج البلاد، وهناك كنت ألقي الحجاب جانباً وأنطلق سافرة متبرجة، ( ) وكأن الله لا يراني إلا في بلدي، وكأنه لا يراقبني هناك. وفي إحدى الإجازات سافرنا إلى الخارج، وقدّر الله علينا بحادث توفي فيه أخي الأكبر، وأصيب بعض الأهل بكسور والآم، ثم عدنا إلى بلادنا،. كان هذا الحادث هو بداية اليقظة، كنتُ كلما تذكرته أشعر بخوف شديد ورهبة، إلا أن ذلك لم يغير من سلوكي شيئاً، فما زلتُ أتساهل بالحجاب، وألبس الملابس الضيقة، وأستمع إلى ما لا ينفع من لهو الحديث. والتحقتُ بالجامعة، وفيها تعرفت على أخوات صالحات، فكنّ ينصحنني ويحرضن على هدايتي. وفي ليلة من الليالي ألقيت بنفسي على فراشي، وبدأت أستعرض سجل حياتي الحافل باللهو واللغو والسفور والبعد عن الله سبحانه وتعالى، فدعوت ربي والدموع تملأ عيني أن يهديني وأن يتوب عليّ. وفي الصباح، ولدتُّ من جديد، وقررتُ أن أواظب على حضور الندوات والمحاضرات والدروس التي تقام في مصلى الجامعة. وبدأت -فعلاً- بالحضور، وفي إحدى المرات ألقتْ إحدى الأخوات محاضرة عن الحجاب وكررت الموضوع نفسه في يوم آخر، فكان له الأثر الكبير على نفسي وبعدها -والله الحمد- تبتُ إلى الله، والتزمتُ بالحجاب الشرعي، الذي أشعر بسعادة كبيرة وأنا أرتديه). (8) توبة فتاة من ضحايا الغزو الفكري( ) تقول هذه التائبة: (كنت لا أصلي إلا نادراً، منهمكة في قراءة ما لا ينفعني، ومطالعة ما لا يفيدني، منشغلة بسماع ما يغضب الله عز وجل.. غارقة في عالم المعاصي. كانت بداية الهداية عندما دخلتُ المطبخ ذات مرة واخترقت يدي، فأخذت أبكي، واستغفرتُ الله، وأحسست بأنه عقاب لي وتذكير بنار جهنم التي هي أشد حراً، فأخذت أصلي تلك الليلة، وأستغفر الله، وداومت على الصلاة، ولكني لم أكن أخشع في صلاتي، لأني مازلت مصرة على ذنوبي السابقة، فكنت أصلي صلاة جافة بلا روح، أركعُ وأسجد دون استشعار لما أقرأه من آيات أو أقوله من أدعية، لأن قلبي ممتلئ بالمعاصي، وليس فيه محل لذكر الله أو الخشوع في الصلاة. كانت إحدى صديقاتي تلح عليّ دائماً في حضور مجالس الذكر، ولكنني كنت أرفض وأتهرب منها. وذات مرة ألحت عليّ صديقتي فذهبت معها مرغمةً، وكانت المحاضرة عن الصلاة، فأحسستُ أني بحاجة لهذا الموضوع، خاصة حين أخذتِ المحاضرة تشرح قوله تعالى: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) فقالت: إن الصلاة تجعل الإنسان أو المصلي يبتعد عن كل فاحشة وكل منكر، فهي تنهاه عنه، وهذه حقيقة أثبتها الله تعالى، ولكنا نجد أن أغلب المصلين لا تنهاهم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر، بل إن أحدهم ليفكر في صلاته ماذا سيفعل بعد قليل، فصلاته لم تنهه عن المنكر، وهذا دليل على أن الصلاة ناقصة، فعليه أن يراجع نفسه، هل نقص من خشوعها،؟ هل نقص من اطمئنانها؟ هل استشعر وتدبر كل ما يقرأ ويقول؟ إلى آخر ما قالت: فوقعتْ كلماتها عليّ كالماء البارد على الظمأ، فهذا ما أحسه وأفتقده، ومن تلك اللحظة، أخذت أستشعر كل ما أقرأه، حتى سورة الفاتحة اكتشفتُ فيها معانٍ لم أكن أستشعرها من قبل، فحمدت الله على أن هداني إلى الصراط المستقيم، ودعوتُ لهذه المحاضرة في ظهر الغيب... واقتديتُ بها فأصبحت من الدعاة إلى الله، لعل الله أن ينفع بكلماتي ويفتح بها قلوباً غلفاً، وآذاناً صماً، والحمد لله رب العالمين. (9) توبة شاب رأى الموت بعينيه( ) شاب من ضحايا رفقاء السوء، كانت له صولات وجولات في عالم الضياع والمخدرات، حدثت في حياته حادثة أيقظته من غفلته، وأعادته إلى خالقه، التقيتُ به في أحد مساجد الرياض، فحدثني عن قصته، فقال: نشأتُ في بيت متدين جدّاً، في حي من أحياء مدينة الرياض، والدي رحمه الله كان شديد التدين، فلم يكن يسمح بدخول شيء من آلات اللهو والفساد إلى البيت. ومضتِ الأيام، وتجاوزت مرحلة الطفولة البريئة، ولما بلغت الرابعة عشرة من عمري -وكنت في السنة الثانية من المرحلة المتوسطة- حدث في حياتي حادث كان سبباً في تعاستي وشقائي فترة من الزمن، فقد تعرفت على (شلة) من رفقاء السوء، فكانوا ينتظرون الفرصة المناسبة لإيقاعي في شباكهم ( ). وجاءت الفرصة المناسبة، فترة الامتحانات، فجاءوني بحبوب بيضاء منبهة، فكنت أسهر عدداً من الليالي المتواليات في المذاكرة دون أن يغلبني نعاسٌ، أو أشعر بحاجة إلى نوم، وانتهتِ الامتحانات، ونجحتُ بتفوق!! وبعد الامتحانات داومت على تعاطي هذه الحبوب البيضاء، فأرهقني السهر، وتعبتُ تعباً شديداً، فجاءني أولئك (الشياطين)، وقدموا لي في هذه المرة حبوباً حمراء (مخدرات)، وقالوا لي: إنها تطرد عني السهر وتجلبُ لي النوم والراحة، ولم أكن -لصغر سني- أدرك حقيقة هذه اللعبة، وهذا التآمر وهذا المكر الخبيث من هؤلاء الشياطين، شياطين الإنس. أخذت أتعاطى هذه الحبوب الحمراء يومياً وبالعشرات، وبقيتُ على هذه الحال ثلاث سنوات تقريباً أو أكثر، وفشلت في دراستي، ولم أتمكن من إتمام المرحلة المتوسطة من الدراسة والحصول على الشهادة، فصرتُ أنتقل من مدرسة إلى مدرسة عليّ أحصل عليها، ولكن دون جدوى، وبعد هذا الفشل الذريع الذي كان سببه هذه الحبوب المشؤومة، فكرتُ في الانتقال إلى مدينة أخرى، حيث يقيم عمي وأولاده في محاولة أخيرة لإتمام الدراسة. وفي ليلة من ليالي الشتاء البرادة -وكان والدي قد اشترى سيارة جديدة- أخذت هذه السيارة دون علم والدي، واتجهتُ إلى تلك المدينة، وكنتُ أحمل في جيبي كمية كبيرة من الحبوب الحمراء. وفي الطريق توقفت عند بعض الأصحاب، وفي تلك الليلة أسرفتُ في تناول هذه الحبوب حتى أصبحتُ في وضع يرثى له. وقبيل الفجر، ركبتُ السيارة وانطلقت في طريقي، وما هي إلا دقائق حتى غبتُ عن الدنيا ولم أفق إلا وأنا في المستشفى في حالة سيئة، قد كسرت ساقي اليمنى، وأصبحت بجروح كثيرة، بعد أن مكثت في غرفة الإنعاش ثمانٍ وأربعين ساعةً، فقد كان حادثاً شنيعاً حيث دخلتُ بسيارتي تحت سيارة نقل كبيرة، ومن رحمة الله بي أن كتب لي الحياة، ومنحنى فرصة جديدة، لعلي أتوب وأقلع عمّا أنا فيه، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث. نقلت من المستشفى إلى بيت والدي بالرياض، وفي البيت كنت أتعاطى هذه الحبوب النكدة. قد تسألني وتقول: كيف تحصل على هذه الحبوب، وأنت على فراش المرض؟ فأقول: لقد كان أولئك الشياطين يأتون إليّ في البيت فيعرضون علي بضاعتهم، فأشتري منهم، بالرغم من حالتي السيئة. بقيتُ على هذه الحال أياماً، حتى أحسست بتحسن بسيط، وكانت فكرة السفر تراودني حتى تلك اللحظة أملاً في إكمال دراستي المتوسطة. وفي عصر أحد الأيام، وبعد أن تناولت كمية كبيرة من هذه الحبوب، خرجت أتوكأ على عكازي وأخذت أبحث عن سيارة تنقلني إلى المدينة، حاولت أن أوقف عدداً من السيارات إلا أن أحداً لم يقف لي، فذهبت إلى موقف سيارات الأجرة واستأجرت سيارة أوصلتني إلى هناك. وهناك، بادرت بالتسجيل في إحدى المدارس المتوسطة بعد جهود بذلها عمي وغيره في قبولي، وحصلتُ على شهادة الكفاءة، وكنت أثناء الدراسة مستمراً على تعاطي المسكرات، إلا أنني تركتُ المخدرات ووقعتُ في الشراب (الخمر)، وفي الوقت نفسه كنت أقوم بترويج تلك الحبوب الحمراء، وبيعها بسعر مضاعف، ولم أكن أدرك فداحة هذا الأمر وخطورته، فقد كان همي جمع المال -أسأل الله أن يتوب عليّ-. ثم وقعتُ بعد ذلك في الحشيش وأدمته، وكنت أتعاطاه عن طريق التدخين، فكنت أذهب إلى المدرسة وأنا في حالة هستيرية فأرى الناس من حولي كأنهم ذباب أو حشرات صغيرة، لكني لم أكن أتعرض لأحد، لأن الذي يتعاطى هذا البلاء يكون جباناً يخاف من كل شيء. بقيت على هذه الحال سنتين تقريباً، وكنت آنذاك أسكن بمفردي في بيت يقع في مكان ناءٍ في طرف البلد. وفي يوم من الأيام جاءني اثنان من شياطين الإنس الذين أعرفهم -وكان أحدهم متزوجاً- فأوقفت سيارتي وركبت معهم، وكان ذلك بعد صلاة العصر، فأخذنا ندور وندور في شوارع البلد. وبعد جولة دامت عدة ساعات، أوقفوني عند سيارتي، فركبتها واتجهت إلى البيت فلم أستطع الوصول إليه، فقد كنت في حالة سكر شديد. ظللت مدة ساعتين أو أكثر أبحث عن البيت فلم أجده!!! وفي نهاية المطاف وبعد جهد جهيد وجدته... فلما رأيته فرحتُ فرحاً شديداً، فلما هممتُ بالنزول من السيارة أحسستُ بألم شديد جداً في قلبي، وبصعوبة بالغة نزلت ودخلت البيت، وفي اللحظات تذكرت الموت. نعم، والله أيها الاخوة لقد تذكرتُ الموت كأنه أمامي يريد أن يهجم عليّ، ورأيت أشياء عجيبة أعجز عن وصفها الآن فقمتُ مسرعاً ومن غير شعور، ودخلت دورة المياه وتوضأت، وبعد خروجي من الدورة عدتُّ وتوضأت ثانية.. ثم أسرعت إلى إحدى الغرف وكبرت ودخلت في الصلاة، وأتذكر أني قرأت في الركعة الأولى بالفاتحة، و (قل هو الله أحد) ولا أتذكر ما قرأته في الركعة الثانية. المهم أنني أديت تلك الصلاة بسرعة شديد قبل أن أموت!! وألقيت بنفسي على الأرض، على جنبي الأيسر، واستسلمت للموت، فتذكرت تلك اللحظات أنني سمعت أن الميت من الأفضل أن يوضع على جنبه الأيمن فتحولت إلى الجنب الأيمن، وأنا أحس بأن شيئاً ما يهز كياني هزاً عنيفاً. ومرت في خاطري صور متلاحقة من سجل حياتي الحافل بالضياع والمجون، وأيقنت أن روحي قد أوشكت على الخروج. ومرّت لحظات كنت أنتظر فيها الموت، وفجأة حرّكتُ قدمي فتحركتْ، ففرحتُ بذلك فرحاً شديداً، ورأيت بصيصاً من الأمل يشعّ من بين تلك الظلمات الحالكة، فقمت مسرعاً وخرجت من البيت وركبت سيارتي، وتوجهت إلى بيت عمي. دفعت الباب ودخلت، فوجدتهم مجتمعين يتناولون طعام العشاء، فألقيت بنفسي بينهم. قام عمي فزعاٍ وسألني: ما بك؟!! فقلت له: إن قلبي يؤلمني. فقام أحد أبناء عمي، وأخذني إلى المستشفى، وفي الطريق أخبرته بحالي وأنني قد أسرفت في تعاطي ذلك البلاء، وطلبتُ منه أن يذهب بي إلى طبيب يعرفه، فذهب بي إلى مستوصف أهلي، فلما كشف عليّ الطبيب وجد حالتي في غاية السوء حيث بلغت نسبة الكحول في جسمي 94%، فامتنع عن علاجي، وقال لابدّ من حضور رجال الشرطة، وبعد محاولات مستمرة وإلحاح شديد وإغراءات وافق على علاجي، فقاموا بتخطيط للقلب ثم بدءوا بعلاجي. كان والدي في ذلك الوقت موجوداً في تلك المدينة، فلما علم أني في المستشفى جاء ليزورني، وقد رأيته وقف فوق رأسي فلما شم رائحتي ضاق صدره فخرج ولم يتكلم. أمضيت ليلة تحت العلاج، وقبل خروجي نصحني الطبيب بالابتعاد عن المخدرات، وأخبرني بأن حالتي سيئة جداً. وخرجت من المستشفى، وأحسست بأني قد منحت حياة أخرى جديدة، وأراد الله بي خيراً، فكنت فيما بعد كلما شممت رائحة الحشيش أصابني مثل ما أصابني في تلك الليلة وتذكرت الموت، فأطفئ السيجارة، وكنتُ كلما نمت بالليل أشعر بأن أحداً يوقظني ويقول لي: قم، فأستيقظ وأنا أنتفض من الخوف، فأتذكر الموت والجنة والنار والقبر، كما كنت أتذكر صاحبين لي من رفقاء السوء لقيا حتفهما قبل وقت قصير، فأخاف أن يكون مصيري كمصيرهما، فكنت أقوم آخر الليل فأصلي ركعتين -ولم أكن أعرف صلاة الوتر في ذلك الحين- ثم بدأت أحافظ على الصلوات المفروضة، وكنتُ كلما شممت رائحة الحشيش أو الدخان أتذكر الموت فأتركهما. وبقيت على هذه الحال أربعة أشهر أو أكثر حتى قيض الله لي أجد الشباب الصالحين فالتقطني من بين أولئك الأشرار، وأخذني معه إلى مكة المكرمة لأداء العمرة، وبعدها ولله الحمد تبت إلى الله وعدت إليه. ونصيحتي للشباب المسلم أن يحذروا كل الحذر من شياطين الإنس، ورفقاء السوء، الذين كانوا سبباً في شقاقي وتعاستي سنوات طويلة، ولولا رأفة الله ورحمته حيث أنقذني من بين أيديهم لكنت من الخاسرين. وأسال الله أن يتوب عليّ، وعلى جميع المذنبين والعاصيين إنه توّاب رحيم. (10) توبة امرأة مغربية بعد إصابتها بالسرطان وشفائها منه في بيت الله( ) (ليلى الحلوة) امرأة مغربية، أصيبت بالمرض الخبيث (السرطان)، فعجز الأطباء عن علاجها، ففقدت الأمل إلا بالله الذي لم تكن تعرفه من قبل، فتوجهت إليه في بيته الحرام، وهناك كان الشفاء، والآن -عزيزي القارئ- أتركك مع الأخت ليلى لتروي تفاصيل قصتها بنفسها، فتقول: منذ تسع سنوات أصبتُ بمرض خطير جداً، وهو مرض السرطان، والجميع يعرف أن هذا الاسم مخيف جداً وهناك في المغرب لا نسميه السرطان، وإنما نسميه (الغول) أو (المرض الخبيث). أصبتُ بالتاج الأيسر، وكان إيماني بالله ضعيفاً جداً، كنتُ غافلة عن الله تعالى، وكنت أظن أن جمال الإنسان يدوم طوال حياته، وأن شبابه وصحته كذلك، وما كنت أظن أبداً أني سأصاب بمرض خطير كالسرطان، فلما أصبتُ بهذا المرض زلزلني زلزالاً شديداً، وفكرت في الهروب، ولكن إلى أين؟! ومرضي معي أينما كنت، فكرت في الانتحار، ولكني كنتُ أحب زوجي وأولادي، وما فكرت أن الله سيعاقبني إذا انتحرت، لأني كنت غافلة عن الله كما أسلفت. وأراد الله سبحانه وتعالى أن يهديني بهذا المرض، وأن يهديني بي كثيراً من الناس فبدأت الأمور تتطور. لما أصبتُ بهذا المرض رحلت إلى بلجيكا، وزرت عدداً من الأطباء هناك، فقالوا لزوجي لابدّ من إزالة الثدي.. وبعد ذلك استعمال أدوية حادّة تُسقط الشعر وتزيل الرموش والحاجبين، وتعطي لحية على الوجه، كما تسقط الأظافر والأسنان، فرفضتُ رفضاً كلياً، وقلت: إني أفضل أن أموت بثديي وشعري وكل ما خلق الله بي ولا أشوّه، وطلبتُ من الأطباء أن يكتبوا لي علاجاً خفيفاً ففعلوا. فرجعتُ إلى المغرب، واستعملتُ الدواء فلم يؤثر علىّ ففرحتُ بذلك، وقلت في نفسي: لعل الأطباء قد أخطئوا، وأني لم أصب بمرض السرطان. ولكن بعد ستة أشهر تقريباً، بدأت أشعر بنقص في الوزن، لوني تغير كثيراً وكنت أحس بالآلام، كانت معي دائماً، فنصحني طبيبي في المغرب أن أتوجه إلى بلجيكا، فتوجهت إلى هناك. وهناك، كانت المصيبة، فقد قال الأطباء لزوجي: إن المرض قد عمّ، وأصيبت الرئتان، وأنهم الآن ليس لديهم دواء لهذه الحالة.. ثم قالوا لزوجي من الأحسن أن تأخذ زوجتك إلى بلدها حتى تموت هناك. فُجِعَ زوجي بما سمع، وبدلاً من الذهاب إلى المغرب ذهبنا إلى فرنسا حيث ظننا أننا سنجد العلاج هناك، ولكنا ولم نجد شيئاً، وأخيراً حرصنا على أن نستعين بأحد هناك لأدخل المستشفى وأقطع ثديي وأستعمل العلاج الحاد. لكن زوجي يذكر شيئاً كنا قد نسيناه، وغفلنا عنه طوال حياتنا، لقد ألهم الله زوجي أن نقوم بزيارة إلى بيت الله الحرام، لنقف بين يديه سبحانه ونسأله أن يكشف ما بنا من ضرّ، وذلك ما فعلنا. خرجنا من باريس ونحن نهلل ونكبر، وفرحتُ كثيراً لأنني لأول مرة سأدخل بيت الله الحرام، وأرى الكعبة المشرفة، واشتريتُ مصحفاً من مدينة باريس، وتوجهنا إلى مكة المكرمة. وصلنا إلى بيت الله الحرام، فلما دخلنا ورأيتُ الكعبة بكيتُ كثيراً لأنني ندمت على ما فاتني من فرائض وصلاة وخشوع وتضرع إلى الله، وقلت: يا رب.. لقد استعصى علاجي على الأطباء، وأنت منك الداء ومنك الدواء، وقد أغلقتْ في وجهي جميع الأبواب، وليس لي إلا بابك فلا تغلقه في وجهي وطفتُ حول بيت الله، وكنت أسأل الله كثيراً بأن لا يخيبني، وأن يخذلني، وإن يحيّر الأطباء في أمري. وكما ذكرت آنفاً، فقد كنت غافلة عن الله، جاهلة بدين الله، فكنت أطوف على العلماء والمشايخ الذين كانوا هناك، وأسألهم أن يدلوني على كتب وأدعية سهلة وبسيطة حتى أستفيد منها، فنصحوني كثيراً بتلاوة كتاب الله والتضلع من ماء زمزم -والتضلع هو أن يشرب الإنسان حتى يشعر أن الماء قد وصلى أضلاعه- كما نصحوني بالإكثار من ذكر الله، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم. شعرت براحة نفسية واطمئنان في حرم الله، فطلبتُ من زوجي أن يسمح لي بالبقاء في الحرم، وعدم الرجوع إلى الفندق، فأذن لي. وفي الحرم كان بحواري بعض الأخوات المصريات والتركيات كنَّ يرينني أبكي كثيراً، فسألنني عن سبب بكائي فقلت: لأنني وصلتُ إلى بيت الله، وما كنت أظن أني سأحبه هذا الحب، وثانياً لأنني مصابة بالسرطان. فلازمنني ولم يكن يفارقنني، فأخبرتهن أنني معتكفة في بيت الله، فأخبرن أزواجهن ومكثن معي، فكنا لا ننام أبداً، ولا نأكل من الطعام إلا القليل، لكنا كنا نشرب كثيراً من ماء زمزم، والنبي صلى الله عليه وسلم، يقول: (ماء زمزم لما شرب له)، إن شربتَه لتشفى شفاك الله، وإن شربته لظمأك قطعه الله، وإن شربته مستعيذاً أعاذك الله، فقطع الله جوعنا، وكنا نطوف دون انقطاع، حيث نصلي ركعتين ثم نعاود الطواف، ونشرب من ماء زمزم ونكثر من تلاوة القرآن، وهكذا كنا في الليل والنهار لا ننام إلا قليلاً، عندما وصلتُ إلى بيت الله كنت هزيلة جداً، وكان في نصفي الأعلى كثير من الكويرات والأورام، التي تؤكد أن السرطان قد عمّ جسمي الأعلى، فكنّ ينصحنني أغسل نصفي الأعلى بماء زمزم، ولكني كنت أخاف أن ألمس تلك الأورام والكويرات، فأتذكر ذلك المرض فيشغلني ذلك عن ذكر الله وعبادته، فغسلته دون أن ألمس جسدي. وفي اليوم الخامس ألحّ عليّ رفيقاتي أن أمسح جسدي بشيء من ماء زمزم فرفضتُ في بداية الأمر، لكني أحسستُ بقوة تدفعني إلى أن آخذ شيئاً من ماء زمزم وأمسح بيدي على جسدي، فخفت في المرة الأولى، ثم أحسست بهذه القوة مرة ثانية، فترددت ولكن في المرة الثالثة ودون أن أشعر أخذت يدي ومسحت بها على جسدي وثديي الذي كان مملوءاً كله دماً وصديداً وكويرات، وحدث ما لم يكن في الحسبان، كل الكويرات ذهبت ولم أجد شيئاً في جسدي، لا ألماً ولا دماً ولا صديداً. فاندهشتُ في أول الأمر، فأدخلت يدي في قميصي لأبحث عما في جسدي فلم أجد شيئاً من تلك الأورام، فارتعشتُ، ولكن تذكرتُ أن الله على كل شيء قدير، فطلبت من إحدى رفيقاتي أن تلمس جسدي، وأن تبحث عن هذه الكويرات، فصحن كلهن دون شعور: الله أكبر الله أكبر. فانطلقتُ لأخبر زوجي، ودخلتُ الفندق، فلما وقفتُ أمامه مزقتُ قميصي وأنا أقول، انظر رحمة الله، وأخبرته بما حدث فلم يصدق ذلك، وأخذ يبكي ويصيح بصوت عالٍ ويقول: هل علمتِ أن الأطباء أقسموا على موتك بعد ثلاثة أسابيع فقط؟ فقلت له: إن الآجال بيد الله سبحانه وتعالى ولا يعلم الغيب إلا الله. مكثنا في بيت الله أسبوعاً كاملاً، فكنت أحمد الله وأشكره على نعمه التي لا تُحصى، ثم زرنا المسجد النبوي بالمدينة المنورة ورجعنا إلى فرنسا. وهناك حار الأطباء في أمري واندهشوا وكادوا يُجنّون، وصاروا يسألونني هل أنت فلانة؟! فأقول لهم: نعم –بافتخار- وزوجي فلان، وقد رجعت إلى ربي، وما عدت أخاف من شيء إلا من الله سبحانه، فالقضاء قضاء الله، والأمر أمره. فقالوا لي: إن حالتك غريبة جداً وإن الأورام قد زالت، فلابد من إعادة الفحص. أعادوا فحصي مرة ثانية فلم يجدوا شيئاً وكنت من قبل لا أستطيع التنفس من تلك الأورام، ولكن عندما وصلت إلى بيت الحرام وطلبت الشفاء من الله ذهب ذلك عني. بعد ذلك كنتُ أبحث عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وعن سيرة أصحابه رضي الله عنهم وأبكي كثيراً، كنت أبكي ندماً على ما فاتني من حُب الله ورسوله، وعلى تلك الأيام التي قضيتها بعيدة عن الله عز وجل، وأسأل الله أن يقبلني وأن يتوب عليّ وعلى زوجي وعلى جميع المسلمين. (11) توبة تحت الأمواج ( ) شاب عشق البحر وأحبه، ولأجل ذلك اشترى مركباً ليبقى في البحر أطول وقت ممكن، كيف لا وقد أصبح الموج النغمة الحالمة التي يحب أن يسمعها دائماً. كان يتنزه مع أصدقائه فأراد الله به خيراً فحدثتِ المفاجأة يقول: م. ص. ر: كنت ذات يوم في البحر مع قاربي وحيداً، أقطع الأمواج وكان الوقت قد قارب على المغرب، وأنا أحب أن أبقى منفرداً في هذه الساعة بالذات، أعيش مع أحلامي، وأقضي أجمل أوقاتي مع الأطياف، وأنا وحيد على الماء الأزرق، وفجأة حدث ما لم يكن في الحسبان، ورأيت القارب وقد اعتلاني، وأصبحت بين الماء أصارع الأمواج والموت معاً. لم أستطع أن ألتزم بقارب النجاة أو بالطوق المعد لمثل هذه الحالات، صرخت بأعلى صوتي: يا رب أنقذني، صدرتْ هذه الصيحة من أعماق قلبي، ولم أدر بنفسي. غبت عن الوعي.. استيقظت، أجَلْت بصري يمنة ويسرة، رأيت رجالاً كثيرين يقولون: (الحمد لله، إنه حي لم يمت)، ومنهم اثنان قد لبسا ملابس البحر. قالوا لي: (الحمد لله الذي نجاك من الغرق)، لقد شارفت على الهلاك، ولكن إرادة الله كانت لك رحمة ومنقذا. لم أتذكر مما مضى في تلك الحادثة إلا ندائي لربي. دارت بي الدنيا مرة أخرى، وأصبحت أحدث نفسي، لماذا تجافي ربك؟ لماذا تعصيه؟ كان الجواب: الشيطان والنفس، والدنيا كانت تصرفني عن ذكر الله!! أفقت من دواري، قلت للحاضرين: هل دخل وقت العشاء؟ قالوا: نعم. قمت بين دهشة الحضور، توضأت وصليت، قلت: واعجباً هل حقيقة أني أصلي؟! لم أكن أؤدي هذه الصلوات في حياتي إلا مرات قليلة جداً، وفوق ذلك رحمني ربي وأكرمني بجوده ومنّه. عاهدتُ ربي أن لا أعصيه أبداً، وإن أزلني الشيطان أستغفر، فإن ربي غفور رحيم. وبقيت متخوفاً ألا يقبل الله توبتي حتى قرأت هذه الآية (إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). وتذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم، (إن التوبة تجبُّ ما قبلها)... فاطمأنت نفسي، واستكانت، وعرفت أن الله جواد كريم يفرح بتوبة عبده مهما بلغت ذنوبه. أسأل الله أن يتوب عليّ وعليكم وعلى المسلمين أجمعين، إنه سميع مجيب. واغرورقت عينها بالدموع وانفجر باكياُ حتى أبكانا معه. (12) توبة شاب بعد سماعه موعظة ( ) الوعظ أسلوب من أساليب التأثير والدعوة إلى الله، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتخول أصحابه بالموعظة، فإن الموعظة إذا خرجتْ من قلب صادق فإنها تخترق الحواجز وتصل إلى القلوب، فتكون كالغيث يُصيب أرضاً ميتة فتهتز وتحيا بإذن الله، وفيما يلي قصة شاب كان على موعد مع فعل الحرام، فسمع موعظة من بعيد لامستْ شغاف قلبه فاستيقظ من غفلته وعاد إلى الله يروي قصته فيقول: أنا شاب نشأتُ في بيت (مسلم)، ولكنه كان إسلاماً (وراثياً) لم يكن أهلي يحثونني على الطاعة واتباع شرع الله وينصحونني بذلك، ولكنهم كانوا يتحمسون لنصحي -وأحياناً تهديدي- إذا أنا تخلفت عن المدرسة أو عصيتهم في الأمور الدنيوية ( ) ومما لا شك فيه أن من كان هذا حاله فسوف يتجه إلى الهاوية، وهذا ما حدث لي، فلقد ابتليت بصحبة رفقاء سوء زينوا لي الفواحش والمنكرات، وأوقعوني في معاصي الله. فكنا نسخر من أهل الدين والصلاح ونستهزئ بهم!!! ومع استهزائنا بهم كنا نفعل الموبقات وكبائر الذنوب عل أنه من الرجولة والبطولة، وندفع كل ما نملك في سبيل ذلك ولو آل الأمر بنا إلى السجن، وكنا مع ذلك نتعاطي المخدرات والمسكرات، أما الصلاة فلم نكن نعرفها أبداً أبداً، وكنت إذا دخلت دورات المياه التابعة للمسجد يستغرب الناس دخولي إليها، لما عرفوا عني من الشر والفساد وعدم الاستقامة. وفي ليلة من الليالي وفي وقت صلاة العشاء كنت قريباً من أحد المساجد، وعلى موعد للجلوس مع بعض (الصبيان)، فإذا بصوت مؤثر ينطلق من مكبر الصوت من ذلك المسجد، يتحدث عن الجنة والنار، والموت والقبر، فأحسست أن ذلك الصوت يخاطبني ويهزني هزّاً عنيفاً وكأنه يقول لي: أيها الغافل، أما تستحي من الله؟ أما تخاف من الموت أن يأتيك بغتة وأنت على هذه الحال؟ انتبه، انتبه، فتأثرت بذلك، وشعرت بخوف شديد ورهبة. ومضت تلك الليلة. وفي الغد وبعد أن أذن المؤذن لصلاة العشاء، قمت وتوضأت واغتسلت ودخلت المسجد، وبدأ ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) في حديثه وكنتُ في طرف الصف، فبدأت بالبكاء على نفسي وعلى ما مضى من عمري من التفريط في حق الله وحق الوالدين، وبعد أن أديت الصلاة رجعت إلى البيت مبكراً، فاستبشر أهلي خيراً، فلم يكن من عادتي أن أرجع إلى البيت إلا في منتصف الليل أو آخره. ومن ذلك الحين تُبتُ إلى الله، ورجعت إليه، وأنا أدعو الله أن يثبتني وإياكم، وأن يغفر لنا وللشيخ الذي كان -بعد الله- سبباً في إنقاذي من الهلاك. (13) توبة فتاة من عالم الأزياء إلى كتب العلم والعقيدة ( ) إن إفساد المرأة المسلمة وإخراجها من دينها من أهم ما يسعى إليه أعداء الإسلام باسم (تحرير المرأة)، ذلك أن المرأة هي المدرسة التي تتربى فيها الأجيال وتتخرج، وبفسادها تفسد الأجيال. يقول (يوبه) المأسوني سنة 1879م: (تأكدوا تماماً أننا لسنا منتصرين على الدين إلا يوم تشاركنا المرأة فتمشي في صفوفنا)، ولكي تمشي المرأة في صفوفهم أخذوا يحيكون المؤامرات، والمخططات ليلاً ونهاراً، ومنها إشغال المرأة بالتوافه من الأمور كالاهتمام الزائد باللباس والزينة والتجمل، وإغراق الأسواق بمجلات الأزياء المتخصصة التي تحمل في طياتها آخر ما تفتّق عن العبقرية اليهودية ( ) من الأزياء العارية الفاتنة، و(الموديلات) الرخيصة الماجنة التي تتنافى مع ما أمر الله به المرأة من الحشمة والعفاف والستر، وقد قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم). والآن سنقف قليلاً مع إحدى الأخوات، لتحدثنا عن رحلتها مع عالم الأزياء والجمال الزائف إلى عالم آخر، عالم الكتب وطلب العلم، فتقول: عشتُ بداية حياتي في ضلال وضياع وغفلة، بين سهر على معاصي الله، وتأخير للصلاة عن وقتها، ونوم وخروج إلى الحدائق والأسواق، ومع ذلك كله فقد كنت أصلي أصوم، وأحاول أن ألتزم بأوامر الشرع التي تعلمتها منذ نعومة أظفاري، حتى أني -في المرحلة المتوسطة- كنت أعدّ ملتزمة بالنسبة لغيري من الفتيات الأخريات، ولكن حب المرأة للزينة والجمال والشهرة وميلها الغريزي إليه كان من أكبر مداخل الشيطان عليّ. فقد كنتُ مفتونة جدّاً بالأناقة وحبّ ابتكار (الموديلات) التي قد يستصغرها البعض ويقول: إنها ليست بمعصية، ولكني أقول: إنها قد تكون من أكبر المعاصي، فقد كانت هي وقتي كله، كنت أفكر فيها عند الطعام والشراب والنوم والسفر، وأثناء الحصص المدرسية، حتى الاختبارات، مع حرصي الشديد على المذاكرة والتفوق حيث كنت من الأوائل على المرحلة بكاملها. وأعظم من ذلك، أن مثل هذه الأمور التافهة كانت تشغل تفكيري حتى في الصلاة والوقوف بين يدي الله، فإذا انتهيتُ من الصلاة بدأت في وصف الموديل الذي فكرت به في الصلاة لأختي، وهي كذلك. وأذكر مرة أني حضرت زواجاً لإحدى قريباتي، وحزتْ على إعجاب الكثيرات من بنات جيلي من إطراء ومديح بطريقة اللبس مما زاد من غروري، وجعلني أتحسر وأتألم لِمَ لم ألبس أفضل لأحوز على مديح أكثر، وأخذت أتحسر لمدة سنة تقريباً. قد تستغربون ذلك، ولكن هذا كله بسبب الصديقات المنحلات اللاتي كنت أختارهنّ، فكنت بالنسبة لهن ملتزمة. وفي نهاية المرحلة الثانوية يسر الله لي طريق الهداية، فقد كنت أذهب أثناء الاختبارات إلى مصلى المدرسة لأذاكر مع صديقاتي، فأجد هناك بعض حلقات العلم فأجلس إليها وأستمع أنا وزميلاتي، فأثر ذلك فيّ، مما جعلني بعد التخرج ودخول الجامعة ألتحق بقسم الدراسات الإسلامية. وفي الجامعة، تعرفتُ على أخوات صالحات، وبفضل الله ثم بفضل أخواتي الصالحات ومجالس الذكر والإلحاح في الدعاء أعانني الله على أن استبدل حب الدنيا بطلب العلم، حتى أني أنسى حاجتي للطعام والشراب مع طلب العلم، ولا أزكي نفسي ولكن الله يقول: (وأما بنعمة ربّك فحدّث). سورة الضحى الآية 11. كما أصبحت بعد الالتزام أشعر بسعادة تغمر قلبي فأقول: بأنه يستحيل أن يكون هناك إنسان أقل مني التزاماً أن يكون أسعد مني، ولو كانت الدنيا كلها بين عينيه، ولو كان من أغنى الناس. وهكذا تمت رحلتي من السهر على الفيديو والأفلام الماجنة إلى كتب العقيدة والحديث وأبحاث الفقه. ومن النوم إلى الظهيرة إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم، في النوم فالإنسان محاسب على وقته، وعليه استغلال كل دقيقة، فإذا كنت في وضع لا يسمح لي بطلب العلم فلساني لا يفتر -والله الحمد- من ذكر الله والاستغفار. وفي الختام أسأل الله لي ولجميع المسلمين والمسلمات الهداية والثبات.. فأكثر ما ساعدني على الثبات -بعد توفيق الله- هو إلقائي للدروس في المصلى، بالإضافة إلى قراءتي عن الجنة بأن فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، من اللباس والجمال والزينة، والأسواق، والزيارات بين الناس، وهذه من أحب الأشياء إلى قلبي. فكنت كلما أردت أن أشتري شيئاً من الملابس التي تزيد على حاجتي أقول: ألبسها في الآخرة أفضل. فتذكري للجنة ونعيمها من أكثر الأسباب المرغبة لي في ترك ملذات الدنيا طمعاً في الحصول عليها كاملةً في الآخرة بإذن الله. ومن أكثر الأسباب المرغبة لي في ترك المعاصي تذكري للصراط، وأهوال يوم القيامة، وأن الأعمال تعرض على الله أمام جميع الخلائق، وهناك تكون الفضيحة. (14) توبة شاب كان يتعرض للنساء ( ) إنها قصة مؤثرة، يرويها أحد الغيورين على دين الله، يقول: خرجت ذات يوم بسيارتي لقضاء بعض الأعمال، وفي إحدى الطرق الفرعية الهادئة قابلني شاب يركب سيارة صغيرة، لم يرني، لأنه كان مشغولاً بملاحقة بعض الفتيات في تلك الطريق الخالية من المارّة. كنتُ مسرعاً فتجاوزته، فلما سرت غير بعيد قلت في نفسي: أأعود فأنصح ذلك الشاب! أم أمضي في طريقي وأدعه يفعل ما يشاء؟ وبعد صراع داخلي دام عدة ثوانٍ فقط اخترتُ الأمر الأول. عدتُ ثانية، فإذا به قد أوقف سيارته وهو ينظر إليهن ينتظر منهن نظرة أو التفاته، فدخلن في أحد البيوت. أوقفت سيارتي بجوار سيارته، نزلت من سيارتي واتجهت إليه، سلمت عليه أولاً، ثم نصحته فكان مما قلته له: تخيل أن هؤلاء الفتيات أخواتك أو بناتك أو قريباتك فهل ترضى لأحد من الناس أن يلاحقهن أو يؤذيهن؟ كنت أتحدث إليه وأنا أشعر بشيء من الخوف، فقد كان شابّاً ضخماً ممتلئ الجسم، كان يستمع إليّ وهو مطرق الرأس، لا ينبس ببنت شفة. وفجأة الفَتَ إليّ، فإذا دمعة قد سالتْ على خده، فاستبشرتُ خيراً، وكان ذلك دافعاً لي لمواصلة النصيحة، لقد زال الخوف مني تماماً، وشددتُّ عليه في الحديث حتى رأيت أني قد أبلغت في النصيحة. ثم ودّعته لكنه استوقفني، وطلب مني أن أكتب له رقم هاتفي وعنواني، وأخبرني أنه يعيش فراغاً نفسياً قائلاً، فكتبتُ له ما أراد. وبعد أيام جاءني في البيت، لقد تغير وجهه وتبدلتْ ملامحه، فقد أطلق لحيته وشعَّ نور الإيمان من وجهه. جلستُ معه، فجعل يحدثني عن تلك الأيام التي قضاها في (التسكع) في الشوارع والطرقات وإيذاء المسلمين والمسلمات، فأخذت أسليه، وأخبرته بأن الله سبحانه واسع المغفرة، وتلوت عليه قوله تعالى: (قل يا عباديَ الله أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم). سورة الزمر، الآية 53. فانفرجتْ أسارير وجهه، واستبشر خيراً، ثم ودعني وطلب مني أن أردّ الزيارة، فهو في حاجة إلى من يعينه على السير في الطريق المستقيم، فوعدته بالزيارة، مضت الأيام وشُغلت ببعض مشاغل الحياة الكثيرة، وجعلت أسوّف في زيارته. وبعد عدة أيام، وجدت فرصة وذهبت إليه. طرقت الباب، فإذا بشيخ كبير يفتح الباب وقد ظهرت عليا آثار الحزن والأسى، إنه والده. سألته عن صاحبي، أطرق برأسه إلى الأرض، وصَمَتَ برهةً، ثم قال بصوت خافت: يرحمه الله ويغفر له، ثم استطرد قائلا: حقاً إن الأعمال بالخواتيم. ثم أخذ يحدثني عن حاله وكيف أنه كان مفرطاً في جنب الله بعيدًا عن طاعة الله، فمنّ الله عليه بالهداية قبل موته بأيام، لقد تداركه الله برحمته قبل فوات الأوان. فلما فرغ من حديثه عزيته ومضيت، وقد عاهدتُ الله أن أبذل النصيحة لكل مسلم. (15) توبة فتاة في العشرين( ) أ. هـ. فتاة في العشرين من عمرها، أراد الله بها خيراً فوفقها للتوبة والهداية، تروي قصتها فتقول: كانت حياتي أشبه بحياة الجاهلية، على الرغم من أني ابنة أناس محافظين ومتمسكين بالقيم والمبادئ الإسلامية، كنت لا أحافظ على أوقات الصلاة، حتى أن صلاة الفجر لا أصلّيها إلا بعد الساعة العاشرة. أرى اخوتي يسهرون في رمضان لقيام الليل وقراءة القرآن، وأنا أحيي الليل بالسهر على أشرطة الفيديو والنظر إلى ما يغضب الله. وفي ليلة من الليالي وبعد أن آويت إلى فراشي رأيت فيما يرى النائم أني مع مجموعة من الصديقات (قرينات السوء)، وكنا نلعب كعادتنا، فمرتْ من أمامي جنازة فجلست أنظر إليها، وكنَّ يحاولن صدّي عنها، حاولت أن ألحق بها فلم أستطع، فركضت وركضت إلى أن وصلت إليها، وبعد مرورنا بطريق وعر عجزتُ عن مواصلة الطريق، فوجدتُ غرفة صغيرة مظلمة، دخلتها وقلت: ما هذه؟ قالوا لي هذا قبرك، هذا مصيرك، عندها أردتُّ أن أتدارك عمري فصرخت بأعلى صوتي أريد مصحفاً، أريد أن أصلي، أريد أن أخرج دمعة تنجيني من عذاب الله الأليم. فجاء صوت من خلفي قائلا: هيهات هيهات، انقضى عمرك وأنت منهمكة بالملذات. وفجأة استيقظت من نومي على صوت الإمام في صلاة الفجر وهو يتلو قوله تعالى: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله، وما نزل من الحق). سورة الحديد الآية 16. سبحان الله، شريط حياتي أخذ ينطوي أمامي، وقد تداركتني نعمة ربي بأن جعلني أوب إليه قبل الوفاة، فلله الحمد والمنّة.

العائدون الى الله -الجزء الاول

Posted: 11 Oct 2012 10:21 AM PDT


العائدون الى الله -الجزء الاول

العائدون إلى الله مجموعة من قصص التائبين ، من مشاهير وعلماء ودعاة وغيرهم يرونها بأنفسهم جمعها محمد بن عبدالعزيز المسند المجموعة الأولى (1) توبة ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) أحمد القطان ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) أحمد القطان من الدعاة المشهورين والخطباء المعروفين يروي قصة توبته فيقول: إن في الحياة تجارب وعبراً ودروساً… لقد مررت في مرحلة الدراسة بنفسية متقلّبة حائرة… لقد درست التربية الإسلامية في مدارس التربية – ولا تربية – ثمانية عشر عاماً. وتخرجت بلا دين… وأخذت ألتفت يميناً وشمالاً: أين الطريق؟ هل خلفت هكذا في الحياة عبثاً؟.. أحس فراغاً في نفسي وظلاماً وكآبةً.. أفر إلى البر… وحدي في الظلام لعلي أجد هناك العزاء، ولكن أعود حزيناً كئيباً. وتخرجت في معهد المعلمين 1969م وفي هذه السنة والتي قبلها حدث في حياتي حدث غريب تراكمت فيه الظلمات والغموم إذ قام الحزب الشيوعي باحتوائي ونشر قصائدي في مجلاتهم وجرائدهم. والنفخ فيها. وأخذوا يفسرون العبارات والكلمات بزخرف من القول يوحي به بعضهم إلى بعض حتى نفخوا فيّ نفخة ظننت أنني أن الإمام المنتظر؟ وما قلت كلمة إلا وطبّلوا وزمّروا حولها… وهي حيلة من حيلهم. إذا أرادوا أن يقتنصوا ويفترسوا فرداً ينظرون إلى هويته وهوايته ماذا يرغب… يدخلون عليه من هذا المدخل. رأوني أميل على الشعر والأدب فتعهّدوا بطبع ديواني نشر قصائدي وعقدوا لي الجلسات واللقاءات الأدبية الساهرة… ثم أخذوا يدسون السم في الدسم. يذهبون بي إلى مكتبات خاصة ثم يقولون: اختر ما شئت من الكتب بلا ثمن فأحم كتباً فاخرة أوراقاً مصقولة… طباعة أنيقة عناوينها: (أصول الفلسفة الماركسية)، 0المبادئ الشيوعية) وهكذا بدءوا بالتدريج يذهبون بي إلى المقاهي الشعبية العامة، فإذا جلست معهم على طاولة قديمة تهتز… أشرب الشاي بكوب قديم وحولي العمال… فإذا مرّ رجل بسيارته الأمريكية الفاخرة قالوا: انظر، إن هذا يركب السيارة من دماء آبائك وأجدادك… وسيأتي عليك اليوم الذي تأخذها منه بالثورة الكبرى التي بذأت وستستمر… إننا الآن نهيئها في (ظفار) ونعمل لها، وإننا نهيئها في الكويت ونعمل لها، وستكون قائداً من قوادها. وبينما أنا اسمع هذا الكلام أحسّ أن الفراغ في قلبي بدأ يمتلئ بشيء لأنك إن لم تشغل قلبك بالرحمن أشغله الشيطان… فالقلب كالرحى… يدور… فإن وضعت به دقيقاً مباركاً أخرج لك الطحين الطيب وإن وضعت فيه الحصى أخرج لك الحصى. ويقدّر الله – سبحانه وتعالى - بعد ثلاثة شهور أن نلتقي برئيس الخلية الذي ذهب إلى مصر وغاب شهراً ثم عاد. وفي تلك الليلة أخذوا يستهزئون بأذان الفجر… كانت الجلسة تمتد من العشاء إلى الفجر يتكلمون بكلام لا أفهمه مثل (التفسير المادي للتاريخ) و (الاشتراكية والشيوعية في الجنس والمال) …ثم يقولون كلاماً أمرّره على فطرتي السليمة التي لا تزال… فلا يمرّ…أحس أنه يصطدم ويصطكّ ولكن الحياء يمنعني أن أناقش فأراهم عباقرة… مفكرين… أدباء… شعراء… مؤلفين كيف أجرؤ أن أناقشهم فأسكت. ثم بلغت الحالة أن أذّن المؤذّن لصلاة الفجر فلما قال (الله أكبر) أخذوا ينكّتون على الله ثم لما قال المؤذن (أشهد أن محمّدا رسول الله) أخذوا ينكّتون على رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وهنا بدأ الانفعال الداخلي والبركان الإيماني الفطري يغلي وإذا أراد الله خيراً بعباده بعد أن أراه الظلمات يسرّ له أسباب ذلك إذا قال رئيس الخلية: لقد رأيت الشيوعية الحقيقية في لقائي مع الأبنودي الشاعر الشعبي بمصر وهو الوحيد الذي رأيته يطبّقها تطبيقاً كاملاً. فقلت: عجباً… ما علامة ذلك؟!!. قال: (إذا خرجنا في الصباح الباكر عند الباب فكما أن زوجته تقبله تقبلني معه أيضاً وإذا نمنا في الفراش فإنها تنام بيني وبينه…) هكذا يقول… والله يحاسبه يوم القيامة فلما قال ذلك نَزَلَتْ ظلمة على عينيّ وانقباض في قلبي وقلت في نفسي: أهذا فكر؟!! أهذه حرية؟!! أهذه ثورة؟!! لا وربّ الكعبة إن هذا كلام شيطاني إبليسي!! ومن هنا تجرأ أحد الجالسين فقال له: يا أستاذ مادمت أنت ترى ذلك فلماذا لا تدع زوجتكم تدخل علينا نشاركك فيها؟ قال: (إنني ما أزال أعاني من مخلفات البرجوازية وبقايا الرجعية. وسيأتي اليوم الذي نتخلص فيه منه جميعا...) ومن هذه الحادثة بدأ التحول الكبير في حياتي إذ خرجت أبحث عن رفقاء غير أولئك الرفقاء فقدّر الله أن ألتقي باخوة في (ديوانية) كانوا يحافظون على الصلاة... وبعد صلاة العصر يذهبون إلى ساحل البحر ثم يعودون وأقصى ما يفعلونه من مأثم أنهم يلعبون (الورقة). ويقدّر الله أن يأتي أحدهم إلىّ ويقول: يا أخ أحمد يذكرون أن شيخاً من مصر اسمه (حسن أيوب) جاء إلى الكويت ويمدحون جرأته وخطبته، ألا تأتي معي؟ قالها من باب حبّ الاستطلاع.. فقلت: هيا بنا.. وذهبت معه وتوضأت ودخلت المسجد وجلستُ وصليتُ المغرب ثم بدأ يتكلم وكان يتكلم وافقاً لا يرضى أن يجلس على كرسي وكان شيخاً كبيراً شاب شعر رأسه ولحيته ولكن القوة الإيمانية البركانية تتفجر من خلال كلماته لأنه كان يتكلم بأرواح المدافع لا بسيوف من خشب. وبعد أن فرغ من خطبته أحسستُ أني خرجت من عالم إلى عامل آخر.. من ظلمات إلى نور لأول مرة أعرف طريقي الصحيح وأعرف هدفي في الحياة ولماذا خلقت وماذا يراد مني وإلى أين مصيري.. وبدأت لا أستطيع أن أقدم أو أؤخر إلا أن أعانق هذا ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) وأسلّم عليه. ثم عاد هذا الأخ يسألني عن انطباعي فقلت له: اسكت وسترى انطباعي بعد أيام.. عدتُ في الليلة نفسها واشتريت جميع الأشرطة لهذا ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) وأخذتُ أسمعها إلى أن طلعتِ الشمس ووالدتي تقدم لي طعام الإفطار فأردّه ثم طعام الغداء وأنا أسمع وأبكي بكاءً حارّاً وأحسّ أني قد ولدتُ من جديد ودخلتُ عالماً آخر وأحببتُ الرسول صلى الله عليه وسلم، وصار هو مثلي الأعلى وقدوتي وبدأتُ أنكبُ على سيرته قراءةً وسماعاً حتى حفظتها من مولده إلى وفاته صلى الله عليه وسلم، فأحسستُ أنني إنسان لأول مرة في حياتي وبدأت أعود فأقرأ القرآن فأرى كل آية فيه كأنها تخاطبني أو تتحدث عني (أوًمنْ كانَ ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها…) سورة الأنعام نعم.. لقد كنت ميتاً فأحياني الله… ولله الفضل والمنة… ومن هنا انطلقتُ مرة ثانية إلى أولئك الرفقاء الضالين المضلين وبدأت أدعوهم واحداً واحداً ولكن… (إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين)… أما أحدهم فقد تاب بإذن الله وفضله، ثم ذهب إلى العمرة فانقلبتْ به السيارة ومات وأجره على الله. وأما رئيس الخلية فقابلني بابتسامة صفراء وأنا أناقشه أقول له: أتنكر وجود الله؟!! وتريد أن تقنعي بأن الله غير موجود؟!! فابتسم ابتسامة صفراء وقال: يا أستاذ أحمد.. إنني أحسدك لأنك عرفت الطريق الآن.. أما أنا فاتركني.. فإن لي طريقي ولك طريقك.. ثم صافحني وانصرفت وظل هو كما هو الآن؟ وأما البقية فمنهم من أصبح ممثلاً ومنهم من أصبح شاعراً يكتب الأغاني وله أشرطة (فيديو) يلقي الشعر وهو سكران... وسبحان الذي يُخرج الحي من الميت... ومن تلك اللحظة بدأت أدعو إلى الله رب العالمين. (2) توبة والد ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) أحمد القطان ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) أحمد القطان -جزاه الله خيراً- كان هو السبب -بعد توفيق الله- في هداية والده يروي لنا القصة فيقول أصيب والدي -رحمه الله- بمرض في الغوص حيث كانوا على ظهر سفينة فضربتهم صاعقة.. فقد كانوا داخلين في شط العرب يحملون التمور وكانت هناك سفينة كويتية معطلة تحتاج إلى بعض التصليح فطلب ربّان هذه السفينة من ربّان السفينة الأخرى التي فيها والدي أن يساعده فيجر معه (المحمل) حتى يخرجه من المكان الضحل إلى المكان العميق. فوعده أن يساعده في وقت آخر بعد أن يستقي الماء ويجره إلى المكان العميق إلا أنه كان مستعجلاً وكان محمّلا بضاعـة ثقيلة فلم يف بوعده إذ (خطف) بالليل خفيـة وترك صاحبه الذي وعده قال والدي -رحمه الله -: فلما خرجنا من الخليج العربي جاءت سحابة فوق السفينة فبرقت ورعدت ونزلت منها صاعقة على الشراع فاحترق كله.. فكان والدي ممن أصيب بهذه الصاعقة إذ أصيب بمرض أشبه بالشلل. وكان التجار يلومون ربان السفينة ويقولون له: لو أنك ساعدت ذلك الرجل صاحب السفينة المعطلة لما حدث ما حدث... ولكن... قدرّ الله وما شاء فعل... ثم عادوا بوالدي -رحمه الله- إلى بيته وأصبح مقعداً لا يستطيع المشي وأكل ما عنده من مدخرات حتى أصبح يخرج وهو يزحف إلى الشارع لعله يجد من يجود عليه ولو بكسرة خبز. ولما بلغت به هذه الحالة وامتد مرضه ما يقارب العشر سنوات وهو جالس البيت بلا علاج وصفوا له شيخاً من المنتسبين للدين يقرأ على الناس الآيات والأحاديث للاستشفاء. واستدعي ذلك ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) الذي يسمونه (الملا) وكان أول سؤال وجّهه إلى والدي -مع الأسف الشديد- : (كم تدفع على هذه القراءة؟!فقال والدي -رحمه الله- : أنا رجل فقير ومقعد وليس معي في جيبي إلا هذه النصف روبية هي ثمن طعامي أنا ووالدتي.. فقال (الملا) هذه لا تكفي .. وطلب أكثر من ذلك.. فلما لم يعطه والدي ما يريد خرج ولم يقرأ عليه شيئاً. وهنا أحسّ والدي بامتعاض شديد وتولد عنده ردّ فعل عنيف جعله يكره الدين ويكره من ينتسب إلى هذا الدين... وأصبحت هذه الحادثة دائماً على لسانه لاسيما وأنه كان فصيحاً وذكياً يقول الشعر ويضرب الأمثال.. فسلط تلك الفصاحة وذلك الذكاء للسخرية بالمتدينين بسبب ذلك الموقف الذي وقفه ذلك الملا. ومرت الأيام... ويقدر الله -جل وعلا- أن يأتيه رجل فيقول له: لماذا لا تذهب إلى المستشفى (الأمريكاني) الذي يمدحه الناس ويثنون عيه وفيه طبيب جيد اسمه سكيدر... الخ وهو مستشفى تابع لإرساليات التبشير (النصرانية) التي تعمل لتنصير المسلمين أو إخراجهم من دينهم على الأقل.. فقال والدي ولكن كيف أستطيع الوصول إلى هذا المستشفى وهو بعيد عني بيتي وأنا لا أستطيع المشي. ولم تكن في ذلك الوقت مواصلات تنقلهم كما هو الآن إلا عند أناس يعدون على الأصابع ومن هؤلاء المعدودين ذلك المستشفى المذكور حيث كان يملك سيارة وعند الدكتور سكيدر.. وعند أذان الفجر زحف والدي رحمه الله على فخذيه من بيته إلى المستشفى (الأمريكاني) فما وصله –زحفاً- إلا قبيل الظهر وكان ذلك في فصل الصيف. يقول رحمه الله : فلما وصلت إلى جدار المستشفى لم تبق فيّ قطرة ماء لا في فمي ولا في عيني ولا جسمي... وأحسست أن الشمس تحرقني وأكاد أموت حتى إني لا أستطيع أن أتكلم أو أصرخ أنادي.. فدنوت من الجدار ونمت وبدأت أتشهد استعداداً للموت. يقول: ثم أغمي عليّ وظننت أني متّ فلما فتحت عيني إذا أنا في بيتي وبجواري دواء.. قال: فسألت الناس الذين كانوا يعالجون في المستشفى: ماذا حدث؟ فقالوا: إن الناس قد أخبروا الطبيب بأن هناك رجلاً قد أغمي عليه عند جدار المستشفى فنظر من النافذة فرآه فنزل مع الممرضين وحملوه ودخلوا به ثم بعد ذلك قام بتشخيصه تشخيصاً كاملاً حتى عرف المرض وأعطاه حقنة ثم بعد ذلك أعطاه الدواء وحمله بسيارته الخاصة وأوصله إلى البيت. قال والدي -رحمه الله-: فلما وضعتُ يدي في جيبي وجدتُ بها خمس روبيات فسألت: من الذي وضع هذه الروبيات في جيبي؟ فقالت الوالدة وضعها الدكتور الذي أحضرك إلى هنا!!!. وهنا يظهر الفرق الكبير بين ما فعله هذا (المبشر) النصراني وبين ما فعله ذلك (الملا) سامحه الله. إن هذا النصراني لم يدعُ والدي إلى دينه بطريقة مباشرة وإنما أحسن معه المعاملة لكي يستميل قلبه ومن أصول الإرساليات التبشيرية (التنصيرية) التي تدرس لهم وقرأناه في الكتب ودرسناها نحن أنه ليس من الشرط أن تجعل المسلم نصرانياً.. -إن جعلته نصرانياً فهذا تشريف للمسلم (هكذا يقولون)- ولكن إذا عجزت أن تجعله نصرانياً فاحرص على أن تتركه بلا دين فإن تركته بلا دين فقد حققت المطلب الذي نريد. الشاهد أن الوالد رحمه الله شُفي وقام يمشي وظل ذلك الطبيب يزوره في كل أسبوع مرة ويتلطف معه ويمسح عليه وينظفه ويعالجه إلى أن تحسنت صحته وقام يمشي وبدأ يعمل ثم بعد تزوج فلما رزقه الله بابنه الأول -وهو أنا- ظل ولاؤه لهذا الطبيب لدرجة أنني لما بلغت الخامسة من عمري وبدأت أعقل بعض الأمور كان يأخذني كل أسبوع في زيارة مخصصة إلى ذلك الدكتور ويلقنني منذ الصغر ويقول: انظر إلى هذا الرجل الذي أمامك. إنه هو سبب شفاء والدك.. هذا الذي كان يعالجني في يوم من الأيام ويضع في جيبي خمس روبيات بينما يرفض (الملا) علاجي لأني لا أملك هذه الروبيات..ثم يأمرني بتقبيل يده.. فأقوم أنا وأقبل يده. واستمرت هذه الزيادة المخصصة لذلك الدكتور إلى أن بلغت العاشرة من عمري.. في كل أسبوع زيارة وكأنها عبادة.. يدفعني إليه دفعاً لكي أقبّل يده. ثم بعد ذلك استمر والدي يسخر من المتدينين ويستهزئ بهم، فلما هداني الله إلى الطريق المستقيم وأعفيت لحيتي بدأ يسخر ويستهزئ باللحية. فقلت في نفسي: إنه من المستحيل أن أنزع صورة ذلك (الملا) من رأسه وصورة ذلك الدكتور من رأسه أيضاً إلا أن أحسن المعاملة معه أكثر من (الملا) وأكثر من الدكتور وبدون ذلك لن أستطيع. فظللت أنتظر الفرصة المناسبة لذلك طمعاً في هداية والدي. وجاءت الفرصة المنتظرة.. ومرض الوالد مرضاً عضالاً.. وأصبح طريح الفراش في المستشفى حتى إنه لا يستطيع الذهاب إلى مكان قضاء الحاجة إذا أراد ذلك وكنتُ أنا بجواره ليلاً ونهاراً فقلتُ في نفسي هذه فرصة لا تقدّر بثمن. وفي تلك الحال كان -رحمة الله عليه- يتفنّن في مطالبة يختبرني هل أطيعه أم لا؟ ومن ذلك أنه في جوف الليل كان يأمرني بأن أحضر له نوعاً من أنواع الفاكهة لا يوجد في ذلك الوقت فأذهب وأبحث في كل مكان حتى أجدها في تلك الساعة المتأخرة ثم أقدمها له فلا يأكلها.. فإذا أراد أن يقضي الحاجة لا يستطيع القيام فأضع يدي تحت مقعدته حتى يقضي حاجته في يدي.. ويتبول في يدي.. وأظل واضعاً يدي حتى ينتهي من قضاء الحاجة، وهو يتعجّب من هذا السلوك... ثم أذهب إلى دورة المياه وأنظف يدي مما أصابهما. وقد تكررت هذه الحادثة في كل عشر دقائق مرة.. نظراً لشدة المرض حتى أنني في النهاية لم أتمكن من وضع يدي كلما تبرز أو تبول.. لكثرة ذلك. فلما رأى والدي هذا التصرف يتكرر مني أكثر من مرة أخذ يبكي.. فكان هذه البكاء فاتحة خير وإيمان في قلبه.. ثم قال لي: إنني ما عرفت قيمتك إلا في هذه اللحظة. ثم سألني: هل جميع هؤلاء الشباب المتدينين مثلك؟.. قلت له: بل أحسن مني، ولكنك لا تعرفهم.. وكانوا يزورونه ويسلمون عليه. فبدأ يصلي ويصوم ويحب الدين ويذكر الله.. ولا يفتر لسانه عن ذكر الله وقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وأسبغ الله عليه هذا الدين فقلتُ: سبحان الله.. حقاً إن الدين هو المعاملة. (3) ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) سعيد بن مسفر القحطاني في لقاء مفتوحٍ مع ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) سعيد بن مسفر -حفظه الله- طلب منه بعض الحاضرين أن يتحدث عن بداية هدايته فقال: حقيقةً.. لكل هداية بداية… ثم قال بفطرتي كنت أؤمن بالله، وحينما كنتُ في سن الصغر أمارس العبادات كان ينتابني شيء من الضعف والتسويف على أمل أن أكبر وأن أبلغ مبلغ الرجال فكنتُ أتساهل في فترات معينة بالصلاة فإذا حضرتُ جنازة أو مقبرة، أو سمعتُ موعظةً في مسجد ازدادتْ عندي نسبة الإيمان فأحافظ على الصلاة فترة معينة مع السنن ثم بعد أسبوع أو أسبوعين أترك السنن... وبعد أسبوعين أترك الفريضة حتى تأتي مناسبة أخرى تدفعني إلى أن أصلى.. وبعد أن بلغت مبلغ الرجال وسن الحلم لم أستفد من ذلك المبلغ شيئاً وإنما بقيت على وضعي في التمرد وعدم المحافظة على الصلاة بدقة لأن من شبّ علي شيء شاب عليه. وتزوجت... فكنت أصلي أحياناً وأترك أحياناً على الرغم من إيماني الفطري بالله.. حتى شاء الله -تبارك وتعالى- في مناسبة من المناسبات كنت فيها مع أخ لي في الله وهو ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) سليمان بن محمد بن فايع -بارك الله فيه- وهذا كان في سنة 1387هـ نزلت من مكتبي -وأنا مفتش في التربية الرياضية- وكنتُ ألبس الزي الرياضي والتقيتُ به على باب إدارة التعليم وهو نازل من قسم الشئون المالية فحييته لأنه كان زميل الدراسة وبعد التحية أردتُّ أن أودعه فقال لي إلى أين؟ -وكان هذا في رمضان- فقلت له: إلى البيت لأنام.. وكنت في العادة أخرج من العمل ثم أنام إلى المغرب ولا أصلى العصر إلا إذا استيقظت قبل المغرب وأنا صائم.. فقال لي: لم يبق على صلاة إلا قليلاً فما رأيك لو نتمشى قليلا؟ فوافقته على ذلك ومشينا على أقدامنا وصعدنا إلى السد (سد وادي أبها) -ولم يكن آنذاك سداً- وكان هناك غدير وأشجار ورياحين طيبة فجلسنا هناك حتى دخل وقت صلاة العصر وتوضأنا وصلينا ثم رجعنا وفي الطريق ونحن عائدون… ويده بيدي قرأ علي حديثاً كأنما أسمعه لأول مرة وأنا قد سمعته من قبل لأنه حديث مشهور… لكن حينما كان يقرأه كان قلبي ينفتح له حتى كأني أسمعه لأول مرة… هذا الحديث هو حديث البراء بن عازب رضي الله عنه الذي رواه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه قال البراء رضي الله عنه: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولم يُلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكت في الأرض فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر – قالها مرتين أو ثلاثاً – ثم قال (إن المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه..) الحديث. فذكر الحديث بطوله من أوله إلى آخره وانتهى من الحديث حينما دخلنا أبها وهناك سنفترق حيث سيذهب كل واحد منا إلى بيته فقلت له: يا أخي من أين أتيت بهذا الحديث؟ قال: هذا الحديث في كتاب رياض الصالحين فقلت له: وأنت أي كتاب تقرأ؟ قال أقرأ كتاب الكبائر للذهبي.. فودعته.. وذهبتُ مباشرة إلى المكتبة -ولم يكن في أبها آنذاك إلا مكتبة واحدة وهي مكتبة التوفيق- فاشتريتُ كتاب الكبائر وكتاب رياض الصالحين وهذان الكتابان أول كتابين أقتنيهما. وفي الطريق وأنا متوجه إلى البيت قلت لنفسي: أنا الآن على مفترق الطريق وأمامي الآن طريقان الطريق الأول طريق الإيمان الموصل إلى الجنة، والطريق الثاني طريق الكفر والنفاق والمعاصي الموصل إلى النار وأنا الآن أقف بينهما فأي الطريقين أختار؟ العقل يأمرني باتباع الأول… والنفس الأمارة بالسوء تأمرني باتباع الطريق الثاني وتمنيني وتقول لي: إنك مازلت في ريعان الشباب وباب التوبة مفتوح إلى يوم القيامة فبإمكانك التوبة فيما بعد. هذه الأفكار والوساوس كانت تدور في ذهني وأنا في طريق إلى البيت... وصلتُ إلى البيت وأفطرت وبعد صلاة المغرب صليت العشاء تلك الليلة وصلاة التراويح ولم أذكر أني صليت التراويح كاملة إلا تلك الليلة.. وكنت قبلها أصلي ركعتين فقط ثم أنصرف وأحياناً إذا رأيت أبي أصلي أربعاً ثم أنصرف.. أما في تلك الليلة فقد صليت التراويح كاملةً.. وانصرفت من الصلاة وتوجهت بعدها إلى ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) سليمان في بيته، فوجدته خارجاً من المسجد فذهبت معه إلى البيت وقرأنا في تلك الليلة -في أول كتاب الكبائر- أربع كبائر الكبيرة الأولى الشرك بالله والكبيرة الثانية السحر والكبيرة الثالثة قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والكبيرة الرابعة كبيرة ترك الصلاة وانتهينا من القراءة قبل وقت السحور فقلت لصاحبي: أين نحن من هذا الكلام فقال: هذا موجود في كتب أهل العلم ونحن غافلون عنه.. فقلت: والناس أيضاً في غفلة عنه فلابدّ أن نقرأ عليهم هذا الكلام. قال: ومن يقرأ؟ قلت له: أنت. قال: بل أنت واختلفنا من يقرأ وأخيراً استقر الرأي علي أن أقرأنا. فأتينا بدفتر وسجّلنا فيه الكبيرة الرابعة كبيرة ترك الصلاة. وفي الأسبوع نفسه، وفي ويوم الجمعة وقفت في مسجد الخشع الأعلى الذي بجوار مركز الدعوة بأبها -ولم يكن في أبها غير هذا الجامع إلا الجامع الكبير- فوقفت فيه بعد صلاة الجمعة وقرأت على الناس هذه الموعظة المؤثرة التي كانت سبباً -ولله الحمد- في هدايتي واستقامتي وأسأل الله أن يثبتنا وإياكم على دينه إنه سميع مجيب. (4) توبة الممثلة شمس البارودي في حوار أجرته إحدى الصحف مع شمس البارودي الممثلة المعروفة التي اعتزلت التمثيل وردّاً على سؤال عن سبب هدايتها قالت: البداية كانت في نشأتي.. والنشأة لها دور مهم. والدي -بفضل الله- رجل متدين، التدين البسيط العادي.. وكذلك كانت والدتي -رحمهما الله- كنت أصلي ولكن ليس بانتظام.. كانت بعض الفروض تفوتني ولم أكن أشعر بفداحة ترك فرض من فروض الصلاة.. وللأسف كانت مادة الدين في المدارس ليست أساسية وبالطبع لم يكن يرسب فيها أحد ولم يكن الدين علماً مثل باقي العلوم الأخرى الدنيوية.. وعندما حصلت على الثانوية العامة كانت رغبتي إما في دخول كلية الحقوق أو دراسة الفنون الجميلة، ولكن المجموع لم يؤهلني لأيهما.. فدخلت معهد الفنون المسرحية، ولم أكمل الدراسة فيه حيث مارست مهنة التمثيل.. وأشعر الآن كأنني دفعت إليها دفعاً.. فلم تكن في يوم من الأيام حلم حياتي ولكن بريق الفن والفنانين والسينما والتليفزيون كان يغري أي فتاة في مثلي سني -كان عمري آنذاك 16-17 سنة- خاصة مع قلة الثقافة الدينية الجيدة. وأثناء عملي بالتمثيل كنت أشعر بشيء في داخلي يرفض العمل حتى أنني كنت أظل عامين أو ثلاثة دون عمل حتى يقول البعض: إنني اعتزلت.. والحمد لله كانت أسرتي ميسورة الحال من الناحية المادية فلم أكن أعمل لحاجة مادية.. وكنت أنفق العائد من عملي على ملابسي ومكياجي وما إلى ذلك.. استمر الوضع حتى شعرت أني لا أجد نفسي في هذا العمل.. وشعرتُ أن جمالي هو الشيء الذي يُستغل في عملي بالتمثيل.. وعندها بدأت أرفض الأدوار التي تُعرض عليً، والتي كانت تركز دائماً على جمالي الذي وهبني الله إياه وعند ذلك قلّ عملي جداً.. كان عملي بالتمثيل أشبه بالغيبوبة.. كنت أشعر أن هناك انفصاماً بين شخصيتي الحقيقية والوضع الذي أنا فيه.. وكنت أجلس أفكر في أعمالي السينمائية التي يراها الجمهور.. ولم أكن أشعر أنها تعبّر عني، وأنها أمر مصطنع، كنت أحسّ أنني أخرج من جلدي. وبدأت أمثل مع زوجي الأستاذ حسن يوسف في أدوار أقرب لنفسي فحدثت لي نقلة طفيفة من أن يكون المضمون لشكلي فقط بل هناك جانب آخر. أثناء ذلك بدأت أواظب على أداء الصلوات بحيث لو تركت فرضاً من الفروض استغفر الله كثيراً بعد أن أصلّيه قضاءً.. وكان ذلك يحزنني كثيراً.. كل ذلك ولم أكن ألتزم بالزي الإسلامي. وقبل أن أتزوج كنتُ أشتري ملابس من أحدث بيوت الأزياء في مصر وبعد أن تزوجت كان زوجي يصحبني للسفر خارج مصر لشراء الملابس الصيفية والشتوية!!.. أتذكر هذا الآن بشيء من الحزن، لأن مثل هذه الأمور التافهة كانت تشغلني. ثم بدأت أشتري ملابس أكثر حشمةً، وإن أعجبني ثوب بكمّ قصير كنت أشتري معه (جاكيت) لستر الجزء الظاهر من الجسم.. كانت هذه رغبة داخلية عندي. وبدأت أشعر برغبة في ارتداء الحجاب ولكن بعض المحيطين بي كانوا يقولون لي: إنكِ الآن أفضل!!!. بدأت أقرأ في المصحف الشريف أكثر.. وحتى تلك الفترة لم أكن قد ختمت القرآن الكريم قراءة، كنت أختمه مع مجموعة من صديقات الدراسة.. ومن فضل الله أنني لم تكن لي صداقات في الوسط الفنـي، بل كانت صداقاتي هي صداقات الطفولة، كنت أجتمع وصديقاتي -حتى بعد أن تزوجت- في شهر رمضان الكريم في بيت واحدة منا نقرأ الكريم ونختمه وللأسف لم تكن منهن من تلتزم بالزي الشرعي. في تلك الفترة كنت أعمل دائماً مع زوجي سواء كان يمثل معي أو يُخرج لي الأدوار التي كنت أمثلها.. وأنا أحكي هذا الآن ليس باعتباره شيئاً جميلاً في نفسي ولكن أتحدث عن فترة زمنية عندما أتذكرها أتمنى لو تمحى من حياتي ولو عدت إلى الوراء لما تمنيت أبداً أن أكون من الوسط الفني!! كنت أتمنى أن أكون مسلمة ملتزمة لأن ذلك هو الحق والله –تعالى- يقول: (وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليَعبدون). كنت عندما أذهب إلى المصيف أتأخر في نزول البحر إلى ما بعد الغروب ومغادرة الجميع للمكان إلا من زوجي، وأنا أقول هذا لأن هناك من تظن أن بينها وبين الالتزام هُوَّةٌ واسعة ولكن الأمر -بفضل الله- سهل وميسور فالله يقول في الحديث القدسي: (ومن تقرب إلىّ شبراً تقربت إليه ذراعاً ومن تقرب إلى ذراعاً تقربتُ إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولةً). وكانت قراءاتي في تلك الفترة لبرجسون وسارتر وفرويد وغيرهم من الفلسفات التي لا تقدم ولا تؤخر وكنت أدخل في مناقشات جدلية فلسفية وكانت عندي مكتبة ولكني أحجمت عن هذه القراءات دون سبب ظاهر. كانت عند رغبة قوية في أداء العمرة وكنت أقول في نفسي: إنني لا أستطيع أن أؤدي العمرة إلا إذا ارتديت الحجاب لأنه غير معقول أن أذهب لبيت الله دون أن أكون ملتزمة بالزي الإسلامي.. لكن هناك من قلنَ لي: لا.. أبداً.. هذا ليس شرطاً.. كان ذلك جهلاً منهن بتعاليم الإسلام لأنهن لم يتغير فيهن شيء بعد أدائهن للعمرة. وذهب زوجي لأداء العمرة ولم أذهب معه لخوفي أن تتأخر ابنتي عن الدراسة في فترة غيابي.. ولكنها أصيبت بنزلة شعبية وانتقلت العدوى إلى ابني ثم انتقلت إليّ فصرنا نحن الثلاثة مرضى فنظرت إلى هذا الأمر نظرة فيها تدبر وكأنها عقاب على تأخري عن أداء العمرة. وفي العام التالي ذهبت لأداء العمرة وكان ذلك سنة 1982م في شهر (فبراير) وكنتُ عائدة في (ديسمبر) من باريس وأنا أحمل أحدث الملابس من بيوت الأزياء.. كانت ملابس محتشمة.. ولكنها أحدث موديل.. وعندما ذهبتُ واشتريت ملابس العمرة البيضاء كانت أول مرة ألبس الثياب البيضاء دون أن أضع أي نوع من المساحيق على وجهي ورأيت نفسي أكثر جمالا.. ولأول مرة سافرت دون أن أصاب بالقلق على أولادي لبُعدي عنهم وكانت سفرياتي تصيبني بالفزع والرعب خوفاً عليهم.. وكنت آخذهم معي في الغالب. وذهبتُ لأداء العمرة مع وفد من هيئة قناة السويس.. وعندما وصلتُ إلى الحرم النبوي بدأت أقرأ في المصحف دون أن أفهمَ الآيات فهماً كاملاً لكن كان لدي إصرار على ختم القرآن في المدينة ومكة.. وكانت بعض المرافقات لي يسألنني: هل ستتحجبين؟ وكنت أقول: لا أعرف.. كنت أعلق ذلك الأمر على زوجي.. هل سيوافق أم لا... ولم أكن أعلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وفي الحرم المكي وجدت العديد من الأخوات المسلمات اللائى كُنَّ يرتدين الخمار وكنت أفضل البقاء في الحرم لأقرأ القرآن الكريم وفي إحدى المرات أثناء وجودي في الحرم بين العصر والمغرب التقيتُ بإحدى الأخوات وهي مصرية تعيش في الكويت اسمها (أروى) قرأتْ عليّ أبياتاً من الشعر الذي كتبته هي فبكيت، لأنني استشعرت أنها مسّت شيئاً في قلبي وكنت في تلك الفترة تراودني فكرة الحجاب كثيراً ولكن الذي من حولي كانوا يقولون لي: انتظري حتى تسألي زوجك.. لا تتعجلي… أنت مازلتِ شابة… الخ) ولكن كانت رغبتي دائماً في ارتداء الحجاب قالت الأخت (أروى): فليقــولوا عـن حجابـــي لا وربـي لـن أبـــالــي قـد حماني فيــه دينـــي وحبـــــاني بالجـــلال زينتـي دومــاً حيـائــي واحتشــامي هـو مالـــي ألأنــــي أتـــولــى عـــن متــاعٍ لـــزوالِ لامنـي النـاس كـأنـــي أطلب الســـوء لحــالـي كم لمحـت اللــوم منهـــم في حــديث أو ســــؤال وهي قصيدة طويلة أبكي كلما تذكرتها… استشعرت تتحدث بلسان حالي… وأنها مست شغاف قلبي. وبعد ذلك ذهبت لأداء العمرة لأخت لي من أبي توفيت وكنت أحبها كثير -رحمها الله- وبعد أداء العمرة لم أنم تلك الليلة واستشعرت بضيق في صدري رهيب وكأن جبال الدنيا تجثم فوق أنفاسي… وكأن خطايا البشر كلها تخنقني… كل مباهج الدنيا التي كنت أتمتع بها كأنها أوزار تكبلني… وسألني والدي عن سبب أرقي فقلت له: أريد أن أذهب إلى الحرم الآن… ولم يكن الوقت المعتاد لذهابنا إلى الحرم قد حان ولكن والدي -وكان مجنداً نفسه لراحتي في رحلة العمرة- صحبني إلى الحرم… وعندما وصلنا أديتُ تحية المسجد وهي الطواف وفي أول شوط من الأشواط السبعة يسّر الله لي الوصول إلى الحجر الأسود ولم يحضر على لساني غير دعاء واحد… لي ولزوجي وأولادي وأهلي وكل من أعرف… دعوت بقوة الإيمان… ودموعي تنهمر في صمت ودون انقطاع… طوال الأشواط السبعة لم أدعُ إلا بقوة الإيمان وطوال الأشواط السبعة أصل إلى الحجر الأسود وأقبّله، وعند مقام إبراهيم عليه السلام وقفت لأصلي ركعتين بعد الطواف وقرأت الفاتحة، كأني لم أقرأها طوال حياتي واستشعرت فيها معانٍ اعتبرتها منة من الله، فشعرت بعظمة فاتحة الكتاب… وكنت أبكي وكياني يتزلزل… في الطواف استشرت كأن ملائكة كثيرة حول الكعبة تنظر إلي… استشعرت عظمة الله كما لم أستشعرها طوال حياتي. ثم صليت ركعتين في الحِجر وحدث لي الشيء نفسه كل ذلك كان قبل الفجر… وجاءني والدي لأذهب إلى مكان النساء لصلاة الفجر عندها كنت قد تبدلت وأصبحت إنسانة أخرى تماماً. وسألني بعض النساء: هل ستتحجّبين يا أخت شمس؟ فقلت: بإذن الله… حتى نبرات صوتي قد تغيرت… تبدلت تماماً… هذا كل ما حدث لي… وعدتُّ ومن بعدها لم أخلع حجابي… وأنا الآن في السنة السادسة منذ ارتديته وأدعو الله أن يُحسن خاتمتي وخاتمتنا جميعاً أنا وزوجي وأهلي وأمة المسلمين جمعاء. (5) توبة شاب عاق لأمه ح. ح. م. شابّ ذهبت إلى الخارج… تعلم وحصل على شهادات عالية ثم رجع إلى البلاد… تزوج من فتاة غنية جميلة كانت سبباً في تعاسته لولا عناية الله… يقول ح. ح. م: مات والدي وأنا صغير فأشرفتْ أمي على رعايتي… عَمِلَتْ خادمة في البيوت حتى تستطيع أن تصرف علي، فقد كنت وحيدها… أدخلتني المدرسة وتعلمتُ حتى أنهيت الدراسة الجامعية… كنت بارّاً بها… وجاءت بعثتي إلى الخارج فودّعتني أمي والدموع تملأ عينيها وهي تقول لي: انتبه يا ولدي على نفسك ولا تقطعني من أخبارك… أرسل لي رسائل حتى أطمئن على صحتك. أكملتُ تعليمي بعد مضي زمن طويل ورجعت شخصاً آخر قد أثّرتْ فيه الحضارة الغربية… رأيتُ في الدين تخلفاً ورجعية… وأصبحتُ لا أؤمن إلا بالحياة المادية -والعياذ بالله-. وتحصلتُ على وظيفة عالية وبدأت أبحث عن الزوجة حتى حصلت عليها وكانت والدتي قد اختارت لي فتاة متدينة محافظة ولكني أبيتُ إلا تلك الفتاة الغنية الجميلة لأني كنتُ أحلم بالحياة (الأرستقراطية) (كما يقولون)… وخلال ستة أشهر من زواجي كانتْ زوجي تكيد لأمي حتى كرهتُ والدتي… وفي يوم من الأيام دخلت البيت وإذا بزوجي تبكي فسألتها عن السبب فقالت لي: شوف يا أنا يا أمك في هذا البيت… لا أستطيع أن أصبر عليها أكثر من ذلك. جنّ جنوني وطردتُّ أمي من البيت في لحظة غضب فَخَرجَتْ وهي تبكي وتقول: أسعدك الله يا ولدي. وبعد ذلك بساعات خَرجتُ أبحث عنها ولكن بلا فائدة… رجعتُ إلى البيت واستطاعت زوجتي بمكرها وجهلي أن تنسيني تلك الأم الغالية الفاضلة. انقطعت أخبار أمي عني فترة من الزمن أُصِبْتُ خلالها بمرض خبيث دخلت على إثره المستشفى… وعَلِمتْ أمي بالخبر فجاءت تزورني، وكانت زوجتي عندي وقبل أن تدخل علي طردتْها زوجتي وقالت لها: ابنك ليس هنا… ماذا تريدين منا… اذهبي عنا… رجعت أمي من حيث أتت!. وخرجتُ من المستشفى بعد وقت طويل انتكستْ فيه حالتي النفسية وفقدت الوظيفة والبيت وتراكمت علي الديون وكل ذلك بسبب زوجتي فقد كانت ترهقني بطلباتها الكثيرة… وفي آخر المطاف ردت زوجتي الجميل وقالت: مادمتَ قد فقدت وظيفتك ومالك ولم يعد لك مكان في المجتمع فإني أعلنها لك صريحة: أنا لا أريد… طلقني. كان هذا الخبر بمثابة صاعقة وقعتْ على رأسي… وطلقتها بالفعل… فاستيقظتُ من السُّباتِ الذي كنت فيه. خرجتُ أهيم على وجهي أبحث عن أمي وفي النهاية وجدتها ولكن أين وجدتها؟!! كانت تقبع في أحد الأربطة تأكل من صدقات المحسنين. دخلت عليه… وجدتها وقد أثر عليها البكاء فبدت شاحبة… وما إن رأيتها حتى ألقيتُ بنفسي عند رجليها وبكيتُ بكاءً مرّاً فما كان منها إلا أن شاركتني البكاء. بقينا على هذه الحالة حولي ساعة كاملة… بعدها أخذتُّها إلى البيت وآليت على نفسي أن أكون طائعاً لها وقبل ذلك أكون متبعاً لأوامر الله ومجتنباً لنواهيه. وها أنا الآن أعيش أحلى أيامي وأجملها مع حبيبة العمر: أمي -حفظها الله- وأسأل الله أن يُديم علينا الستّر والعافية. (6) توبة فتاة نصرانية (سناء) فتاة مصرية نصرانية، كتب الله لها الهداية واعتناق الدين الحق بعد رحلة طويل من الشكّ والمعاناة، تروي قصة هدايتها فتقول: (نشأت كأي فتاة نصرانية مصرية على التعصب للدين النصراني، وحرص والديَّ على اصطحابي معهما إلى الكنيسة صباح كل يوم أحد لأقبّل يد القس، وأتلو خلفه التراتيل الكنسية، وأستمع إليه وهو يخاطب الجمع ملقناً إياهم عقيدة التثليث، ومؤكداً عليهم بأغلظ الإيمان أن غير المسيحيين مهما فعلوا من خير فهم مغضوب عليهم من الربّ، لأنهم -حسب زعمه- كفرة ملاحدة. كنت أستمع إلى أقوال القس دون أن أستوعبها، شأني شأن غيري من الأطفال، وحينما أخرج من الكنيسة أهرع إلى صديقتي المسلمة لألعب معها، فالطفولة لا تعرف الحقد الذي يزرعه القسيس في قلوب الناس. كبرت قليلاً، ودخلت المدرسة، وبدأت بتكوين صداقات مع زميلاتي في مدرستي الكائنة بمحافظة السويس… وفي المدرسة بدأت عيناي تتفتحان على الخصال الطيبة التي تتحلّى بها زميلاتي المسلمات، فهن يعاملني معاملة الأخت، ولا ينظرن إلى اختلاف ديني عن دينهن، وقد فهمت فيما بعد أن القرآن الكريم حث على معاملة الكفار -غير المحاربين- معاملة طيب طمعاً في إسلامهم وإنقاذهم من الكفر، قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يُقاتلوكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المُقسطين). إحدى زميلاتي المسلمات ربطتني بها على وجه الخصوص صداقة متينة، فكنت لا أفارقها إلا في حصص التربية الدينية، إذ كنت -كما جرى النظام- أدرس مع طالبات المدرسة النصرانيات مبادئ الدين النصراني على يد معلمة نصرانية. كنت أريد أن أسأل معلمتي كيف يمكن أن يكون المسلمون -حسب افتراضات المسيحيين- غير مؤمنين وهو على مثل هذا الخُلق الكريم وطيب المعشر؟! لكني أم أجرؤ على السؤال خشية إغضاب المعلمة حتى تجرأت يوماً وسألت، فجاء سؤالي مفاجأةً للمعلمة التي حاولت كظم غيظها، وافتعلت ابتسامة صفراء رسمتها على شفيتها وخاطبتني قائلة: (إنك مازلت صغيرة ولم تفهمي الدنيا بعد، فلا تجعلي هذه المظاهر البسيطة تخدعك عن حقيقة المسلمين كما نعرفها نحن الكبار…). صمتُّ على مضض على الرغم من رفضي لإجابتها غير الموضوعية، وغير المنطقية. وتنتقل أسرة أعز صديقاتي إلى القاهرة، ويومها بكينا لألم الفراق، وتبادلنا الهدايا والتذكارات، ولم تجد صديقتي المسلمة هدية تعبر بها عن عمق وقوة صداقتها لي سوى مصحف شريف في علبة قطيفة أنيقة صغيرة، قدمتها لي قائلة: (لقد فكرتُ في هدية غالية لأعطيك إياها ذكرى صداقة وعمر عشنا سوياّ فلم أجد هذا المصحف الشريف الذي يحتوي على كلام الله). تقبّلت هدية صديقتي المسلمة شاكرة فرحة، وحرصت على إخفائها عن أعين أسرتي التي ما كانت لتقبل أن تحمل ابنتهم المصحف الشريف. وبعد أن رَحَلَتْ صديقتي المسلمة، كنت كلما تناهى إليّ صوت المؤذن، منادياً للصلاة، وداعياً المسلمين إلى المساجد، أعمد إلى إخراج هدية صديقتي وأقبلها وأنا أنظر حولي متوجسة أن يُفاجأني أحد أفراد الأسرة، فيحدث لي ما لا تُحمد عُقباه. ومرت الأيام، وتزوجت من (شماس) كنيسة العذراء مريم، ومع متعلقاتي الشخصية، حملت هدية صديقتي المسلمة (المصحف الشريف)، وأخفيته بعيداً عن عني زوجي، الذي عشت معه كأي امرأة شرقية وفيّة ومخلصة وأنجبت منه ثلاثة أطفال. وتوظفت في ديوان عام المحافظة، وهناك التقيتُ بزميلات مسلمات متحجبات، ذكرني بصديقتي الأثيرة، وكنت كلما علا صوت الأذان من المسجد المجاور، يتملكني إحساس خفي يخفق له قلبي، دون أن أدري لذلك سبباً محدداً، إذ كنت لا أزال غير مسلمة، ومتزوجة من شخص ينتمي إلى الكنيسة بوظيفة يقتات منها، ومن مالها يطعم أسرته. وبمرور الوقت، وبمجاورة زميلات وجارات مسلمات على دين وخلق بدأت أفكر في حقيقة الإسلام والمسيحية، وأوازن بين ما أسمعه في الكنيسة عن الإسلام والمسلمين، وبين ما أراه وألمسه بنفسي، وهو ما يتناقض مع أقوال القس والمتعصبين النصارى. بدأت أحاول التعرف على حقيقة الإسلام، وأنتهز فرصة غياب زوجي لأستمع إلي أحاديث المشايخ عبر الإذاعة والتلفاز، علي أجد الجواب الشافي لما يعتمل في صدري من تساؤلات حيري، وجذبتني تلاوة ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) محمد رفعت، و( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) عبد الباسط عبد الصمد للقرآن الكريم، وأحسستُ وأنا أستمع إلى تسجيلاتهم عبر المذياع أن ما يرتلانه لا يمكن أن يكون كلام بشر، بل هو وحي إلهي. وعمدتُ يوماً أثناء وجود زوجي في الكنيسة إلى دولابي، وبيد مرتعشة أخرجتُ كنزي الغالية (المصحف الشريف)، فتحته وأنا مرتبكة، فوقعت عيناي على قوله تعالى: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون). ارتعشت يدي أكثر، وتصبب وجهي عرقاً، وسرتْ في جسمي قشعريرة، وتعجبت لأني سبق أن استمعت إلى القرآن كثيراً في الشارع والتلفاز والإذاعة، وعند صديقاتي المسلمات، لكني لم أشعر بمثل هذه القشعريرة التي شعرت بها وأنا أقرأ من المصحف الشريف مباشرةً بنفسي. هممتً أن أواصل القراءة إلا أن صوت أزيز مفتاح زوجي وهو يفتح باب الشقة حال دون ذلك، فأسرعت وأخفيت والمصحف الشريف في مكانه الأمين، وهرعت لأستقبل زوجي. وفي اليوم التالي لهذه الحادثة ذهبتُ إلى عملي، وفي رأسي ألف سؤال حائر، إذ كانت الآية الكريمة التي قرأتها وضعتْ الحد الفاصل لما كان يؤرقني حول طبيعة عيسى عليه السلام، أهو ابن الله كما يزعم القسيس -تعالى الله عما يقولون- أم أنه نبي كريم كما يقول القرآن؟! فجاءت الآية لتقطع الشك باليقين، معلنة أن عيسى، عليه السلام، من صلب آدم، فهو إذا ليس ابن الله، فالله سبحانه وتعالى: (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحدٌ). تساءلت في نفسي عن الحلّ وقد عرفت الحقيقة الخالدة، حقيقة أن (لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، أيمكن أن أشهر إسلامي؟! وما موقف أهلي مني، بل ما موقف زوجي ومصير أبنائي؟! طافت بي كل هذه التساؤلات وغيرها وأنا جالسة على مكتبي أحاول أن أؤدي عملي لكني لم أستطع، فالتفكير كاد يقتلني، واتخاذ الخطوة الأولى أرى أنها ستعرضني لأخطار جمة أقلّها قتلي بواسطة الأهل أو الزوج والكنيسة. ولأسابيع ظللتُ مع نفسي بين دهشة زميلاتي اللاتي لم يصارحني بشيء، إذ تعودنني عاملة نشيطة، لكني من ذلك اليوم لم أعد أستطيع أن أنجز عملاً إلا بشق الأنفس. وجاء اليوم الموعود، اليوم الذي تخلصتُ فيه من كل شك وخرف وانتقلت فيه من ظلام الكفر إلى نور الإيمان فبينما كنتُ جالسة ساهمة الفكر، شاردة الذهن، أفكر فيما عقدتُّ العزم عليه، تناهى إلى سمعي صوت الأذان من المسجد القريب داعياً المسلمين إلى لقاء ربهم وأداء صلاة الظهر، تغلغل صوت الأذان داخل نفسي، فشعرت بالراحة النفسية التي أبحث عنها، وأحسست بضخامة ذنبي لبقائي على الكفر على الرغم من عظمة نداء الإيمان الذي كان يسري في كل جوانحي، فوقفتُ بلا مقدما لأهتف بصوت عالٍ بين ذهول زميلاتي: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله)، فأقبل عليّ زميلاتي وقد تحيرنَ من ذهولهن، مهنئات باكيات بكاء الفرح، وانخرطتُ أنا أيضا معهن في البكاء، سائلة الله أن يغفر لي ما مضى من حياتي، وأن يرضى عليّ في حياتي الجديدة. كان طبيعياً أن ينتشر خبر إسلامي في ديوان المحافظة، وأن يصل إلى أسماع زملائي وزميلاتي النصارى، اللواتي تكلفن -بين مشاعر سخطهن- بسرعة إيصاله إلى أسرتي وزوجي، وبدأن يرددنَ عني مدّعين أن وراء القرار أسباب لا تخفى. لم آبه لأقوالهن الحاقدة، فالأمر الأكثر أهمية عندي من تلك التخرصات: أن أشهر إسلامي بصورة رسمية، كي يصبح إسلامي علناً، وبالفعل توجهتُ إلى مديرية الأمن حيث أنهيتُ الإجراءات اللازمة لإشهار إسلامي. وعدتُ إلى بيتي لأكتشف أن زوجي ما إن علم بالخبر حتى جاء بأقاربه وأحرق جميع ملابسي، واستولى على ما كان لديّ من مجوهرات ومال وأثاث، فلم يؤلمني ذلك، وإنما تألمت لخطف أطفالي من قَبَل زوجي ليتخذ منهم وسيلة للضغط عليّ للعودة إلى ظلام الكفر... آلمني مصير أولادي، وخفتُ عليهم أن يتربوا بين جدران الكنائس على عقيدة التثليث، ويكون مصيرهم كأبيهم في سقر. رفعتُ ما اعتمل في نفسي بالدعاء إلى الله أن يعيد إلىّ أبنائي لتربيتهم تربية إسلامية، فاستجاب الله دعائي، إذ تطوع عدد من المسلمين بإرشادي للحصول على حكم قضائي بحضانة الأطفال باعتبارهم مسلمين، فذهبت إلى المحكمة ومعي شهادة إشهار إسلامي، فوقفت المحكمة مع الحق، فخيرتْ زوجي بين الدخول في الإسلام أو التفريق بينه وبيني، فقد أصبحتُ بدخولي في الإسلام لا أحلُّ لغير مسلم، فأبى واستكبر أن يدخل في دين الحق، فحكمتِ المحكمة بالتفريق بيني وبينه، وقضتْ بحقي في حضانة أطفالي باعتبارهم مسلمين، لكونهم لم يبلغوا الحُلم، ومن ثم يلتحقون بالمسلم من الوالدين. حسبت أن مشكلاتي قد انتهت عند هذا الحد، لكني فوجئت بمطاردة زوجي وأهلي أيضاً، بالإشاعات والأقاويل بهدف تحطيم معنوياتي ونفسيتي، وقاطعتني الأسر النصرانية إلي كنت أعرفها، وزادت على ذلك بأن سعت هذه الأسر إلى بث الإشاعات حولي بهدف تلويث سمعتي، وتخويف الأسر المسلمة من مساعدتي لقطع صلتهن بي. وبالرغم من كل المضايقات ظللتُ قوية متماسكة، مستمسكة بإيماني، رافضة كل المحاولات الرامية إلى ردَّتي عن دين الحق، ورفعتُ يديّ بالدعاء إلى مالك الأرض والسماء، أن يمنحني القوة لأصمد في وجه كل ما يشاع حولي، وأن يفرّج كربي. فاستجاب الله دعائي وهو القريب المجيب، وجاءني الفرج من خلال أرملة مسلمة، فقيرة المال، غنية النفس، لها أربع بنات يتامى وابن وحيد بعد وفاة زوجها، تأثرتْ هذه الأرملة المسلمة للظروف النفسية التي أحياها، وتملكها الإعجاب والإكبار لصمودي، فعرضتْ عليّ أن تزوجني بابنها الوحيد (محمد) لأعيش وأطفالي معها ومع بناتها الأربع، وبعد تفكير لم يدم طويلاً وافقتُ، وتزوجتُ محمداً ابن الأرملة المسلمة الطيبة. وأنا الآن أعيش اليوم مع زوجي المسلم (محمد) وأولادي، وأهل الزوج في سعادة ورضا وراحة بال، على الرغم مما نعانيه من شظف العيش، وما نلاقيه من حقد زوجي السابق، ومعاملة أسرتي المسيحية. ولا أزال بالرغم مما فَعَلَته عائلتي معي أدعو الله أن يهديهم إلى دين الحق ويشملهم برحته مثلما هداني وشملني برحمته، وما ذلك عليه -سبحانه وتعالى- بعزيز. (7) توبة حدث يروي أحد المدرسين في دار الملاحظة -وهي دار مخصصة للأحداث الذين يرتكبون الجرائم الأخلاقية أو غيرها من الجرائم- يقول: من أعجب الحالات التي قابلتنا في ميدان العمل الاجتماعي حالة (حَدَث) كان موجوداً لدينا في الدار محكوماً عليه في قضية (أخلاقية). فبعد انتهاء مدته في الدار قمت بإبلاغه بانتهائها وأنه سيُطلَق سراحه في الأسبوع القادم ومطلوب منه إبلاغ أهله في الزيارة لإحضار الكفالة اللازمة… فانخرط الحدث في بكاء شديد ظننت في البداية أنه دموع الفرح لخروجه من الدار ولكن استمرار البكاء وتعبيرات الحزن والقلق على وجهه جعلتني أنتحي به بعيداً عن إخوانه وأسأله عن سبب ذلك… فإذا به يقول: لا لأريد أن أطلع من الدار... أرجو إبقائي هنا…!! ماذا تقول؟ قلتها وأنا في دهشة… قال: أريد أن أبقى في الدار فالدار بالرغم مما بها من قيود لحريتي فهي أفضل من بيت أبي…!! قلت له: لا شك أنك مخطئ… فلا يوجد مكان أفضل من منزل الأسرة… رد قائلا: اسمع قصتي واحكم بنفسك. قلت: هات ما عندك. بدأ الحدث ابن الثالثة عشرة يروي قصته فقال: توفيتْ والدتي منذ حوالي ثمانية أعوام وتركتنْي أنا وشقيقة أصغر مني بعامين وبعد وفاتها بعدة شهور أبلغني أبي أنه سيتزوج… وستكون لي خالة في مقام أمي… لم أستوعب جيداً لصغر سني هذا الكلام… وبعد حوالي أسبوع أقام والدي حفل عرس كبير وجاءت زوجة ابي إلى المنزل. عاملتنا خالتي في بداية الأمر معاملة طيبة ثم بدأت معاملتها تتغير بالتدرج فكانت دائمة الشكوى لوالدي كلما عاد إلى المنزل من عمله… فتقول له: ابنك عمل كذا وابنتك سوّت كذا… ولم يكن أبي الذي يعود مرهقاً من عمله لديه استعداد لسماع المشكلات وحلها كما أن صغر سننا وضعف قدرتنا أنا وشقيقتي على التعبير لم يكن يسمح لنا بالدفاع عن أنفسنا أمام القصص التي تختلقها زوجة أبي وتجيد حبكها وروايتها. في البداية كان أبي ينصحنا وأحياناً يوبخنا… ثم تطور الأمر مع استمرار القصص والشكاوي إلى الضرب والسباب والإهانات وازداد الأمر سوءاً بعد أن رزق أبي بثلاثة أولاد من زوجته… وبمرور الأيام تحولتُ أنا وشقيقتي إلى خدم بالمنزل علينا أن نلبي طلبات خالتي وأبنائها فأنا مسئول عن شراء كل ما يحتاجه البيت من السوق وشقيقتي مسئولة عن التنظيف والعمل بالمطبخ… وكنا ننظر بحسد إلى أبناء أبي الذين يتمتعون بالحب والتدليل وتستجاب رغباتهم وطلباتهم… وكان أبي يشعر أنني أنا وشقيقتي عبء عليه وعلى سعادته، وأننا دائماً نتسبب في تكدير جو البيت بما تقصه عليه خالتي من قصص مختلقة عنا… وكان رد فعل أبي السباب الدائم لنا، ونعتنا بالأبناء العاقين… وأنه لن يرضى عنا إلا إذا رضيتْ عنا زوجته وأبناءه… كما أطبق علينا النعوت السيئة، وكان الجميع بالمنزل ينادوننا بها حتـى كدنا ننسى أسماءنا الحقيقيـة… وكنا محرومين من كل شيء -حتى المناسبات التي تدعى إليها الأسرة- كنا نحرم منها ولا نذهب معهم. ونجلس وحدنا في الدار ننعي سوء حظنا. وهناك حادثة لا أنساها حدثت في الشتاء الماضي فقد أحسستُ بتعب شديد في بطني وطلبتْ مني خالتي أن أخرج لشراء خبز للعشاء… وكانت البرودة شديدة فقلتُ لها إنني مريض ولا أستطيع الخروج الآن فقالت لأبي إنني أتمارض حتى لا أقوم بما هو مطلوب مني… فانهال أبي علي ضرباً وصفعاً وركلاً حتى سقطتُّ من المرض والإعياء واضطروا إلى نقلي إلى المستشفى عندما ساءت حالتي ومكثتُ في المستشفى خمسة أيام وعلى الرغم من الألم والتعب فقد استبشرت خيراً بهذه الحادثة وقلت لعلها توقظ ضمير أبي وتجعله يراجع نفسه إلا أنه للأسف استمر على ما هو عليه… وبدأت بعد ذلك أعرف طريق الهروب من المنزل… والتقطني بعض الشباب الأكبر سناً وأظهروا لي بعض العطف الذي كنت في حاجة شديدة إليه… ومن خلال هذه المشاعر المزيفة استطاعوا خداعي… وانزلقتُ معهم في الانحراف الأخلاقي ولم أكن أدرك بشاعة ذلك لصغر سني وعدم إدراكي… ثم قبض علي في قضية أخلاقية وأدخلت الدار، وعرفتُ فيها مقدار الخطأ الذي وقعت فيه… وأحمد الله على توبتي… فهل أنا على حق في بكائي وحزني وتمسّكي بداركم أم لا؟… وسكتُّ بعد أن أثقل ضميري بالحمل الذي ينوء بحمله الرجال فكيف بطفل لم يبلغ مرحلة الشباب؟ ومن المسئول عن هذه المأساة؟… هل هي زوجة الأب التي لم ترع الله في أبناء زوجها، أو هو ذلك الأب الذي لم ترع الله في أبناء زوجها، أم هو ذلك الأب الذي أنسته زوجته الجديدة عاطفة الأبوة وأبعدته عن العدل وجعلت منه دمية تحركها بخيوط أكاذيبها وألاعيبها. وشرد خيالي بعيداً وأنا أتخيل لو أن هناك سوقاً يختار فيه الأبناء الأباء الجيدين لدفع هذا الحدث كل ما يملكه ثمناً لأب جيد ولكن… كم يساوي رجل مثل أبيه الحقيقي في مثل هذا السوق. (8) توبة عاص قال الراوي: لقد تغير صاحبي… نعم تغير… ضحكاته الوقورة تصافح أذنيك كنسمات الفجر الندية وكان من قبل ضحكات ماجنة مستهترة تصلّ الآذان وتؤذي المشاعر… نظراته الخجولة تنم عن ظهر وصفاء وكانت من قبل جريئة وقحة… كلما تخرج من فمه بحساب وكانت من قبل يبعثرها هنا وهناك… تصيب هذا وتجرح ذاك… لا يعبأ بذلك ولا يهتم… وجهه هادئ القسمات تزينه لحية وقورة وتحيط به هالة من نور وكانت ملامحه من قبل تعبر عن الانطلاق وعدم المبالاة… نظرتُ إليه وأطلت النظر ففهم ما يدور بخلدي فقال: تريد أن تسألني: ماذا غيّرك؟ قلت: نعم هو ذلك… فصورتك التي أذكرها منذ لقيتك آخر مرة من سنوات، تختلف عن صورتك الآن… فتنهد قائلا: سبحان مغيّر الأحوال… قلت: لابدّ أن وراء ذلك قصة؟ قال: نعم… قصة كلما تذكرتها ازدادت إيماناً بالله القادر على كل شيء قصة تفوق الخيال… ولكنها وقعت لي فغيرتْ مجرى حياتي… وسأقصها عليك… ثم التفت إلي قائلا: كنت في سيارتي متجهاً إلى القاهرة… وعند أحد الجسور الموصلة إلى إحدى القرى فوجئت ببقرة تجري ويجري وراءها صبي صغير… وارتكبت… فاختلت عجلة القيادة في يدي ولم أشعر إلا وأنا في أعماق الماء (ماء ترعة الإبراهيمية) ورفعت رأسي إلى أعلى عليّ أجد متنفساً… ولكن الماء كان يغمر السيارة جميعها… مددت يدي لأفتح الباب فلم ينفتح… هنا تأكدت أني هالك لا محالة. وفي لحظات -لعلها ثوان- مرتْ أمام ذهني صور سريعة متلاحقة، هي صور حياتي الحافلة بكل أنواع العبث والمجون… وتمثل لي الماضي شبحاً مخيفاً وأحاطت بي الظلمات كثيفة… وأحسست بأني أهوي إلى أغوار سحيقة مظلمة فانتابني فرع شديد فصرختُ في صوت مكتوم… يا رب… ودرت حول نفسي مادّا ذارعي أطلب النجاة لا من الموت الذي أصبح محقّقّاً… بل من خطاياي التي حاصرتني وضيقت عليّ الخناق. أحسست بقلبي يخفق بشدة فانتفضتُ… وبدأت أزيح من حولي تلك الأشباح المخيفة وأستغفر ربي قبل أن ألقاه وأحسست كأن ما حولي يضغط علي كأنما استحالت المياه إلى جدران من الحديد فقلت إنها النهاية لا محالة… فنطقت بالشهادتين وبدأت أستعد للموت… وحركت يدي فإذا بها تنفذ في فراغ… فراغ يمتد إلى خارج السيارة… وفي الحال تذكرتُ أن زجاج السيارة الأمامي مكسور… شاء الله أن ينكسر في حادث منذ أيام ثلاثة… وقفزت دون تفكير ودفعت بنفسي من خلال هذا الفراغ فإذا الأضواء تغمرني وإذا بي خارج السيارة… ونظرتُ فإذا جمع من الناس يقفون على الشاطئ كانوا يتصايحون بأصوات لم أتبينها… ولما رأوني خارج السيارة نزل اثنان منهم وصعدا بي إلى الشاطئ. وقفتُ على الشاطئ ذاهلاً عما حولي غير مصدق أني نجوت من الموت وأني الآن بين الأحياء… كنت أنظر إلى السيارة وهي غارقة في الماء فأتخيل حياتي الماضية سجينة هذه السيارة الغارقة… أتخيلها تختنق وتموت… وقد ماتت فعلاً… وهي الآن راقدة في نعشها أمامي لقد تخلصت منها وخرجت… خرجت مولوداً جديداً لا يمت إلى الماضي بسبب من الأسباب… وأحسست برغبة شديدة في الجري بعيداً عن هذا المكان الذي دفنت فيه ماضي الدنس ومضيتُ… مضيت إلى البيت إنساناً آخر غير الذي خرج قبل ساعات. دخلت البيت وكان أول ما وقع عليه بصري صور معلقة على الحائط لبعض الممثلات والراقصات وصور النساء عاريات… واندفعت إلى الصور أمزقها… ثم ارتميت على سريري أبكي ولأول مرة أحس بالندم على ما فرطت في جنب الله… فأخذت الدموع تنساب في غزارة من عيني… وأخذ جسمي يهتز… وفيما أنا كذلك إذ بصوت المؤذن يجلجل في الفضاء وكأنني أسمعه لأول مرة… فانتفضت واقفاً وتوضأت… وفي المسجد وبعد أن أديت الصلاة أعلنت توبتي ودعوت الله أن يغفر لي ومنذ ذلك الحين وأنا كما ترى… قلت هنيئاً لك يا أخي وحمداً لله على سلامتك لقد أراد الله بك خيراً والله يتولاك ويرعاك ويثبت على الحق خطاك. (9) الشاب ح م ج يروي هذا الشاب قصته فيقول: كنت أعمل سائقاً للمسافات الطويلة وكان خط سيري ما بين جدة – المدينة وبالعكس… وبالجهد والكفاح استطعت -بفضل الله- أن أشتري سيارة أعمل عليها وكان العمل يشتد في مواسم رمضان والحج وفي عطلة الربيع… وأنا لا أستطيع أن أواصل الليل بالنهار لأني كنت أحلم بالحياة الوردية -كما يقولون- مما أدى بي إلى استعمال الحبوب المنبهة فأصبحت أواصل السهر والسفر من ثلاثة أيام إلى خمسة أيام دون نوم. بقيتُ على هذا الحال ما يقرب من سنتين جمعت خلالهما مبلغًا كبيراً… وذات يوم فكرت في الراحة فصممت على أن تكون هذه الراحة آخر ]رد[ وبعدها أرتاح من هذا العناء… وكانت إرادة الله فوق كل شيء… ركب المسافرون السيارة وخرجنا من مدينة جدة وقطعت مسافة لا بأس بها وإذا بي أفاجأ بسيارة تمر من جواري تسير بسرعة جنونية أحسست بداخلي بأن أمراً ما سوف يحدث… وبالفعل فما هي إلا لحظات حتى رأيت السيارة المذكور وهي تتقلب أماي… ومع تقلبها كنت أرى أشلاء السائق وجثته تتقطع وتتطاير في الهواء. هالني المنظر… فلقد مرّت بي حوادث كثيرة ولكن الذي رأيت كان فوق تصوري… وجُمتُ للحظات… أفقت بعدها على صوت بعض المسافرين وهو يرددون: لا حول ولا قوة إلا بالله… إنا لله وإنا إليه راجعون… قلت في نفسي: كيف لو كنت مكان هذا الشاب… كيف أقابل ربي… بلا صلاة ولا عبادة ولا خوف من الله… أحسستُ برعدة شديدة في جسمي ثم لم أستطع قيادة السيارة إلا بعد ثلاث ساعات… بعدها أوصلت الركاب إلى المدينة وعدتُ إلى جدة… وفي الطريق أديت صلاة المغرب والعشاء وكانتا أول صلاتين أصليهما في حياتي. دخلت إلى منزلي… وقابلتني زوجتي… فرأتْ تغيراً واضحاً وجلياً في هيئتي ظنتْ بأني مريض فصرخت في وجهي: (ألم أقل لك اترك هذه الحبوب… حبوب البلاء إنك لن تدعها حتى يقصف الله عمرك فتذهب إلى النار…) كانت هذه الكلمات بمثابة صفعات وجهتْها لي زوجتي فقلت لها: أعاهد الله أنني لن أستعمل هذا الخبيث… وبشرتها بأني صليت المغرب والعشاء وأني تبت إلى الله وأجهشتُ بالبكاء… بكيتُ بكاءً مرّاً وشديداً. أيقنت زوجتي أني صادق فيما أقول فما كان منها إلا أن انخطرت تبكي قبلي فرحة بتوبتي ورجوعي إلى الحق. في تلك الليلة لم أتناول عشائي… نمت وأنا خائف من الموت وما يليه… فرأيت فيما يرى النائم أن أملك قصوراً وشركات وسيارات وملايين الريالات… وفجأة… وجدت نفسي بين القبور أنتقل من حفرة إلى حفرة أبحث عن ذلك الشاب المقطع فلم أجده… فأحسست بضربة شديدة على رأسي… أفقت بعدها لأجد نفسي على فراشي… تنفست الصعداء وكان الوقت قد جاوز منتصف الليل… قمت وتوضأت وصليت حتى بزغ الفجـر… فخرجت من البيت إلى المسجد ومنذ ذلك اليوم وأنا -ولله الحمد- ملتزم ببيوت الله لا أفارقها وأصبحتُ حريصاً على حضور الندوات والدروس التي تقام في المساجد وأحمد الله أن هداني إلى طريق السعادة الحقيقية والحياة الحقة. (10) توبة شاب مدمن للمخدرات كان شاباً يافعاً… شُجاعاً… يعرفه كل أولاد الحارة بالنخوة… بالشهامة… كان دوماً لا يفارق ذلك المقهى المنزوي والذي تُظلله تلك الشجرة الكبيرة… أولاد الحارة يخافونه… ويستنجدون به في وقت الأزمات… كانت عصاه لا تخطيء… وكانت حجارته كالسهام… كانت أخباره في كل الحارات… كان إذا دخل ذلك المقهى وأخذ (مركازه) الذي اعتاد الجلوس عليه… وشاهده (القهوجي) ترك كل شيء في يده وأحضر (براد الشاهي) (أبو رابعة) الذي تعود أن يتناوله باستمرار وخاصة بعد صلاة المغرب… إنه لا يخافه ولكنه يحترمه… يحترم نخوته… وشهامته. ظل ذلك الشاب طويلاً على هذه الحال… بلا منافس… غير أن هذه الأحوال لم تعجب مجموعة من أشرار الحي… كيف يأخذ هذا الشاب كل هذه الشهرة… كل هذا الحب والاحترام … لابدّ من حل سمعته… فكر كبيرهم ملياً وقال: إنني لا أستطيع مقاومة ذلك الشاب… ولكن لدي سلاح سهل وبسيط… إذا استخدمته… دمرته به… إنها المخدرات… ولكن كيف… قفز واحد من تلك المجموعة الشريرة وصاح: (براد الشاهي)… (براد الشاهي)… إنه يحب أن يتناوله يومياً بعد صلاة المغرب. تسلل واحد منهم بخفية وسرعة إلى ذلك المقهى… ووضع كمية من الحبوب المخدرة في (براد الشاهي) وجلسوا في (المركاز) المقابل يراقبون تصرفاته… لقد وقع في الفخ… وتمر بالصدفة دورية الشرطة… ترى حالته غير طبيعية فتلقى القبض عليه… إنها المخدرات وكم كان اندهاش قائد الدورية… إنه يعرفه تماما… كيف تحول بهذه السرعة إلى الملعونة… الحبوب المخدرة. وأدخل السجن ولكن لا فائدة… لقد أدمن… نعم أدمن… ولم يستطع الإفلات من حبائلها… إنه في كل مرة يخرج من السجن… يعود إلى ذلك المقهى ويقابل تلك المجموعة… استمر على تلك الحال عدة سنوات… وكانت المفاجأة. لقد فكر والداه وأقاربه كثيراً في حاله… في مصيره… في سمعتهم بين الناس… وكان القرار… أن أصلح شيء له هو الزواج ومن إحدى البلاد المجاورة… يحفظه… ينسيه ذلك المقهى وتلك الشلة… وأبلغوه ذلك القرار فكان نبأ سارّاً… أعلن توبته… عاهد والديه… بدأ في الترتيب للخطوبة… لعش الزوجية… اشترى –فعلاً- بعض الأثاث… دخل مرحلة الأحلام… الأماني… زوجة… بيت… أسرة… أبناء… ما أجمل ذلك. وتحدد موعد السفر ليرافق والده للبحث عن زوجة… إنه يوم السبت لكن الله لم يمهله… نام ليلة الخميس وكان كل تفكيره في الحلم الجديد… في الموعد الآتي… حتى ينقضي هذا اليوم… واليوم الذي بعده… إيه أيتها الليلة إنك طويلة… وكان الجواب… إنها ليلتك الأخيرة… فلا عليك وأصبح الصباح… واعتلى الصياح… وكانت النهاية… أن يكون في مثواه الأخير . (11) توبة في مرقص قصة غربية… غريبة جداً… ذكرها ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) علي الطنطاوي في بعض كتبه قال: دخلت أحد مساجد مدينة (حلب) فوجدت شاباً يصلي فقلت -سبحان الله- إن هذا الشاب من أكثر الناس فساداً يشرب الخمر ويفعل الزنا ويأكل الربا وهو عاقّ لوالديه وقد طرداه من البيت فما الذي جاء به إلى المسجد… فاقتربتُ منه وسألته: أنت فلان؟!! قال: نعم… قلت: الحمد لله على هدايتك… أخبرني كيف هداك الله؟؟ قال: هدايتي كانت على يد شيخ وعظنا في مرقص… قلت مستغرباً… في مرقص؟!! قال: نعم… في مَرقص!! قلت: كيف ذلك؟!! قال: هذه هي القصة… فأخذ يرويها فقال: كان في حارتنا مسجد صغير… يؤم الناس في شيخ كبير السن… وذات يوم التَفَتَ ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) إلى المصلين وقال لهم: أين الناس؟!… ما بال أكثر الناس وخاصة الشباب لا يقربون المسجد ولا يعرفونه؟!!… فأجابه المصلون: إنهم في المراقص والملاهي… قال ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ): وما هي المراقص والملاهي؟!!… ردّ عليه أحد المصلين: المرقص صالة كبيرة فيها خشبة مرتفعة تصعد عليها الفتيات عاريات أو شبه عاريات يرقصنَ والناس حولهنَ ينظرون إليهن… فقال ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ): والذين ينظرون إليهن من المسلمين؟ قالوا: نعم… قال: لا حول وقوة إلا بالله… هيا بنا إلى تلك المراقص ننصح الناس… قالوا له: يا شيخ… أين أنت… تعظ الناس وتنصحهم في المرقص؟! قال: نعم… حاولوا أن يثنوه عن عزمه وأخبروه أنهم سَيُواجَهون بالسخرية والاستهزاء وسينالهم الأذى فقال: وهل نحن خير محمد صلى الله عليه وسلم؟! وأمسك ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) بيد أحد المصلين ليدله على المرقص… وعندما وصلوا إليه سألهم صاحب المرقص: ماذا تريدون؟!! قال ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ): نريد أن ننصح من في المرقص… تعجب صاحب المرقص… وأخذ يمعن النظر فيهم ورفض السماح لهم… فأخذوا يساومونه ليأذن لهم حتى دفعوا له مبلغاً من المال يعادل دخله اليومي. وافق صاحب المرقص… وطلب منهم أن يحضروا في الغد عند بدء العرض اليومي.. قال الشاب: فلما كان الغد كنت موجوداً المرقص… بدأ الرقص من إحدى الفتيات… ولما انتهت أسدل الستار ثم فتح… فإذا بشيخ وقور يجلس على كرسي فبدأ بالبسملة وحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بدأ في وعظ الناس الذين أخذتهم الدهشة وتملكهم العجب وظنوا أن ما يرونه هو فقرة فكاهية… فلما عرفوا أنهم أمام شيخ يعظهم أخذوا يسخرون منه ويرفعون أصواتهم بالضحك والاستهزاء وهو لا يبالي بهم… واستمر في نصحه ووعظه حتى قام أحد الحضور وأمرهم بالسكوت والإنصات حتى يسمعوا ما يقوله ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ). قال: فبدأ السكون والهدوء يخيم على أنحاء المرقص حتى أصبحنا لا نسمع إلا صوت ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )، فقال كلاماً ما سمعناه من قبل… تلا علينا آيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية وقصصاً لتوبة بعض الصالحين وكان مما قاله: أيها الناس… إنكم عشتم طويلاً وعصيتم الله كثيراً… فأين ذهبت لذة المعصية. لقد ذهبت اللذة وبقيت الصحائف سوداء ستسألون عنها يوم القيامة وسيأتي يوم يهلك فيه كل شيء إلا الله سبحانه وتعالى… أيها الناس… هل نظرتم إلى أعمالكم إلى أين ستؤدي بكم إنكم لا تتحملون نار الدنيا وهي جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم فكيف بنار جهنم… بادروا بالتوبة قبل فوات الأوان… قال فبكى الناس جميعاً… وخرج ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) من المرقص وخرج الجميع وراءه وكانت توبتهم على يده حتى صاحب المرقص تاب وندم على ما كان منه. (12) توبة رجل في بانكوك (بانكوك) بلد الضياع والفساد… بلد العربدة والفجور بلد المخدرات والهلاك أنه رمز لذلك كله. مئات الشباب… بل والشيوخ يذهبون إلى بانكوك يبحثون عن المتعة الحرام فيعودون وقد خسروا… السعيدة… دينهم ودنياهم… خسروا الراحة والحياة السعيدة… وبعضهم يعود وقد خسر الدنيا والآخرة يعود جنازة قد فارق الحياة ويا لها من خاتمة بئيسة!! وفيما يلي قصة لرجل قد بدأ الشّيبُ يَشتعلُ في رأسه ذهب إلى هناك تاركاً زوجته وأولاده ولكنه استيقظ في النهاية يروي قصته فيقول: لم أخجل من الشيب الذي زحف إلى رأسي… لم أرحم مستقبل ابنتي الكبرى التي تنتظر من يطرق الباب طالباً يدها للزواج… لم أعبأ بالضحكات الطفولية لابنتي الصغرى التي كانت تضفي السعادة والبهجة على البيت… لم أتلفت إلى ولدي ذي الخمسة عشر ربيعاً والذي أرى فيه أيام صباي وطموحات شبابي وأحلام مستقبلي… وفوق كل هذا وذاك لم أهتم بنظرات زوجتي… شريكة الحلو والمرّ وهي تكاد تسألني إلى أين ذلك الرحيل المفاجئ. شيئا واحداً كان في خاطري وأنا أجمع حقيبة الضياع لأرحل… قفز هذا الشيء فجأة ليصبح هو الحلم والأمل… ليصبح هو الخاطر الوحيد… وميزان الاختيارات الأقوى. ما أقسى أن يختار المرء تحت تأثير الرغبة… وما أفظع أن يسلك طريقاً لا هدف له فيه سوء تلبية نداء الشيطان في نفسه وهكذا أنا… كأنه لم تكفني ما تمنحه زوجتي إياي… تلك المرأة الطيبة التي باعت زهرة عمرها لتشتري فقري… وضحت كثيراً لتشبع غروري الكاذب… كانت تمر عليها أيام وهي تقتصر على وجبة واحدة في اليوم لأن مرتبي المتواضع من وظيفتي البسيطة لم يكن يصمد أمام متطلبات الحياة. صبرت المسكينة… وقاست كثيراً حتى وقفت على قدمي… كنت أصعد على أشلاء تضحياتها… نسيتُ أنها امرأة جميلة صغيرة… يتمناها عشرات الميسورين واختارتني لتبني مني رجلاً ذا دنيا واسعة في عالم الأعمال يسانده النجاح في كل خطوة من خطواته. وفي الوقت الذي قررّت فيه أن ترتاح تجني ثمرات كفاحها معي فوجئتْ بي أطير كأن عقلي تضخم من أموالي… وكأني أعيش طيش المراهقة التي لم أعشها في مرحلتها الحقيقية. بدأت يومي الأول في بانكوك… وجه زوجتي يصفع خيالي كلما هممتُ بالسقوط هل هي صيحات داخلية من ضمير يرفض أن ينام… أم هو عجز (الكهولة) الذي شل حركتي. (إنك لا تستطيع شيئاً… أعرض نفسك على الطبيب) عبارة صفعتني بها أول عثرة فنهضت وقد أعمى الشيطان البصيرة ولم يعد همي سوى رد الصفعة… توالت السقطات وتوالى الضياع… كنت أخرج كل يوم لأشتري الهلاك وأبيع الدين والصحة ومستقبل الأولاد وسلامة الأسرة… ظننت أنني الرابح والحقيقة أنني الخاسر الضائع الذي فقد روحه وضميره وعاش بسلوك البهائم يغشى مواطن الزلل. أخذت أتجرع ساعات الهلاك في بانكوك كأنني أتجرّع السم الزعاف… أشرب كأس الموت… كلما زلّت القدم بعثرات الفساد… لم تعد في زمني عظة ولم يسمع عقلي حكمة. عشت غيبوبة السوء يزينها لي مناخ يحمل كل أمراض الخطيئة… مرت سبعة أيام أصبحت خلالها من مشاهير رواد مواطن السوء … يُشار إلي بالبنان… فأنا رجل الأعمال (الوسيم) الذي يدفع أكثر لينال الأجمل! أحياناً كان همي الوحيد منافسة الشباب القادمين إلى بانكوك في الوجاهة… في العربدة… في القوة… أعرفهم جيداً… لا يملكون جزءاً يسيراً مما أملكه لكنهم كانوا يلبسون (أشيك) مما ألسبه لذا كنت اقتنص فوراً الفريسة التي تقع عليها أعينهم… وعندها أشعر أنني انتصرت في معركة حربية وفي النهاية سقطت سقطة حولتني إلى بهيمة… فقدت فيها إنسانيتي ولم أعد أستحق أبوتي… فكانت الصفعة التي أعادت إلى الوعي… قولوا عني ما تشاءون… اصفعوني… ابصقوا في وجهي… ليتكم كنتم معي في تلك الساعة لتفعلوا كل هذا… أي رعب عشته في تلك اللحظات وأي موت تجرعته. أقسم لكم أنني وضعت الحذاء في فمي لأن هذا أقل عقاب أستحقه… رأيت -فجأة- وجه زوجتي يقفز إلى خيالي… كانت تبتسم ابتسامة حزينة… وتهز رأسها أسفاً على ضياعي… رأيت وجه ابنتي الكبرى التي بلغت سن الزواج تلومني وهي تقول: ما الذي جعلك تفعل كل هذا فينا وفي نفسك؟! ورأيت -لأول مرة- صحوة ضميري ولكنها صحوة متأخرة… جمعت حقيبة الضياع التي رحلت بها من بلدي… قذفتها بعيداً… وعدت مذبوحاً من الوريد إلى الوريد. ها أنذا أبداً أولى محاولتي للنظر في وجه زوجتي… أدعو الله أن يتوب علي… وأن يلهم قلبها نسيان ما فعلته في حقها وحق أولادنا. ولكن حتى الآن لم أسامح نفسي… ليتكُم تأتون إلىّ وتصفعوني بأحذيتكم أنني أستحق أكثر من ذلك. (13) توبة شاب من ضحايا بانكوك ( ) شاب لم يتجاوز الثالثة والعشرين من عمره ذهب إلى بانكوك بحثاً عن المتعة الحرام فوجدها ولكنه سقط معها إلى الهاوية لولا عناية الله وفضله تداركته في آخر لحظة… عرفه الشباب الخليجي في بانكوك بالحشاش لأن سيجارة الحشيش لم تكن تفارق يده وشفتيه… هنا تخلى عن مهنته كطالب جامعي واضطره (الكيف) إلى أن يحترف مهنة… ويا لها من مهنة له معها صولات وجولات يروي قصته فيقول: أنا واحد من أحد عشر أخاً من الذكور… إلا أنني الوحيد الذي سافر هناك… كان سفري الأول قبل عام تقريباً بعد جلسة مع الزملاء تحدثوا فيها عن المتعة في بانكوك!!! وخلال عام واحد سافرت سبع مرات وصل مجموعها إلى تسعة أشهر!!! بدايتي مع المدرات كانت في الطائرة في أول رحلة إلى بانكوك عندما ناولني أحد الأصدقاء الخمسة الذين كانت معهم كأساً من (البيرة) ولم استسغها فقال لي خذ كأساً أخرى وسيختلف الأمر عليك فأخذتها فكانت هذه بداية الإدمان حيث كان فيها نوع من أنواع المخدر يسمى (الكنشة). ما إن وصلت إلى بلدي حتى بعت سيارتي وعدت إلى بانكوك… وعند وصولي كنت أسأل عن (الكنشة)… فدخنتها بكثرة… ولم أكتف بل أخذت أبحث وأجرب أنواعاً أخرى من المخدرات فجربت (الكبتيجول) فلم تناسبني. كنت أبحث عن لذة أخرى يشبه (الكنشة) أو تفوقها فلم أجد وعدت إلى بلدي!!. وفي منزل أحد أصدقائي الذين سافرت معهم أول مرة عثرت عنده على (الحشيش) فتعاطيته… كان سعره مرتفعاً فاضطررت لضيق ذات اليد أن أخدع أخي وأوهمه أن أحد الأصدقاء يطالبني بمال اقترضته منه فباع أخي سيارته وأعطاني النقود… فاشتريت بها حشيشاً وسافرت إلى بانكوك. وعندما عدتّ إلى بلدي بدأت أبحث عن نوع آخر يكون أقوى من (الحشيش) سافرت إلى بلد عربي في طلب زيت الحشيش ومع زيت الحشيش كنت أتجه إلى الهاوية… لم أعد أستطيع تركه… تورطت فيه… أخذته معي إلى بانكوك ولم تكن سيجارتي المدهونة به تفارق شفتي… عرفني الجميع هناك بالحشاش أصبت به إصابات خطيرة في جسدي أحمد الله أن شفاني منها… فلم أكن أتصور يوماً من الأيام أنني سأشفي من إدمان زيت الحشيش. أصبح المال مشكلتي الوحيدة… من أين أحصل عليه؟ اضطررت إلى السير في طريق النصب والاحتيال حتى إنني أطلقت لحيتي وقصرت ثوبي لأوهم أقاربي بأنني بدأت ألتزم… واقترضت منهم مالاً… وسرقت من خالي وعمي… وأغريت بعض أصدقائي بالسفر إلى بانكوك لأذهب معهم وعلى حسابهم… بل لقد أصبحتُ نصّاباً في بانكوك فكنت أحتال على شباب الخليج الذين قدموا للتو إلى هناك وأستولي على أموالهم… كنت أخدع كبار السن الخليجيين وأستحوذ على نقودهم حتى التايلنديين أنفسهم كنت أتحدث معهم بلغة تايلندية مكسرة وأنصب عليهم!!. لم أكن أغادر بانكوك لأن عملي -أقصد مهنة النصب- كان هناك… وفكرت فعلاً في الاستقرار والزواج من تايلندية للحصول على الجنسية التايلندية حتى أنشئ مشروعاً صغيراً أعيش منه. أصبحت خبيراً في الحشيش أستطيع معرفة الحشيش المغشوش من السليم. ومضت الأيام وفقدت كل ما أملك فلم أجد من يقرضني… عرف جميع إخوتي وأقاربي وأصدقائي أنني نصّاب… ولم أجد من يرشدني إلى مكان فيه مال لأسرقه… ضاقت بي الدنيا وربطت الجبل لأشنق نفسي بعد أن شربت زجاجة عطر لأسكر… ولكن أخي قال لي: أنت غبي… فغضبت لذلك ونزلت لأناقشه فأقنعني أنني لن أستفيد شيئاً من الانتحار. ركبت السيارة وأنا مخمور وفي ذهني آنذاك أمران إما أن تقبض عليّ الشرطة، وإما أن أصل إلى المستشفى لأعالج من حالة الإدمان التي أعاني منها… والحمد لله ذهبت إلى المستشفى وتعالجت وها أنذا الآن أصبحت سليماً معافى تبتُ إلى الله ولن أعود إلى سابق عهدي. (14) توبة شاب بعد سماعه لقراءة ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) (علي جابر) إمام الحرم ودعائه( ) كان متأثراً من قصته… كيف لا وقد أتى على محرمات كثيرة الخمر … الزنا… الرقص… الخ. كل هذه كانت من معشوقاته. ونتركك -عزيزي القارئ- مع مجريات الأحداث التي مر على التائب ع . أ. س وهو يحدثنا فيقول: من كرم الله على عباده أنه يمهلهم ولا يهملهم… وقد سبقت رحمته غضبه وإلا فما الذي يمنعه سبحانه أن ينزل عذابه وعقابه بعباده متى شاء (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) ولعل الله أراد بي خيراً فقد كنت دائم التفكير في سوء الخاتمة وأسأل نفسي سؤالاً: ما الذي يمنعني من الصلاة مثلا؟ فكانت نفسي والشيطان عوناً علي وتنقلت من دولة إلى دولة… اليونان إلى فرنسا إلى هولندا وكندا وأمريكا وغيرها… وفي أمريكا أمضيت ما يقرب من ثلاث سنوات… لا أذكر أني صليت سوى جمعة واحدة في المسجد. وكان داعي الفطرة السليمة والبيئة التي عشت فيها صغيراً يدعوني إلى الله… ولكن الشيطان استحوذ علي فأنساني ذكر الله. أمضيت تلك السنين في أمريكا وأنا بين مدّ وجزر… هناك أصدقاء ملتزمون كانوا يزورونني لحرصهم على هدايتي فكان عندي الميل لهؤلاء وأتمنى أن أكون مثلهم في تعاملهم وسلوكهم وطاعتهم لربهم… وفي المقابل كنت دائم الاستعداد لتلبية دعوة الشيطان… فتجدني كل عطلة أسبوعية أطارد المراقص المشهورة من الديسكو والروك آندورل… لم أكن أتناول الخمر في البداية… وكان الجهاد صعباً في بيئة موبوءة بالفساد والانحلال… وقعت في الفخ… وأخذت أعاقر الخمر… أشرب من جميع الأصناف… ولابدّ أن يقترن الشراب بفعل الفاحشة والزنا والعياذ بالله فبقيتُ على هذه الحال حتى كانت عودتي إلى موطني. تزوجتُ من فتاة طيبة القلب صالحة ومن أسرة محافظة… رجعت بعد الزواج إلى أمريكا مصطحباً زوجتي وعدتُّ إلى ما كنت عليه قبل الزواج دون علم زوجتي وكان لرفقاء السوء دور كبير وللأسف فهم متزوجون قبل… أشاروا علي أن نستأجر شقة لممارسة المحرمات… وكانت البداية أن رفضت نفسي هذا الوضع المشين المزري… اتجهت فوراً إلى زوجتي الحبيبة قلت: لابدّ من العودة إلى السعودية في أقرب فرصة ممكنة… لم أعد أحتمل… وجاء بعض الأصدقاء يثنوني عن عزمي في العودة رفضت جميع المغريات وتفوقت في الدراسة وعدت إلى بلادي… وبقيت على ما كنت عليه فالله لم يأذن لي بعد في الهداية فكنت أفعل المحرمات وسافرت عدة سفرات بقصد السياحة. وبعد سنة تقريباً من هذا الحال قدر الله أن أجد في سيارتي شريطاً للشيخ (علي جابر) وفيه آيات من القرآن الكريم ودعاء القنوت وبدأ ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) يدعو وكان الوقت صباحاً وأنا ذاهب إلى عملي حتى وجدت نفسي أبكي مثل الطفل بكاءً شديداً ولم أستطع قيادة السيارة فوقفت بجانب الطريق أستمع إلى الشريط وأبكي… وكأني أسمع آيات الله لأول مرة. بدأ عقلي يفكر وقلبي ينبض وكل جوارحي تناديني: اقتل الشيطان والهوى… وبدأت حياتي تتغير… وهيئتي تتبدل… وبدأت أسير على طريق الخير وأسأل الله أن يحسن ختامي وختامكم أجمعين. (15) توبة شاب بدعاء أمه له كان يسكن مع أمه العجوز في بيت متواضع وكان يقضي معظم وقته أمام شاشة التلفاز كان مغرماً بمشاهدة الأفلام والمسلسلات يسهر الليالي من أجل ذلك لم يكن يذهب إلى المسجد ليؤدي الصلاة المفروضة مع المسلمين طالما نصحته أمه العجوز بأداء الصلاة فكان يستهزئ بها ويسخر منها ولا يعيرها أي اهتمام. مسكينة تلك الأم إنها لا تملك شيئاً وهي المرأة الكبيرة الضعيفة إنها تتمنى لو أن الهداية تباع فتشتريها لأنها وحيدها بكل ما تملك إنها لا تملك إلا شيئاً واحداً… واحداً فقط إنه الدعاء إنها سهام الليل التي لا تخطئ. فبينما هو يسهر طوال الليل أمام تلك المناظر المزرية كانت هي تقوم في جوف الليل تدعو له بالهداية والصلاح… ولا عجب في ذلك فإنها عاطفة الأمومة التي لا تساوي عاطفة. وفي ليلة من الليالي حيث السكون والهدوء وبينما هي رافعة كفيها تدعو الله وقد سالت الدموع على خديها… دموع الحزن والألم إذا بصوت يقطع ذلك الصمت الرهيب… صوت غريب… فخرجتْ الأم مسرعة باتجاه الصوت وهي تصرخ ولدي حبيبي فلما دخلت عليه فإذا بيده المسحاة وهو يحطم ذلك الجهاز اللعين الذي طالما عكف عليه وانشغل به عن طاعة الله وطاعة أمه وترك من أجله الصلوات المكتوبة ثم انطلق إلى أمه ليقبل رأسها ويضمها إلى صدره وفي تلك اللحظة وقفت الأم مندهشة مما رأت والدموع على خديها ولكنها في هذه المرة ليست دموع الحزن والألم وإنما دموع الفرح والسرور وهكذا استجاب الله لدعائها فكانت الهداية. وصدق الله إذ يقول: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) الآية. (16) توبة شاب من سماع الغناء طفل صغير لم يتجاوز سن البلوغ كان سبباً في هداية أخيه من سماع الغناء المحرم. عرف ذلك الطفل حكم الإسلام في الغناء وتحريمه له فانشغل عنه بقراءة القرآن الكريم وحفظه، ولكن لابدّ من الابتلاء. ففي يوم من الأيام خرج مع أخيه الأكبر في السيارة في طريق طويل وأخوه هذا كان مفتوناً بسماع الغناء فهو لا يرتاح إلا إذا سمعه وفي السيارة قام بفتح المسجل على أغنية من الأغاني التي كان يحبها. فأخذ يهز رأسه طرباً ويردد كلماته مسروراً. لم يتحمل ذلك الطفل الصغير هذه الحال وتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان). فعزم على الإنكار وهو لا يملك هنا إلا أن ينكر بلسانه أو بقلبه فأنكر بلسانه وقال مخاطباً أخاه: لو سمحت أغلق المسجل فإن الغناء حرام وأنا لا أريد أن أسمعه… فضحك أخوه الأكبر ورفض أن يجيبه إلى طلبه… ومضت فترة وأعاد ذلك الطفل الطلب وفي هذه المرة قوبل بالاستهزاء والسخرية فقد اتهمه أخوه بالتزمت والتشدد!!! الخ… وحذره من الوسوسة (!!!) وهدده بأن ينزله في الطريق ويتركه وحده… وهنا سكت الطفل على مضض ولم يعد أمامه إلا أن ينكر بقلبه ولكن… كيف ينكر بقلبه إنه لا يستطيع أن يفارق ذلك المكان فجاء التعبير عن ذلك بعبرة ثم دمعة نزلت على خده الصغير الطاهر كانت أبلغ موعظة لذلك الأخ المعاند من كل كلام يقال… فقد التفت إلى أخيه… -ذلك الطفل الصغير- فرأى الدمعة تسيل على خده فاستيقظ من غفلته وبكى متأثراً بما رأى ثم أخرج الشريط من مسجل السيارة ورمى به بعيداً معلناً بذلك توبته من استماع تلك التُّرهات الباطل..

هداية الكبار بسبب الصغار قصص معبرة

Posted: 11 Oct 2012 10:12 AM PDT


هداية الكبار بسبب الصغار قصص معبرة

هداية الكبار بسبب الصغار قصص معبرة .. حكايات مؤثرة ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) .. ما من طريق لهدايته إلا سلكانه .. ولا باب لدعوته إلا طرقناه .. ومع ذلك إيغال في الإنحراف .. وتمادٍ في الفساد .. وفجأة وبلا مقدمات .. كلمات صادقة .. وعبرات بريئة .. من طفل صغير .. من الروح للروح .. تعمل عملها السحري في تلك الشخصية المظلمة .. فإذا بها تتحول لشخصية إيمانية تشع نوراً وبهاء .. عشرات القصص المعبرة .. والمواقف المفيدة .. أتحفنا بها القراء .. ليس الغرض من سياقها مجرد التسلية والاستمتاع بما فيها من غرائب وعجائب .. كلا .. إنما المقصود الاعتبار بها والاتعاظ منها والانتفاع بما فيها من دروس وفوائد .. وإن على المسلم ألا يحقر من المعروف شيئاً .. فلعل كلمة صادقة لا تلقي لها بالاً .. تكون سبباً في هداية إنسان ونقله من طريق الشر لطريق الخير .. وكما قال سبحانه " لقد كان في قصصهم عبرة " . فهلموا بنا لنعتبر ونتعظ بهذه المواقف الإيمانية لنترجمها سلوكاً وعملاً وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر .. والسعيد من وعظ بغيره .. والشقي من وعظ بنفسه .. الأب الحقيقي دخل الأب منزله كعادته في ساعة متقدمة من الليل وإذ به يسمع بكاءً صادراً من غرفة ولده ، دخل عليه فزعاً متسائلاً عن سبب بكائه ، فرد الابن بصعوبة : لقد مات جارنا فلان ( جد صديقي أحمد ) ، فقال الأب متعجباً : ماذا ! مات فلان ! فليمت عجوز عاش دهراً وهو ليس في سنك .. وتبكي عليه يا لك من ولد أحمق لقد أفزعتني .. ظننت أن كارثة قد حلت بالبيت ، كل هذا البكاء لأجل ذاك العجوز ، ربما لو أني متُ لما بكيت عليَّ هكذا ! نظر الابن إلى أبيه بعيون دامعة كسيرة قائلاً : نعم لن أبكيك مثله ! هو من أخذ بيدي إلى الجمع والجماعة في صلاة الفجر ، هو من حذرني من رفاق السوء ودلني على رفقاء الصلاح والتقوى ، هو من شجعني على حفظ القرآن وترديد الأذكار . أنت ماذا فعلت لي ؟ كنت لي أباً بالاسم ، كنت أباً لجسدي ، أما هو فقد كان أباً لروحي ، اليوم أبكيه وسأظل أبكيه لأنه هو الأب الحقيقي ، ونشج بالبكاء .. عندئذ تنبه الأب من غلته وتأثر بكلامه واقشعر جلده وكادت دموعه أن تسقط .. فاحتضن ابنه ومنذ ذلك اليوم لم يترك أي صلاة في المسجد . بلغوا عني ولو آية شاب نشأ على المعاصي .. تزوج امرأة صالحة فأنجبت له مجموعة من الأولاد من بينهم ولد أصم أبكم .. فحرصت أمه على تنشئته نشأة صالحة فعلمته الصلاة والتعلق بالمساجد منذ نعومة أظفاره .. وعند بلوغه السابعة من عمره صار يشاهد ما عليه والده من انحراف ومنكر فكرر النصيحة بالإشارة لوالده للإقلاع عن المنكرات والحرص على الصلوات ولكن دون جدوى .. وفي يوم من الأيام جاء الولد وصوته مخنوق ودموعه تسيل ووضع المصحف أمام والده وفتحه على سورة مريم ووضع أصبعه على قوله تعالى " يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً " ، وأجهش بالبكاء . فتأثر الأب لهذا المشهد وبكى معه .. وشاء الله سبحانه أن تتفتح مغاليق قلب الأب على يد هذا الابن الصالح .. فمسح الدموع من عيني ولده ، وقبّله وقام معه إلى المسجد . وهذه ثمرة صلاح الزوجة فاظفر بذات الدين تربت يداك .. الإيمان قول وعمل حدثتني عن نفسها قائلة : كنت متهاونة في أداء الصلاة رغم حرصي الشديد على أبنائي بالمحافظة عليها .. تنبهت لذلك إحدى بناتي الملتزمات والمحافظات على أداء الصلوات في أوقاتها .. وراقبتني دون علم مني فحدث بيني وبينها هذا الحوار الذي كانت سبباً بعد الله في هدايتي . قالت : أمي ما جزاء من ترك الصلاة . قلت : كافر ومصيره إلى النار. قالت : ولماذا يترك الإنسان العاقل الصلاة قلت : ربما لأنه يعتقد أنه لا يوجد بعث ولا حساب وأنه سينتهي بمجرد الموت قالت : وهل هذا الاعتقاد صحيح ؟ قلت : كلا ! بل هو باطل .. والصحيح أن هناك بعث ونشور وحساب وجزاء .. وجنة ونار !! قالت : يا أماه .. وما فائدة هذا الاعتقاد إذا لم يظهر أثره في سلوك الإنسان وتصرفاته .. وفي أدائه للصلاة ومحافظته عليها في أوقاتها ألم يقل سبحانه " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً " ؟!! فتأملت كلامها فوجدته هو الحق وأثر ذلك عليَّ فأصبحت ولله الحمد بعد هذا الحوار من المحافظات على الصلاة والسنن الرواتب وأدعو الله أن يثبتني على ذلك . وفي خلقه شؤون عصام الكهالي – إب : كنا نعيش في قرية نائية قاسية الطبع والطباع .. والمصلون فيها لا يتجاوزون بضعة أشخاص وهم من طبقة المسنين الذين تقوّست ظهورهم عبر الأيام لكن الغريب أن بين هؤلاء المصلين طفل صغير لم يتجاوز التاسعة من عمره .. إنه أخي الصغير الذي كانت تستعر في صدره جذوة الإيمان وكان لا يهدأ له بال إلاّ إذا صلى الفجر في جماعة رغم بعد منزلنا عن المسجد ووحشة الطريق بالنسبة لطفل صغير في سنه . ذات يوم وبينما هو ذاهب إلى صلاة الصبح اعترضته مجموعة من الكلاب وانطلقت وراءه بسرعة كبيرة فأطلق لقدميه العنان وراح يسابق الريح حتى لاذ إلى جوار أحد المنازل وهو يصيح ، فخرج صاحب المنزل الذي احتمى به هذا الصغير وقام بإبعاد هذه الكلاب عنه وذهب معه وهو آخذ بيديه إلى المسجد وصليّا الصبح معاً .. ومن كان يدري أن هذه هي البداية لهداية هذا الرجل الذي كان لا يصلي . اصدق يصدقك أبو عبد الرحمن – اليمن : جلست مع بعض الأخوة في أحد المجالس فدخل علينا غلام صغير لم يجاوز السابعة وأبوه وقتها كان مغترباً في الخارج فسلّم علينا وبدأ يصافحنا واحداً واحداً ووصل إلى أحد الجالسين فتجاوزه ولم يصافحه وأكمل مصافحة الآخرين وحين سُئل عن ذلك أجاب – لا فضَّ الله فاه - : " هو يستاهل أكثر .. هو لا يصلي " . وأخذنا ننظر إليه في ذهول ونختلس النظر إلى الشخص المقصود الذي أطرق في إحراج واحمر وجهه خجلاً ، وشاء الله أن تقع كلمات الصبي منه موقعاً ومنا كذلك ، فعلمت فيما بعد أنه ترك ما كان يعتقده من الباطل وواظب على الصلاة وتعلمنا من الموقف أن نقول الحق ما استطعنا إلى قوله سبيلا وأن الساكت عنه شيطان أخرس والحمد الله على نعمة الهداية والإسلام . إضراب عن الطعام حامد محمد حفيظ – تعز : كان أبي لا يصلي ، وكان يحبني كثيراً ، وقد كنت أنصحه دائماً بأن يصلي ويتقي الله مُذكراً إياه بالنار والعذاب المحيط بأهلها الجاحدين ، ولما أيقنت أن لا فائدة ترجى من نصحي له لجأتُ إلى خطة لا تدور على خاطر أحد : أبي يحبني كثيراً فاستغليتُ حبهُ لي فأضربت عن الطعام تماماً ، وعندما تأكد أبي أنني لن آكل سألني عن سبب امتناعي عن الأكل ، فأخبرته أني لن آكل حتى يصلي فقام وصلى الظهر وأنا بدوري أكلت طعامي . أما أبي فظن أنه شيء من الحماس استبدَّ بي وأني لن أكرر امتناعي عن الأكل ، فامتنع عن الصلاة وأنا ما لبثت إلا أن أضربت عن الطعام ست ساعات وجاء أبي وبيده الطعام ليطعمني فقلت له : إني حلفت أن لا آكل حتى أراه يصلي يومياً ، فوضع أبي الطعام على مقربة مني ومضى بسبيله ، فنمت جنب الطعام حتى أذان الفجر فصليت وعدت للنوم ، والطعام ما زال جاري لم أمسه ، وأتى أبي والطعام ما زال على الحال الذي تركه فتأثر بهذا الموقف أيما تأثر وأعجبته جداً عزيمة طفله الصغير ، واستيقظتُ من نومي فألفيته يبكي والدموع في عينيه ووعدني وعداً صادقاً أن يصلي ويتقي الله ومنذ ذلك اليوم لا يترك صلاته أبداً . والمهم ذكره أنه إذا سُئل من أحد أصدقائه عن سبب هدايته المفاجئة يجيب قائلاً : إنه الإضراب عن الطعام . من المخالف علي أحمد حندج – صنعاء : أخبرني صديقي أنه ذهب إلى العاصمة صنعاء برفقة طفله الصغير وفي أثناء تجولهم بسيارتهم الخاصة في شوارع العاصمة توقف في أحد جانبي الشارع ونزل الأب ليقضي بعض حاجاته من السوق فيما بقي الطفل في السيارة .. وفجأة جاء شرطي المرور ليخبر الطفل بأن والده قد ارتكب مخالفة مرورية نتيجة توقفه في هذا المكان غير المخصص للوقوف . فسأل الطفل رجل المرور قائلاً : هل صليت الفجر في جماعة ؟! فخجل الشرطي من هذا السؤال العجيب .. وأجاب بتلعثم واستحياء : لا ، أنا لم أصل الفجر في جماعة . عندها قال له الطفل : إذن أنت الذي ارتكبت المخالفة ، وليس أبي . فندم الشرطي وأعلن التوبة في حينها ، فكان هذا الطفل الصغير سبباً في هدايته واستقامته . في ذمة الله وفاء الحميري – مكة المكرمة : حدثتني أختي أن أحد المعلمين كان يشرح المادة لطلابه الصغار ، وكان مستدبراً لهم ووجهه للسبورة .. فرماه أحد الطلبة المشاغبين بالطبشور فأصابت المعلم في رأسه .. صرخ المعلم قائلاً : من فعل ذلك ؟ من الذي رمى بالطبشور ؟! ولكن لم يجبه أحد وظل المعلم يسأل ويتوعد ويتهددهم بالعقاب ، فأشار الطالب الفاعل على زميله الذي يجلس أمامه ( وهو لا يراه ) ، فأمره الأستاذ بالنهوض ، وقال له : لماذا رميت الطبشورة ؟ والطالب المسكين يقول له : لم أفعل يا أستاذ .. فأخذه وذهب إلى المدير .. فقال اله المدير : هيا اعترف .. لماذا فعلت ذلك مع الأستاذ ؟! والطالب المسكين يُنكر ويحلف أنه لم يرم الطبشور .. وهنا أمره المدير أن يفتح يده ليضربه .. فأبى الطالب وقال له : لا تقدر أن تضربني .. فصعق المدير والمعلم .. كيف يقول ذلك ؟!! بل أستطيع .. فبكى الطالب ، وقال : لا .. لا تستطيع ضربي .. أولاً لأنني مظلوم ، وثانياً لأنني اليوم صليت الفجر في المسجد ، والرسول صلى الله عليه وسلم قال " من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله " .. فبكى المعلم والمدير وهداهما الله ، فأصبحا يحافظان على الصلاة مع الجماعة وخصوصاً صلاة الفجر . آمين ابتسام الياس-عرعر : كان شديد الحرص على إجابة النداء وإدراك الصف الأول .. بل والصلاة خلف الإمام مباشرة وبين كبار السن .. لاحظ الإمام أن هذا الطفل يطيل فترة التأمين خلفه في الصلاة الجهرية " كلمة آمين " وبصوت جهوري ومميز لدرجة أن من كان خارج المسجد يسمع تأمين الطفل ويميزه عن غيره .. أراد الإمام أن ينصحه كي يخفض من صوته فكانت المفاجأة عندما قال له الطفل : إنني أعلم بخطأي في ذلك ولكن أبي لا يصلي ولا يستمع لنصحي .. فأردت أن أرفع صوتي بالتأمين عله يسمعني ويتذكرني فيرق قلبه ويرجع إلى الله .. فأكبر الإمام همة هذا الطفل الصغير وحرصه على هداية والده فأخذ بعض من كان في المسجد وزاروا أباه .. وحكوا له الحكاية فتاثر الأب وتاب إلى الله ليصبح من رواد المساجد . ضمير طفلة محمد صالح عواض – صنعاء : كان لي جار تاجر ، ومن ضمن تجارته بيع المياه المعبأة المنتجة محلياً والمعقمة من المصنع المتخصص ، فكان يقوم بتعبئة مياه غير معقمة ويبيعها للناس ويضع لاصقاً معتمداً من المصنع ، وكانت ابنته الصغيرة تلاحظ غشه للناس دون أن تجرؤ على نصيحة أبيها لخوفها منه ، وذات يوم وبينما هو يقوم بإشعال الغاز لغلي الماء ، كان الغاز قد انتشر في المكان فاشتعلت أرضية المكان واشتعلت معها رجلا التاجر وكان في رجله مرض جلدي عضال تعذر علاجه ، لكنهما شفيتا بعد احتراقهما مباشرة ، فأقبلت البنت على أبيها وقالت له : انظر يا أبي ما أعظم رحمة الله بك ، تعصيه ويجعل من خطأك طريقاً لشفاء مرضك ، ولو حاسبك بعملك لأحرقك بنار الدنيا قبل نار الآخرة ، فاندهش الأب من ملاحظة ونصيحة ابنته ، بينما لم يفطن هو لهذه النعمة الكبيرة ، فتاب وحمد الله على نعمة البنت الصالحة والعافية التي أنعم الله بها عليه بعد طول عناء . وهديناه النجدين أبو بشار – صنعاء : سافرت أنا وصديقي ( م . م ) إلى صنعاء وذات ليلة اتفقنا على أن نذهب إلى السينما ولم نكن نعرف طريقها .. ولأننا نعلم أن الذهاب إلى السينما فعل مشين كنا نتجنب سؤال الكبار عن مكانها ونبحث عن الصغار .. وبينما نحن كذلك إذ ظهر لنا طفل صغير لا يتجاوز التاسعة وكأن الوقت بين صلاتي المغرب والعشاء فسألناه عن طريق السينما فنظر إلينا متأملاً ثم قال : " هذه الطريق توصلكما إلى السينما وهذه الطريق توصلكما إلى المسجد " وأشار بيده إلى الطريقين !! فدهشنا من إجابته وحكمته عندما نبهنا إلى أن الطريق الذي نبغيه هو طريق الشر وأوضح لنا طريق الخير .. فاستيقظنا من غفلتنا وسلكنا طريق المسجد وخطونا خطوات العودة إلى الله .. فلله دره من غلام وجزاه الله عنا خيراً . من بركات القرآن أ. م. ش- جدة : كنت قبل أكثر من عشر سنوات مغرمة جداً بالمجلات الهابطة فوق ما أعانيه من بعد عن الله واستمر الحال على ذلك سنوات حتى يسر الله لأخي دخول حلقة تحفيظ القرآن الكريم فأحضر لي يوماً كتاباً يحمل عنوان " العائدون إلى الله " فقرأته وتأثرت به وغيرت حباتي فوراً فقمت بتمزيق المجلات الأثيرة لدي .. وتبدلت حالي تدريجياً فحافظت على الصلوات وتركت مشاهدة التلفاز والتزمت بالحجاب الشرعي علماً أن عمر أخي حينها كان 13 عاماً بارك الله فيه وهداه إلى طريق الحق . حب الخير للغير أم مهند – صنعاء : كانت إحدى المعلمات ، مربية لإحدى الفصول الابتدائية وهي لا ترتدي الحجاب على وجهها " وغير مقتنعة بذلك كثيراً " قامت يوماً ما بكتابة شعار الأسبوع حديث " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " وبدأت بشرحه وحثت الطالبات على تطبيق ذلك عملياً ، رجعت الطالبة ( آلاء ) إلى أمها بسرعة لتخبرها أنها بحاجة إلى حجاب كبير ، ظنت الأم أنها تريد استخدامه في مسرح المدرسة ، فاشترته لها ، قامت الطالبة ( آلاء ) بتغليف الحجاب بغلاف وردي كاتبة في ورقة وردية جميلة بداخله : ( أستاذتي الغالية أراك بنور القلب فيكل ساعة وأثني عليك بالجميل والشكر .. إني أحب لك أن ترتدي الحجاب مثلي ويسكننا ربنا الجنة .. ) ليأتي اليوم الثاني والمعلمة مرتدية الحجاب الإسلامي ، قامت إدارة المدرسة بتهنئة المعلمة لارتدائها الحجاب فقالت المعلمة لا تهنئوني ولكن هنئوا الطالبة آلاء . كلمة حق م . ي . س – الدمام : حكت لي صديقتي : منذ سنوات كنت أرتدي ما يحلو لي من الملابس وإن كانت غير شرعية كالبنطال الضيق أو التنورة القصيرة : لقناعتي بأنني في مجلس نساء ، وذات مرة كنت مستضيفة بعض صديقاتي ، وبعدما تجهزت نظر إليّ ابني – وكان في الخامسة من عمره – وصرخ في دهشة : يمه .. يمه إنت لابسة مثل المتبرجة في التلفاز !! فتسمرت لا أدري بماذا أجيبه ، ومنذ ذلك الوقت أعدت النظر فيما أتابعه من القنوات وفيما ألبسه . هبات الصبا لم يعجبها انطلاق ابنها الصغير إلى المسجد لأداء الصلاة فيه جماعة خمس مرات في اليوم ، بل لم تكن راضية عن صلاته كلها ، كانت ترى – ويا لغريب ما ترى – إنه ما زال صغيراً على الصلاة ! وكأن صلاته تأخذ منه ولا تعطيه ، تتعبه ولا تريحه ، تضيع وقته ولا تنظمه ، على الرغم من أن ابنها ذا الأعوام العشرة كان يرد بلطف على أمه شفقتها المزعومة مؤكداً لها أنه يشعر بسعادة غامرة في الصلاة ، وأنها تبعث فيه نشاطاً غير عادي ، وتنظم وقته حتى صار يكتب وظائفه المدرسية جميعها ويراجع دروسه دون أن يحرم نفسه من اللعب ، ولما عجزت الأم عن صرف ابنها عن التزامه بالصلاة ، التزامه الذي رأته ( تعلقاً مبكراً ) بها لجأت إلى أبيه تشكو إليه حال ولدهما الذي ( أخذت الصلاة عقله ) كما عبرت ! حاول الزوج أن يخفف من قلقها قائلاً : لا تحملي همه ، إنها هبة من هبات الصبا سرعان ما يمل ويسأم ويعود إلى ما كان عليه ، ومرت الأيام دون أن يتحقق ما منى أبوه به أمه ، فقد زاد الصغير حباً بصلاته وتمسكاً بها ، وحرصاً على أدائها جماعة في المسجد . وصحت الأم صباح يوم الجمعة ، وثار في نفسها خاطر بأن ابنها لم يعد من صلاة الفجر التي قضيت قبل أكثر من نصف ساعة ، فهرعت إلى غرفته قلقة فزعة ، وما كادت تدخل من بابها المفتوح حتى سمعته يدعو الله بصوت خاشع باك وهو يقول : ( يا رب .. اهد أمي .. اهد أبي .. اجعلهما يصليان .. اجعلهما يطيعانك .. حتى لا يدخلا نار جهنم ) ولم تملك الأم عينيها وهي تسمع دعاء ولدها ، فانسابت الدموع على خديها تغسل قلبها وتشرح صدرها ، عادت إلى غرفتها وأيقظت زوجها ودعته ليسمع ما سمعت ، وجاء أبوه معها ليجد ولده يواصل الدعاء ويقول : ( يا رب وعدتنا بأن تجيب دعاءنا وأنا أرجوك يا رب أن تجيب دعائي وتهدي أبي وأمي .. فأنا أحبهما .. وهما يحباني ) لم تصبر الأم فأسرعت إلى ابنها تضمه إلى صدرها ولحق بها أبوه وهو يقول لولده : " قد أجاب الله دعاءك يا ولدي " ومن وقتها حافظ والداه على الصلاة وأصبحا ملتزمين أوامر ربهما فكان ولدهما سبب هدايتهما . كلانا سواء كان من المدمنين على السجائر " الدخان " .. وذات يوم قام ولده الصغير بأخذ سيجارة وبدأ بالتمثيل وكأنه يشربها مقلداً والده ، فغضب عليه والده ونهره موضحاً بأنها ضرر على صحته فما كان من الولد إلا أن قال معترضاً : وكيف تكون ضرراً على صحتي وليست ضرراً على صحتك ؟! فوجم الوالد ولم يحر جواباً .. فتاب وترك شربه وسبحان الهادي . الدمعة الصادقة في يوم من الأيام خرج الطفل الصغير مع أخيه الأكبر في السيارة في طريق طويل وأخوه هذا كان مفتوناً بسماع الغناء فهو لا يرتاح إلا بسماعه .. وفي السيارة فتح المسجل على أغنية من الأغاني التي كان يحبها .. فأخذ يهز رأسه طرباً ويردد كلماتها مسروراً . لم يحتمل الطفل الصغير هذه الحال .. وعزم على الإنكار فقال مخاطباً أخاه : لو سمحت أغلق المسجل فإن الغناء حرام وأنا لا أريد سماعه .. فضحك أخوه الأكبر ورفض أن يجيبه .. ومضت فترة وأعاد الطفل الطلب وفي هذه المرة قوبل بالاستهزاء والسخرية فقد اتهمه أخوه بالتزمت والتشدد !! .. وحذره من الوسوسة !! وهدده بأن ينزله في الطريق ويتركه وحده .. وهنا سكت الطفل على مضض ولم يعد أمامه إلا أن ينكر بقلبه .. وكيف ينكر بقلبه إنه لا يستطيع مفارقة المكان فجاء التعبير بعبرة ثم دمعة نزلت على خده الصغير الطاهر فكانت أبلغ موعظة لذلك الأخ المعاند من كل كلام يقال .. فقد التفت إلى أخيه الصغير .. فرأى الدمعة تسيل على خده .. فاستيقظ من غفلته وبكى متأثراً بما رأى ثم أخرج الشريط من مسجل السيارة ورمى به بعيداً معلناً بذلك توبته من استماع تلك الترهات الباطلة .. فلا تجلسوا معهم س.ع . الشهري - تنومة : حضرت حفل زواج أحد أقربائي ، والذي أقامه في منزله وكان يوجد في هذا الحفل بعض المنكرات من بينها الغناء .. هناك التقيتُ بصديقتي وفرحنا كثيراً بلقاء بعضنا وجلسنا في مكان المنكر نتحدث غير مبالين به وفجأة جاء ابن أخ صديقتي هذه ، والذي لا يتجاوز عمره ثلاث سنوات وأعطاني كتيباً صغيراً ، وكان يبدو مصراً عليَّ أن آخذه .. أخذته بعفوية .. نظرت إلى عنوان الكتيب بتمعن .. تفاجئت لقد كان عنوانه عن حكم الغناء والمعازف لفضيلة ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) عبد العزيز بن باز رحمه الله .. فتذكرت أن هذا منكر وناولت صديقتي الكتيب وعلى الفور هجرنا مكان المنكر إلى غرفة بعيدة لكي لا نسمع شيئاً ونحن نبكي على تفريطنا .. فأذنوا بحرب من الله نادين عبد فضل - المجحفة : أمسك بيد ابنه عبد الله ذي الثمان سنوات في سرور قائلاً : هيا يا بُني معي إلى عملي ، فرح عبد الله فرحاً عظيماً وخرج معه والسرور يلازمه .. وما إن دخل مع أبيه العمل إلا وذهب ذلك السرور واختفت الابتسامة من شفتيه واغرورقت الدموع في وجنتيه وأبى الجلوس معه فعاد به وهو محتار في السبب .. ومن ذلك اليوم وعبد الله امتنع عن الطعام وعن أخذ الهدايا والعطايا من أبيه ولم يعد يرغب في أن يلبس اللباس الذي اشتراه له أبوه ومرض مرضاً مزمناً وعُولج ولم يشف وطرق والده كل باب إلا باب الله .. وفي ليلة جلس والده حوله في حزن وألم عليه .. وسأله أبوه عمّا به ؟ فانهمرت الدموع من عبد الله وقال بصوت خافت تمازجه العبرات والنظرات البريئة : ( أبتاه ألا تحب الله ، ألا تخاف الله .. لماذا لا تصلي ؟ لماذا ذلك العمل ؟ ألم تعمل أن الله ربي وربك يقول " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون " ، فما كان من الأب إلا أن اعتنق ابنه والدموع منهمرة ويقول : ( بلى أخاف الله وأخشاه .. بلى يا عبد الله .. إني تبت للذي فطرني ولن أعود لهذا العمل ما عشت أبداً ولن أترك بعدها الصلاة بلى يا عبد الله بلى .. ) فسُّر عبد الله وقام من مرضه وكأن لم يكن به شيئ .. ولو تروا حال هذه الأسرة الآن من صلاح وتقى ولله الحمد على نعمة الإيمان لقلتم سبحان الله ... الطاعة في المعروف علي منصر يحيى - اليمن : حدثني صديق لي أنه كان يجلس مع صديق لنا وكان له ولد صغير فقال لولده : إذا أتى جدك يسأل عني فقل له إن أبي ليس موجوداً في البيت فأجابه الولد قائلاً ( وتريدني أن أكذب ألم تعلم أن الكذب حرام ) فسكت صديقنا ساعة ثم احتضنه وقال له : جزاك الله خيراً يا ولدي أطعني فيما هو حسن ولا تطعني فيما هو قبيح . وأصبح بعدها يستحي أن يأمر أحداً من أولاده بشيء مما لا يجوز أو مما ليس من أخلاق المسلم . أمسك عليك هذا جميل الطيار - صنعاء : إحدى الأمهات كانت كثيرة اللعن والشتم وفي إحدى المرات سمعتها ابنتها الصغيرة ذات الأعوام الخمسة فقالت : يا أمي المسلم لا يلعن ولا يسب ، يا أمي هذا كلام أسود من الشيطان لو سمحت اذهبي فاغسلي فمك .. فما كان من الأم بعد دهشتها إلا أن سألتها : من قال لك هذا ؟ فأجابت : المعلمة في المدرسة . فتأثرت الأم من كلام ابنتها وذهبت إلى المدرسة وشكرت المعلمة وأقلعت عن عاداتها السيئة بفضل الله ومن ثم الطفلة الصغيرة . قلبي يتفطر ألما مصطفى الجويد - صنعاء : قال لي : ذات يوم وأنا في عملي بالمدينة بعيداً عن أهلي فكرت أن أتصل بقريتي لكي أسأل عن أحوال أسرتي وأقربائي وأصدقائي الأحبة وكذلك عن أختي الطفلة زينب التي هي آخر أخوتي والتي أحبها الأكثر وذلك لذكائها الفطري الموهوب من الله سبحانه وتعالى وعندما ردت أمي على الهاتف سألتها عن حالها ثم بعد ذلك سألتها عن أخوتي وعن أختي الطفلة الصغيرة زينب أين هي وكيف حالها فردت علي أمي أنها بالغرفة الأخرى مع أختها تصلي وأخبرتني بأن زينب تريد حجاباً إسلامياً فقلت لأمي : ائتني بها ، فجاءت بها فإذا بها تخاطبني السلام عليكم فقلت : وعليكم السلام كيف أنتِ يا زينب ؟ فقالت : بخير وأنت كيف حالك ؟ قلت : الحمد لله بصحة وعافية ، فقالت لي : هل صليت ؟ فقلت : نعم ، وقلت لها : هل صليت يا زينب ؟ قالت : نعم الحمد لله ، فعند سماعي هذه الكلمة من أختي الطفلة زينب أحسست أن قلبي يتفطر ألماً وحزناً وكاد أن ينفجر من كلمة طفلة بريئة وفاضت عيناي بالدموع فإذا بها تقول : يا أخي .. فقلت لها : ماذا تريدين ملكتي الصغيرة ؟ قالت : أريد منك أن تشتري لي حجاباً إسلامياً فزاد قلبي ألماً من كلام هذه الطفلة البريئة . الدين المعاملة أ . ث - جدة : نشأ الكابتن ( أرسيناس ) وتعلَّم في بيئة نصرانية في العاصمة مانيلا ، قدم إلى المملكة العربية السعودية للعمل كمدرب سباحة ، وكان أول اتصال له بالمسلمين ، بدأ يتعرف عليهم ، ويقف على أحوالهم وعاداتهم وتقاليدهم ، وكان من بين الذين يدربهم على السباحة طفل لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره ، يقول عن نفسه : ( كنت أرى في تصرفات هذا المسلم الصغير التزاماً شديداً ؛ فهو هادئ الطبع ، منظم في حياته ، لم يعدني مرة بشيء ويخلف هذا الوعد ، وكان يحرص على أداء الصلوات في أوقاتها ، وكنت أراه يكثر من قراءة القرآن في أوقات الراحة .. لقد كان هذا المسلم الصغير يتمتع بذكاء وقَّاد ، وقوة ملاحظة عجيبة ؛ فبمجرد أن لاحظ أنني أراقب تصرفاته وأرتاح لصحبته أحضر لي عدداً من الكتيبات المترجمة إلى اللغة الإنجليزية والتي تتحدث عن الأديان والمقارنة بينها ، كما أهدى لي نسخة من المصحف المترجم ، وقال لي المسلم الصغير : عندما تقرأ هذه الكتب ، ستعرف السر وراء تصرفاتي المنضبطة .. وكانت هذه أول مرة أقرأ فيها عن الإسلام ، ومع كثرة قراءاتي بدأت أقف على حقائق كانت غائبة عن كثيرين أمثالي ، لقد تأثرت كثيراً بما قرأت ، وخصوصاً عندما قرأت المصحف المترجم ، وكان ما قرأته عن وجود إله واحد خالق يتفق مع ما أفكر فيه وأقتنع به ، لقد انجذبت إلى الإسلام وأسلمت ، وسميت نفسي ( عبد الكريم ) وكان السبب في ذلك سلوك هذا المسلم الصغير الذي يرجع الفضل له – بعد الله عز وجل – في تعريفي بالإسلام . الطفل والمربعات جلست الأم ذات مساء تساعد أبناءها في مراجعة دروسهم .. وأعطت طفلها الصغير البالغ الرابعة من عمره كراسة للرسم حتى لا يشغلها عما تقوم به من شرح ومذاكرة لإخوته الباقين . وتذكرت فجأة أنها لم تحضر طعام العشاء لوالد زوجها ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) المسن الذي يعيش معهم في حجرة خارج المبنى في حوش البيت .. وكانت تقوم بخدمته ما أمكنها ذلك والزوج راض بما تؤديه من خدمة لوالده والذي كان لا يترك غرفته لضعف صحته . أسرعت بالطعام إليه .. وسألته إن كان بحاجة لأي خدمات أخرى ثم انصرفت عنه . عندما عادت إلى ما كانت عليه مع أبنائها .. لاحظت أن الطفل يقوم برسم دوائر ومربعات ، ويضع فيها رموزاً .. فسألته : ما الذي ترسمه ؟ أجابها بكل براءة : إني أرسم بيتي الذي سأعيش فيه عندما أكبر وأتزوج . أسعدها رده .. فقالت وأين ستنام ؟؟ فأخذ الطفل يريها كل مربع ويقول هذه غرفة النوم .. وهذا المطبخ .. وهذه غرفة لاستقبال الضيوف .. وأخذ يعدد كل ما يعرفه من غرف البيت .. وترك مربعاً منعزلاً خارج الإطار الذي رسمه ويضم جميع الغرف .. فعجبت .. وقالت له : ولماذا هذه الغرفة خارج البيت ؟ منعزلة عن باقي الغرف .. ؟ أجاب : إنها لكِ سأضعك فيها تعيشين كما يعيش جدي الكبير .. صعقت الأم لما قاله وليدها !!! هل سأكون وحيدة خارج البيت في الحوش دون أن أتمتع بالحديث مع ابني وأطفاله ، وآنس بكلامهم ومرحهم ولعبهم عندما أعجز عن الحركة ؟؟ ومن سأكلم حينها ؟؟ وهل سأقضي ما بقي من عمري وحيدة بين أربعة جدران دون أن أسمع لباقي أفراد أسرتي صوتاً ؟ أسرعت بمناداة الخدم .. ونقلت بسرعة أثاث الغرفة المخصصة لاستقبال الضيوف والتي عادة ما تكون أجمل الغرف وأكثرها صدارة في الموقع .. وأحضرت سرير والد زوجها .. ونقلت الأثاث المخصص للضيوف إلى غرفته خارجاً في الحوش . وما إن عاد الزوج من الخارج تفاجأ بما رأى .. وعجب له ، فسألها ما الداعي لهذا التغيير ؟ أجابته والدموع تترقرق في عينيها : إني أختار أجمل الغرف التي سنعيش بها أنا وأنت إذا أعطانا الله عمراً وعجزنا عن الحركة وليبق الضيوف في غرفة الحوش . ففهم الزوج ما قصدته وأثنى عليها لما فعلته لوالده الذي كان ينظر إليهم ويبتسم بعين راضية .. فما كان من الطفل إلا .. أن مسح رسمه .. وابتسم .

صور لمسابح قمه في الرووعه,, من تجميعي

Posted: 11 Oct 2012 10:06 AM PDT


صور لمسابح قمه في الرووعه,, من تجميعي

''السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,

شو أخباركم..أعضاء منتدى عالم المرأه..؟:33_1185028183:

وبـعـد..
^

^

حبيت اجيب لكم موضوع أحبه كتير love




..وهو صورلمسابح تضفي طابع جميل وحيوي
على المنازل
سواءً كانت داخل المنزل او بخارجه ..

وهذه الصور من تجميعي,,لشدة حبي للمسابح:hearting:

^

^


لمسابح الرووعه,, تجميعي


لمسابح الرووعه,, تجميعي


لمسابح الرووعه,, تجميعي


لمسابح الرووعه,, تجميعي


لمسابح الرووعه,, تجميعي


لمسابح الرووعه,, تجميعي


لمسابح الرووعه,, تجميعي


لمسابح الرووعه,, تجميعي


لمسابح الرووعه,, تجميعي


لمسابح الرووعه,, تجميعي







لمسابح الرووعه,, تجميعي


لمسابح الرووعه,, تجميعي







بأتمنى الموضوع ينال إعجابكم :eh_s(20):..

مع تحياتي:..[أميـرة الـورد]..:edbf4317b9:

والسلام خير الختام..:eh_s(8):

صور لمسابح قمه في الرووعه,, من تجميعي

Posted: 11 Oct 2012 10:02 AM PDT


صور لمسابح قمه في الرووعه,, من تجميعي

''السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,

شو أخباركم..أعضاء منتدى عالم المرأه..؟:33_1185028183:

وبـعـد..
^

^

حبيت اجيب لكم موضوع أحبه كتير love




..وهو صورلمسابح تضفي طابع جميل وحيوي
على المنازل
سواءً كانت داخل المنزل او بخارجه ..

وهذه الصور من تجميعي,,لشدة حبي للمسابح:hearting:

^

^


لمسابح الرووعه,, تجميعي


لمسابح الرووعه,, تجميعي


لمسابح الرووعه,, تجميعي


لمسابح الرووعه,, تجميعي


لمسابح الرووعه,, تجميعي


لمسابح الرووعه,, تجميعي


لمسابح الرووعه,, تجميعي


لمسابح الرووعه,, تجميعي


لمسابح الرووعه,, تجميعي


لمسابح الرووعه,, تجميعي


لمسابح الرووعه,, تجميعيvb.arabseyes.com/uploaded/148803_1209721126.jpg" border="0" alt="" />

لمسابح الرووعه,, تجميعيvb.arabseyes.com/uploaded/148803_1209721236.jpg" border="0" alt="" />


لمسابح الرووعه,, تجميعيvb.arabseyes.com/uploaded/148803_1209721353.jpg" border="0" alt="" />


لمسابح الرووعه,, تجميعيvb.arabseyes.com/uploaded/148803_1209721434.jpg" border="0" alt="" />


لمسابح الرووعه,, تجميعيvb.arabseyes.com/uploaded/148803_1209721473.jpg" border="0" alt="" />


لمسابح الرووعه,, تجميعيvb.arabseyes.com/uploaded/148803_1209721499.jpg" border="0" alt="" />

لمسابح الرووعه,, تجميعيvb.arabseyes.com/uploaded/148803_1209721542.jpg" border="0" alt="" />

لمسابح الرووعه,, تجميعي


لمسابح الرووعه,, تجميعي







بأتمنى الموضوع ينال إعجابكم :eh_s(20):..

مع تحياتي:..[أميـرة الـورد]..:edbf4317b9:

واليلام خير الختام..:eh_s(8):

في بطن الحوت-الجزء الثاني للشيخ محمد العريفي

Posted: 11 Oct 2012 09:59 AM PDT


في بطن الحوت-الجزء الثاني للشيخ محمد العريفي

السابق .. في المستشفى .. • دخلت على مريض في المستشفى .. فلما أقبلت إليه .. فإذا رجل قد بلغ من العمر أربعين سنة .. من أنضر الناس وجهاً .. وأحسنهم قواماً .. لكن جسده كله مشلولٌ لا يتحرك منه ذرة .. إلا رأسه وبعض رقبته .. دخلت غرفته .. فإذا جرس الهاتف يرن .. فصاح بي وقال : يا شيخ أدرك الهاتف قبل أن ينقطع الاتصال .. فرفعت سماعة الهاتف ثم قربتها إلى أذنه ووضعت مخدة تمسكها .. وانتظرت قليلاً حتى أنهى مكالمته .. ثم قال : يا شيخ .. أرجع السماعة مكانها .. فأرجعتها مكانها .. ثم سألته : منذ متى وأنت على هذا الحال ؟ فقال : منذ عشرين سنة .. وأنا أسير على هذا السرير .. • وحدثني أحد الفضلاء أنه مر بغرفة في المستشفى .. فإذا فيها مريض يصيح بأعلى صوته .. ويئن أنيناً يقطع القلوب .. قال صاحبي : فدخلت عليه .. فإذا هو جسده مشلولٌ كله .. وهو يحاول الالتفات فلا يستطيع .. فسألت الممرض عن سبب صياحه .. فقال : هذا مصاب بشلل تام .. وتلف في الأمعاء .. وبعد كل وجبة غداء أو عشاء .. يصيبه عسر هضم .. فقلت له : لا تطعموه طعاماً ثقيلاً .. جنبوه أكل اللحم .. والرز .. فقال الممرض : أتدري ماذا نطعمه .. والله لا ندخل إلى بطنه إلا الحليب من خلال الأنابيب الموصلة بأنفه .. وكل هذه الآلام .. ليهضم هذا الحليب .. • وحدثني آخر أنه مرّ بغرفة مريض مشلول أيضاً .. لا يتحرك منه شيء أبداً .. قال : فإذا المريض يصيح بالمارين .. فدخلت عليه .. فرأيت أمامه لوح خشب عليه مصحف مفتوح .. وهذا المريض منذ ساعات .. كلما انتهى من قراءة الصفحتين أعادهما .. فإذا فرغ منهما أعادهما .. لأنه لا يستطيع أن يتحرك ليقلب الصفحة .. ولم يجد أحداً يساعده .. فلما وقفت أمامه .. قال لي : لو سمحت .. اقلب الصفحة .. فقلبتها .. فتهلل وجهه .. ثم وجّه نظره إلى المصحف وأخذ يقرأ .. فانفجرت باكياً بين يديه .. متعجباً من حرصه وغفلتنا .. • وحدثني ثالث أنه دخل على رجل مقعد مشلول تماماً في أحد المستشفيات .. لا يتحرك إلا رأسه .. فلما رأى حاله .. رأف به وقال : ماذا تتمنى .. فقال المريض .. أنا عمري قرابة الأربعين .. وعندي خمسة أولاد .. وعلى هذا السرير .. منذ سبع سنين .. لا أتمنى أن أمشي .. ولا أن أرى أولادي .. ولا أن أعيش مثل الناس .. لكنني أتمنى أني أستطيع أن ألصق هذه الجبهة على الأرض ذلة لرب العالمين .. وأسجد كما يسجد الناس .. • وأخبرني أحد الأطباء أنه دخل في غرفة الإنعاش على مريض .. فإذا شيخ كبير .. على سرير أبيض وجهه يتلألأ نوراً .. قال صاحبي : أخذت أقلب ملفه .. فإذا هو قد أجريت له عملية في القلب .. أصابه نزيف خلالها .. مما أدى إلى توقف الدم عن بعض مناطق الدماغ .. فأصيب بغيبوبة تامة .. وإذا الأجهزة موصلة به .. وقد وضع على فمه جهاز للتنفس الصناعي يدفع إلى رئتيه تسعة أنفاس في الدقيقة .. كان بجانبه أحدُ أولاده ..سألته عنه فأخبرني أن أباه مؤذن في أحد المساجد منذ سنين .. أخذت أنظر إليه .. حركت يده .. حركت عينه .. كلمته .. لا يدري عن شيء أبداً.. كانت حالته خطيرة .. اقترب ولده من أذنه وصار يكلمه .. وهو لا يعقل شيئاً .. فبدأ الولد يقول .. يا أبي .. أمي بخير .. وإخواني بخير .. وخالي رجع من السفر .. واستمر الولد يتكلم .. والأمر على ما هو عليه .. ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) لا يتحرك .. والجهاز يدفع تسعة أنفاس في الدقيقة .. وفجأة قال الولد .. والمسجد مشتاق إليك .. ولا أحد يؤذن فيه إلا فلان .. ويخطئ في الأذان .. ومكانك في المسجد فارغ .. فلما ذكر المسجد والأذان .. اضطرب صدر ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) .. وبدأ يتنفس .. فنظرت إلى الجهاز فإذا هو يشير إلى ثمانية عشر نفساً في الدقيقة .. والولد لا يدري .. ثم قال الولد : وابن عمي تزوج .. وأخي تخرج .. فهدأ ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) مرة أخرى .. وعادت الأنفاس تسعة .. يدفعها الجهاز الآلي .. فلما رأيت ذلك أقبلت إليه .. حتى وقفت عند رأسه .. حركت يده .. عينه .. هززته .. لا شيء .. كل شيء ساكن .. لا يتجاوب معي أبداً .. تعجبت .. قربت فمي من أذنه ثم قلت : الله أكبرررر .. حي على الصلاة .. حي على الفلاح .. وأنا أسترق النظر إلى جهاز التنفس .. فإذا به يشير إلى ثمان عشرة نفس في الدقيقة .. فلله درهم من مرضى.. بل والله نحن المرضى.. نعم .. ( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) .. هذا حال أولئك المرضى .. فأنت يا سليماً من الأمراض والأسقام .. يا معافىً من الأدواء والأورام .. يا من تتقلب في النعم .. ولا تخشى النقم .. ماذا فعل الله بك فقابلته بالعصيان .. بأي شيء آذاك .. أليست نعمه عليك تترى .. وأفضاله عليك لا تحصى ؟ أما تخاف .. أن توقف بين يدي الله غداً .. فيقول لك .. يا عبدي ألم أصح لك في بدنك .. وأوسع عليك في رزقك .. وأسلم لك سمعك وبصرك .. فتقول بلى .. فيسألك الجبار : فلم عصيتني بنعمي .. وتعرضت لغضبي ونقمي .. فعندها تنشر في الملأ عيوبك .. وتعرض عليك ذنوبك .. فتباً للذنوب .. ما أشد شؤمها .. وأعظم خطرها .. وهل أخرج أبانا من الجنة إلا ذنب من الذنوب .. وهل أغرق قوم نوح إلا الذنوب .. وهل أهلك عاداً وثمود إلا الذنوب .. وهل قلب على قوم لوط ديارهم .. وعجل لقوم شعيب عذابهم .. وأمطر على أبرهة حجارة من سجيل .. وأنزل بفرعون العذاب الوبيل .. إلا المعاصي والذنوب .. .. الجبال الراسيات .. في أول بعثة النبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو إلى الإسلام في مكة سراً .. وكان المسلمون يختفون بدينهم .. فلما تكامل عددهم ثمانية وثلاثين رجلاً .. ألحَّ أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور .. فقال صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر .. إنا قليل .. فلم يزل أبو بكر يلح عليه حتى خرج صلى الله عليه وسلم .. إلى المسجد .. وخرج المسلمون معه.. وتفرقوا في نواحي المسجد .. كل رجل في عشيرته.. وقام أبو بكر في الناس خطيباً .. فكان أول خطيب دعا إلى الله .. فلما رأى المشركون من يسفه آلهتهم .. ويتنقص دينهم .. ثاروا على أبي بكر وعلى المسلمين .. فجعلوا يضرِبونهم في نواحي المسجد ضرباً شديداً .. وأبو بكر يجهر بالدين .. فأحاط به جمع منهم .. فضربوه .. حتى وقع على الأرض .. وهو كهل قد قارب عمره الخمسين سنة .. ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة .. وجعل يطأ على بطنه وصدره .. ويضربه بنعلين مخصوفين .. ويحرفهما على وجهه .. حتى مزق لحم وجهه .. وجعلت دماؤه تسيل .. حتى ما يعرف وجهه من أنفه .. وأبو بكر مغمى عليه .. فجاءت قبيلته بنو تيم يتعادون .. ودفعوا المشركين عنه .. وحملوه في ثوب .. ولا يشكون في موته .. حتى أدخلوه منزله .. وقعد أبوه وقومه عند رأسه .. يكلمونه فلا يجيب .. حتى إذا كان آخر النهار .. أفاق .. وفتح عينيه .. فكان أول كلمة تكلم بها ان قال : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ؟؟ فغضب أبوه وسبه .. ثم خرج من عنده .. فقعدت أمه عند رأسه .. تجتهد أن تطعمه أو تسقيه .. وتلحّ عليه .. وهو يردد : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فقالت : والله مالي علم بصاحبك .. فقال : اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب .. فسليها عنه .. وكانت أم جميل مسلمة تكتم إسلامها .. فخرجت أمه حتى جاءت أم جميل فقالت : إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله ؟ فخافت أم جميل أن يكتشفوا إسلامها .. فقالت : ما أعرف أبا بكر .. ولا محمداً .. ولكن إن أحببت مضيت معك إلى ابنك .. قالت : نعم .. فمضت معها .. فلما دخلت على أبي بكر .. وجدته صريعاً دنفاً .. ممزق الوجه .. ودماؤه تسيل .. فبكت وقالت : والله إن قوماً نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر .. وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم .. فالتفت إليها أبو بكر .. وما يكاد يطيق .. فقال : يا أم جميل .. ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فنظرت أم جميل إلى أم أبي بكر وكانت لم تسلم بعد .. فخشيت أن تخبر الكفار بأسرار المسلمين .. فقالت أم جميل لأبي بكر : هذه أمك تسمع .. قال : فلا شيء عليك منها .. قالت : رسول الله صلى الله عليه وسلم سالمٌ صالحٌ .. قال : فأين هو ؟ قالت : في دار أبي الأرقم .. فقالت أمه : قد عرفت خبر صاحبك .. فكل واشرب الآن .. فقال : لا .. إن لله علي أن لا أذوق طعاماً أو شراباً .. حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فأراه بعيني .. فأمهلتاه .. حتى إذا أظلم الليل .. وهدأ الناس .. حاول أن يقوم .. فلم يستطع .. خرجت به أمه وأم جميل يتكئ عليهما .. حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فلما رآه النبي عليه الصلاة والسلام .. أكب عليه يقبله .. وأكبَّ عليه المسلمون .. ورق له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقة شديدة .. وأبو بكر يقول : بأبي وأمي أنت يا رسول الله .. ليس بي من بأس .. إلا ما نال الفاسق من وجهي .. ثم قال أبو بكر : يا رسول الله .. هذه أمي برة بولدها .. وأنت رجل مبارك .. فادعها إلى الله عز وجل .. وادع الله لها .. عسى الله أن يستنقذها بك من النار .. فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ثم دعاها إلى الله .. فأسلمت .. فانظر إلى هذا الجبل الراسي .. أبي بكر رضي الله عنه .. وتأمل في حرصه على الدعوة إلى الله .. واعجب من قوة ثباته على الدين .. .. قال : معاذ الله .. كان شاباً فقيراً .. يعمل بائعاً .. يتجول في الطرقات .. وكانت هي امرأة فارغة .. لا تكف عن التعرض للحرام .. كانت مصيدة للشيطان .. مرّ ذات يوم بجانب بيتها .. أطلت من طرف الباب وسألته عن بضاعته فأخبرها .. طلبت منه أن يدخل لترى البضاعة .. فلما دخل أغلقت الباب .. ثم دعته إلى الحرام .. فصاح بها .. معاذ الله .. وتذكر حاله عندما تذهب اللذات .. وتبقى الحسرات .. تذكر يوم تشهد عليها أعضاؤه التي متعتها بالزنا .. رجله التي مشى بها.. يده التي لمس بها.. لسانه الذي تكلم به.. بل تشهد عليه .. كل ذرة من ذراته .. وكل شعرة من شعراته .. تذكر حرارة النيران .. وعذاب الرحمن .. يوم يعلق الزناة في النار.. ويضربون بسياط من حديد .. فإذا استغاث أحدهم من الضرب.. نادته الملائكة : أين كان هذا الصوت وأنت تضحك.. وتفرح.. وتمرح.. ولا تراقب الله ولا تستحي منه..!! تذكر قول النبي عليه الصلاة والسلام : ( يا أمة محمد.. والله إنه لا أحد أغير من الله.. أن يزنى عبده.. أو تزني أمته.. يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم.. لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ) .. تذكر يوم رأى النبي عليه الصلاة والسلام في منامه رجالاً ونساءً عراة في مكان ضيق مثل التنور .. أسفله واسع وأعلاه ضيق .. وهم يصيحون ويصرخون .. وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم .. فإذا أتاهم ذلك اللهب صاحوا من شدة حره .. فقال صلى الله عليه وسلم : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الزناة والزواني .. فهذا عذابهم إلى يوم القيامة .. ولعذاب الآخرة أشد وأبقى .. نسأل الله العفو والعافية . قالت له نفسه : افعل وتب .. قال .. أعوذ بالله .. كيف أهتكت ستر ربي .. كيف أنظر إلى امرأة لا تحل لي والله عز وجل من فوقنا .. ينظر إلينا .. كيف نختفي من الخلق .. ونفجر أمام الخالق .. فبقي ساكناً يفكر في مخرج .. وينظر على الباب .. فصاحت به الفاجرة : والله إن لم تفعل ما أريده منك صرخت .. فيحضر الناس فأقول : هذا الشاب.. هجم عليَّ في داري .. فما ينتظرك بعدها إلا القتل أو السجن .. فأخذ الشاب العفيف يرتجف .. خوّفها بالله فلم تنزجر .. فلما رأى ذلك .. فكر في حيلة يتخلص بها .. فقال : أريد الخلاء .. الحمام .. فأشارت له إليه .. فلما دخل الخلاء .. نظر إلى نوافذه فإذا هو لا يستطيع الهرب من خلالها .. ففكر في طريقة يتخلص بها .. فأقبل على الصندوق الذي يُجمع فيه الغائط .. وجعل يأخذ منه ويلقي على ثيابه.. ويديه.. وجسده.. ثم خرج إليها.. فلما رأته صاحت .. وألقت في وجهه بضاعته .. وطردته من البيت .. فمضى يمشي في الطريق .. والصبيان يصيحون وراءه : مجنون.. مجنون.. حتى وصل بيته.. فأزال عنه النجاسة.. واغتسل.. فلم يزل يُشمُّ منه رائحة المسك.. حتى مات.. ( ذكر القصة ابن الجوزي في المواعظ ) .. .. ينغمس في أنهارها .. كان ماعز شاباً من الصحابة .. متزوج في المدينة .. وسوس له الشيطان يوماً .. وأغراه بجارية لرجل من الأنصار .. فخلا بها عن أعين الناس .. وكان الشيطان ثالثَهما .. فلم يزل يزين كلاً منهما لصاحبه حتى وقعا في الحرام .. فلما فرغ ماعز من جرمه .. تخلى عنه الشيطان .. فبكى وحاسب نفسه .. ولامها .. وخاف من عذاب الله .. وضاقت عليه حياته .. وأحاطت به خطيئته .. حتى أحرق الذنب قلبه .. فجاء إلى طبيب القلوب .. ووقف بين يديه وصاح من حرّ ما يجد وقال : يا رسول الله .. إن الأبعد قد زنى .. فطهرني .. فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم .. فجاء من شقه الآخرَ فقال : يا رسول الله .. زنيت .. فطهرني .. فقال صلى الله عليه وسلم : ويحك ارجع .. فاستغفر الله وتب إليه .. فرجع غير بعيد .. فلم يطق صبراً .. فعاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله طهرني .. فقال رسول الله : ويحك .. ارجع فاستغفر الله وتب إليه .. قال : فرجع غير بعيد .. ثم جاء فقال : يا رسول الله طهرني .. فصاح به النبي صلى الله عليه وسلم .. وقال : ويلك .. وما يدريك ما الزنا ؟ .. ثم أمر به فطرد .. وأخرج .. ثم أتاه الثانية ، فقال : يا رسول الله ، زنيت .. فطهرني .. فقال : ويلك .. وما يدريك ما الزنا ؟ .. وأمر به .. فطُرد .. وأخرج .. ثم أتاه الثالثةَ .. والرابعةَ كذلك .. فلما أكثر عليه .. سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قومَه : أبه جنون ؟ قالوا : يا رسول الله .. ما علمنا به بأساً .. فقال : لعله شرب خمراً ؟ فقام رجل فاستنكهه وشمّه فلم يجد منه ريح خمر .. فقال صلى الله عليه وسلم : هل تدري ما الزنا ؟ قال : نعم .. أتيت من امرأة حراماً ، مثلَ ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً .. فقال صلى الله عليه وسلم : فما تريد بهذا القول ؟ قال : أريد أن تطهرني .. قال صلى الله عليه وسلم : نعم .. فأمر به أن يرجم .. فرجم حتى مات .. فلما صلوا عليه ودفنوه مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على موضعه مع بعض أصحابه .. فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه : انظر إلى هذا .. الذي ستر الله عليه ولم تدعه نفسه حتى رُجم رَجم الكلاب .. فسكت النبي صلى الله عليه وسلم .. ثم سار ساعة .. حتى مر بجيفة حمار .. قد أحرقته الشمس حتى انتفخ وارتفعت رجلاه .. فقال صلى الله عليه وسلم : أين فلان وفلان ؟ قالا : نحن ذانِ .. يا رسول الله .. قال : انزلا .. فكلا من جيفة هذا الحمار .. قالا : يا نبي الله !! غفر الله لك .. من يأكل من هذا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ما نلتما .. من عرض أخيكما .. آنفا أشدُّ من أكل الميتة .. لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم .. والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها .. فطوبى .. لماعز بن مالك .. نعم وقع في الزنى .. وهتك الستر الذي بينه وبين ربه .. لكنه تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم .. ( أصل قصته في الصحيحين وسقتها من مجموع رواياتها ) .. .. المغني .. وقفت على النافذة تراقبني بعينين دامعتين .. تلوح بيديها اللتين أهزلهما مر السنين .. كانت تدافع عبراتها .. حتى غلبها البكاء .. فبكت .. وقفت أنظر إليها .. نشيجها يصل إلى مسمعي .. لكن المعاصي الجاثمة على صدري حالت بينه وبين الوصول إلى قلبي القاسي .. لم أرحم توسلاتها بالبقاء معها .. والالتحاق بجامعة في نفس المدينة .. أنانية .. حب للذات .. بحث عن حرية مزعومة .. و شخصية مستقلة بذاتها .. بل شهوات وملذات .. وشياطين من الإنس والجن يؤازر بعضهم بعضا .. هروب من نصائحها ومواعظها .. من عطفها وشفقتها .. وخوفها أن أنحرف .. تركتها وهي واقفة تودعني .. غبت عنها وهي لم تفارق مكانها .. وداعاً أمي .. وهناك .. لم أعد أسمع عند خروجي : في حفظ الله يا ولدي .. إلى أين تذهب يا ولدي ؟ وهناك : لم أعد أسمع : لماذا تأخرت يا ولدي ؟.. انطلقت في حياة اللهو والترف .. حياة الغفلة والخوض في المعاصي والآثام .. صوتي الجميل أغرى رفقاء السوء الذين زينوا ليّ الغناء .. بدأت أغني وشياطين الأنس يغدقون عبارات الثناء التي لامست قلبي .. إلى أن جاء ذلك اليوم الذي دعوت فيه لكي أغني على المسرح .. عشت صراعاً رهيباً فلا زال الحياء يحتل من قلبي مساحة صغيرة .. فعشت بين الرفض والموافقة لحظات .. فقلبي يعاتبني : لا لست من يقف ليغني كما يفعل الفسقة .. لكن نفسي توبخني وتلومني : هذه فرصتك لا تضيعها سوف تصبح مشهوراً .. وبعد عناء وتردد وافقت .. صعدت على المسرح ولازال للحياء بقية .. لكنه رحل مع أول كلمة تغنيت بها .. اهتزت القاعة طرباً .. وتمايلت الأجساد نشوة .. عبارات الثناء والمديح تستحثني على المواصلة كلما سكت .. لتمضي تلك الليلة ولتقضي على ماتبقى من إيمان .. رفقاء السوء من حولي قد أزدادوا .. الدعوات كثرت .. تنقلت من قاعة إلى قاعة .. تنقلت بين أصناف المعاصي والآثام .. سهرات خاصة وعامة .. قدمت ليّ دعوة للمشاركة في حفل غنائي في أحد القصور ..قدمت بعض الأغاني والتي تفاعل معها الجمهور وكنت بحق النجم القادم إلى الساحة الفنية .. تلقيت بعد هذه الحفلة دعوة من أحد أهل الفن يعرض عليّ رغبته في أن يتبناني فنياً ويهتم بي .. أخذت موعداً مع فنان مشهور عن طريق وكيل أعماله .. ليتم التنسيق بهذا الشأن .. وكان الموعد يوم الخميس .. الأيام تمضي سريعة .. قبل الموعد بيومين رجعت إلى أهلي .. لمشاركتهم في بعض المناسبات .. حركة دائبة في المنزل فزواج أخي يوم الخميس .. ويوم الأربعاء سيتم عقد قران اثنتين من أخواتي .. كانت أمي كالنحلة .. تنتقل من مكان إلى مكان .. لا تكاد الدنيا تسعها من الفرح .. تردد الدعوات والتبريكات .. على شفتيها فرح لو قسم على العالم لابتسم .. تواصل الليل بالنهار .. تعد العدة للفرح الكبير .. تطمئن على كل شيء .. لا تدع صغيرة ولا كبيرة إلا وتسأل عنها .. وجاء يوم الأربعاء سريعاً .. فإذا به يحمل الفاجعة التي غيرت مجرى حياتي .. الفاجعة التي أيقظتني من الغفلة .. أحيت قلبي الذي قد مات .. جاءت الفاجعة لتنتشلني من المستنقع القذر .. مستنقع الرذيلة .. مستنقع الغناء والطرب .. ماتت أمي .. كيف !! لا أدري .. المهم أنها ماتت .. بعد أن شاركتنا لحظات بسيطة من الفرح .. تنحت قليلاً .. وألقت بجسدها المنهك على سريرها .. وكأنها تقول : وداعاً صغاري .. لقد كبرتم .. تحول الفرح إلى حزن .. وجوه صامتة قد تملكتها الدهشة وألجمتها الفاجعة .. لا ترى إلا دموعاً تنهمر .. وقلوباً ترتجف .. ولا تسمع إلا نشيجاً ينطلق من كل زاوية في المنزل .. كل شيء كان يبكي وينوح .. إلا أمي فقد كانت على فراشها ساكنة .. لا تدري عما حولها .. جهزوا جنازتها .. بدؤوا يغسلونها .. دخلت عليها بعدما غسلت .. ألقيت عليها النظرة الأخيرة .. كان وجهها هادئاً .. كما كان في الحياة .. نظرت إلى فمها .. عينيها .. يديها .. كانت بالأمس تنهاني عن مفارقتها خوفاً عليَّ من الفساد .. قبلتها .. بكيت .. بكت أخواتي حولي .. أخرجوني من غرفة التغسيل .. مضت الساعات سريعة .. لم أشعر إلا وأنا أقف في الصف أصلي عليها .. جثتها هامدة .. والإمام يردد الله : أكبر .. الله أكبر .. دعوت لها بكل جوارحي .. دعوت الله أن يغفر لي تقصيري في حقها .. حملت جنازتها مع من حملوا .. سرنا بها إلى القبر .. جعلت أهيل عليها التراب .. اللهم ثبتها .. اللهم ثبتها .. مضى النهار مع المعزين .. لكن كان لليل قول آخر .. أويت إلى غرفتي مبكراً ..أطفأت الأنوار .. ألقيت بجسدي على الفراش .. صورٌ من الماضي بدأت تظهر لي .. صوتها يملأ المكان .. يا ولدي قم .. لا تفتك الصلاة .. زملائك في المسجد ينتظرونك .. يا ولدي أبق معي .. واصل دراستك هنا .. لا تسافر .. يا ولدي أنتبه لنفسك .. حسرات وندم .. هموم وغموم أطبقت على صدري .. لم استطع أن أتنفس .. صور من العقوق .. شريط الذكريات يمر أمامي .. كانت تسعدني وأشقيها.. تفرحني وأبكيها .. تذكرت .. توسلاتها .. رجاءها .. لا تذهب .. لا تفعل .. زفرات وحسرات .. آآآآآه كم كنت عاقاً .. بكيت بكاءً مراً .. قمت أصلي لكنني لم استطع أن أصلي فقد استعجم لساني .. كانت دموعي ساخنة فأذابت قسوة قلبي .. سجدت لله بللت موضع سجودي بالدموع .. النحيب مشفوع بدعوات صادقة تنطلق من الأعماق .. تؤمن عليها كل ذرة من ذرات جسدي .. عاهدت ربي على البر بها بعد موتها .. سألته أن يثبتني على ذلك .. رددت الدعاء : اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك .. انتهيت من الصلاة .. توجهت نحو الماضي الكئيب .. أقلب بين الدفاتر والأوراق .. فهنا دفتر يحمل بعض الأغاني .. وهنا رسائل .. وهناك صور .. هذا شريط أغانٍ خاصة .. وهذه أشرطة لبعض الفساق .. عمدت إلى جيبي أخرجت ما فيه من بطاقات .. وجدت بطاقة الفنان الكبير .. تذكرت موعده .. يوم الخميس عصراً .. صرخت : أعوذ بالله .. مزقته بيدي .. جمعت كل شيء يذكرني بالمعاصي والآثام .. وضعتها في كيس وفي اليوم الثاني كان الفراق بيني وبينها .. .. البطل .. شاب نضر .. نشأ في بيت عز وسلطان .. ومنعة ومكان .. كان معظماً عند قومه .. مهيباً في بلده .. مقدماً بين أقرانه .. فريداً في زمانه .. انظر إلى سلمان الفارسي رضي الله عنه .. كان مجوسياً .. يعبد النار وكان أبوه سيدَ قومه .. وكان يحبه حباً عظيماً .. وقد حبسه في بيته عند النار .. ومع طول ملازمته للنار .. اجتهد في المجوسية .. حتى صار قاطن النار الذي يوقدها .. وكان لأبيه بستان عظيم .. يذهب إليه كل يوم .. فشغل الأب في بنيان له يوماً في داره .. فقال لسلمان : فانطلق إلى ضيعتي فاصنع فيها كذا وكذا .. ففرح سلمان وخرج من حبسه .. وتوجه إلى البستان .. فبينما هو في طريقه إذ مرَّ بكنيسة للنصارى .. فسمع صلاتهم فيها .. فدخل عليهم ينظر ماذا يصنعون .. وأعجبه ما رأى من صلاتهم .. ورغب في اتباعهم .. وقال في نفسه : هذا خير من ديننا الذي نحن عليه .. فسألهم : عن دينهم .. فقالوا : أصله بالشام .. وأعلم الناس به هناك .. فلم يزل عندهم .. حتى غابت الشمس .. فلما رجع إليه .. قال أبوه : أي بني أين كنت ؟ قال : إني مررت على ناس يصلون في كنيسة لهم .. فأعجبني ما رأيت من أمرهم وصلاتهم .. ورأيت أن دينهم خير من ديننا .. ففزع أبوه .. وقال : أي بني .. دينك ودين آبائك خير من دينهم .. قال : كلا والله .. بل دينهم خير من ديننا .. فخاف أبوه أن يخرج من دين المجوس .. فجعل في رجله قيداً .. ثم حبسه في البيت.. فلما رأى سلمان ذلك .. بعث إلى النصارى رسولاً من عنده .. يقول لهم : إني قد رضيت دينكم ورغبت فيه .. فإذا قدم عليكم ركب من الشام من النصارى .. فأخبروني بهم .. فما مضى زمن حتى قدم عليهم ركب من الشام .. تجار من النصارى .. فبعثوا إلى سلمان فأخبروه .. فقال للرسول : إذا قضى التجار حاجاتهم وأرادوا الرجوع إلى الشام فآذنوني .. فلما أراد التجار الرجوع أرسلوا إليه .. وواعدوه في مكان .. فتحيل حتى فك القيد من قدميه .. ثم خرج إليهم فانطلق معهم إلى الشام .. فلما دخل الشام .. سألهم : من أفضل أهل هذا الدين علماً ؟ قالوا : الأسقف الذي في الكنيسة .. فتوجه إلى الكنيسة .. فأخبر الأسقف خبره .. وقال له : إني قد رغبت في هذا الدين .. وأحب أن أكون معك .. أخدمك .. وأصلي معك .. وأتعلم منك .. فقال له الأسقف : أقم معي .. فمكث معه سلمان في الكنيسة .. فكان سلمان يحرص على الخيرات .. والتعبد والصلوات .. أما الأسقف فكان رجل سوء في دينه .. كان يأمر الناس بالصدقة ويرغبهم فيها .. فإذا جمعوا إليه الأموال .. اكتنـزها لنفسه .. ولم يعطها المساكين .. فأبغضه سلمان بغضاً شديداً .. لكنه لا يستطيع أن يخبر أحداً بخبره .. فالأسقف معظم عندهم .. أما هو فغريب .. قريب العهد بدينهم .. فلم يلبث الأسقف أن مات .. فحزن عليه قومه .. واجتمعوا ليدفنوه .. فلما رأى سلمان حزنهم عليه قال : إن هذا كان رجل سوء .. يأمركم بالصدقة .. ويرغبكم فيها .. فإذا جئتموه بها .. اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئاً .. قالوا : فما علامة ذلك ؟ قال : أنا أدلكم على كنزه .. فمضى بهم حتى دلهم على موضع المال .. فحفروه .. فأخرجوا سبع قلال مملوءة ذهباً وفضة .. فقالوا : والله لا ندفنه أبداً .. ثم صلبوه على خشبة .. ورجموه بالحجارة .. وجاءوا برجل آخر .. فجعلوه مكانه في الكنيسة .. قال سلمان : فما رأيت رجلاً لا يصلي الخمس .. كان خيراً منه .. أعظم رغبة في الآخرة .. ولا أزهد في الدنيا .. ولا أدأب ليلاً ولا نهاراً منه .. فأحببته حباً ما علمت أني أحببته شيئاً كان قبله .. فلم يزل سلمان يخدمه .. حتى كبر وحضرته الوفاة .. فحزن على فراقه .. وخاف أن لا يثبت على الدين بعده .. فقال له : يا فلان .. قد حضرك ما ترى من أمر الله .. فإلى من توصي بي ؟ قال : أي بني .. والله ما أعلم أحداً على ما كنت عليه .. لقد هلك الناس وبدلوا .. وتركوا كثيراً مما كانوا عليه .. إلا رجلاً بالموصل وهو فلان .. وهو على ما كنت عليه فالحق به .. فلما توفي الرجل العابد .. خرج سلمان من الشام إلى العراق .. فأتى صاحب الموصل .. فأقام عنده .. حتى حضرته الوفاة .. فأوصى سلمان لرجل بنصيبين .. فشد رحاله إلى الشام مرة أخرى .. حتى أتى نصيبين .. فأقام عند صاحبه طويلاً .. حتى نزل به الموت .. فأوصاه أن يصاحب رجلاً بعمورية بالشام .. فذهب إلى عمورية .. وأقام عند صاحبه .. واكتسب حتى كانت عنده بقرات وغنيمة .. ثم لم يلبث العابد أن مرض ونزل به الموت .. فحزن سلمان عليه .. وقال له مودعاً : يا فلان إلى من توصي بي ؟ فقال الرجل الصالح : يا سلمان .. والله ما أعلم أصبح على مثل ما نحن فيه أحد من الناس آمرك أن تأتيه .. يعني لقد غير الناس وبدلوا .. ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث بدين إبراهيم الحنيفية .. يخرج بأرض العرب مهاجراً إلى أرض بين حرتين ( أي أرضين سوداوين ) بينهما نخل .. به علامات لا تخفى : أنه يأكل الهدية .. ولا يأكل الصدقة .. بين كتفيه خاتم النبوة .. إذا رأيته عرفته .. فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل .. ثم مات ودُفن فمكث سلمان بعمورية ما شاء الله أن يمكث .. وهو يلتمس من يخرج به إلى أرض النبوة .. فما زال كذلك .. حتى مرَّ به نفر من قبيلة كلب .. تجار .. فسألهم عن بلادهم .. فأخبروه أنهم من أرض العرب .. فقال لهم : تحملوني إلى أرضكم .. وأعطيكم بقراتي وغنيمتي ؟ قالوا : نعم .. فأعطاهم إياها .. وحملوه معهم .. حتى إذا قدموا به وادي القُرى .. طمعوا في المال .. فظلموه وادعوا أنه عبد مملوك لهم .. وباعوه لرجل من اليهود .. فلم يستطع سلمان أن يدفع عن نفسه .. فصار عند هذا اليهودي يخدمه .. حتى قدم على اليهودي يوماً ابن عم له من المدينة من يهود بنى قريظة .. فاشترى سلمان منه .. فاحتمله إلى المدينة .. فلما رآها .. ورأى نخلها .. وحجارتها .. عرف أنها أرض النبوة التي وصفها له صاحبه .. فأقام بها .. وأخذ يترقب أخبار النبي المرسل .. ومرت السنوات .. وبعث الله رسوله عليه السلام فأقام بمكة ما أقام .. وسلمان لا يسمع له بذكر .. لشدة ما هو فيه من الخدمة عند اليهودي .. ثم هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ومكث بها .. وسلمان لا يدري عنه شيئاً .. فبنما هو يوماً في رأس نخلة لسيده .. يعمل فيها .. وسيده جالس أسفل النخلة .. إذ أقبل رجل يهودي من بني عمه .. حتى وقف عليه .. فقال : أي فلان .. قاتل الله بني قيلة .. يعني الأوس والخزرج .. إنهم الآن لمجتمعون على رجل بقباء .. قدم من مكة يزعمون أنه نبي .. فلما سمع سلمان ذلك .. انتفض جسده .. وطار فؤاده .. ورجفت النخلة .. حتى كاد أن يسقط على صاحبه .. ثم نزل سريعاً وهو يصيح بالرجل : ماذا تقول ؟ ما هذا الخبر ؟ فغضب سيده .. ورفع يده فلطمه بها لطمة شديدة .. ثم قال : ما لك ولهذا ؟ أقبل على عملك .. فسكت سلمان .. وصعد نخلته يكمل عمله .. وقلبه مشغول بخبر النبوة .. ويريد أن يتيقن من صفات هذا النبي .. التي وصفها صاحبه .. يأكل الهدية .. ولا يأكل الصدقة .. وبين كتفيه خاتم النبوة .. فلما أقبل الليل .. جمع ما كان عنده من طعام .. ثم خرج حتى جاء إلى رسول الله  .. وهو جالس بقُباء فدخل عليه .. فإذا حوله نفر من أصحابه .. فقال : إنه بلغني أنكم أهل حاجة وغربة .. وقد كان عندي شيء وضعته للصدقة .. فجئتكم به .. ثم وضعه سلمان بين يدي النبي عليه السلام .. واعتزل ناحية ينظر إليه ماذا يفعل ؟ فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطعام .. ثم التفت إلى أصحابه .. فقال : كلوا .. وأمسك هو صلى الله عليه وسلم فلم يأكل .. فلما رأى سلمان ذلك قال في نفسه : هذه والله واحدة .. لا يأكل الصدقة .. وبقي اثنتان .. ثم رجع إلى سيده .. وبعدها بأيام .. جمع طعاماً آخر .. ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه .. ثم قال له : إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة .. وهذه هدية أهديتها كرامة لك .. ليست بصدقة .. ثم وضعها بين يديه صلى الله عليه وسلم ..فمد يده إليها .. فأكل وأكل أصحابه .. فلما رأى سلمان ذلك قال في نفسه : هذه أخرى .. وبقي واحدة .. أن ينظر إلى خاتم النبوة بين كتفيه صلى الله عليه وسلم .. ولكن أنى له ذلك .. رجع سلمان إلى خدمة سيده .. وقلبه مشغول بحال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فمكث أياماً .. ثم مضى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبحث عنه .. فإذا هو في بقيع الغرقد .. قد تبع جنازة رجل من الأنصار .. فجاءه فإذا حوله أصحابه .. وعليه شملتان مؤتزراً بواحدة .. مرتدياً بالأخرى .. كلباس الإحرام .. فسلم عليه .. ثم استدار ينظر إلى ظهره .. هل يرى الخاتم الذي وصف له صاحبه !! فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم استدارته عرف أنه يستثبت في شيء وصف له .. فحرك كتفيه .. فألقى رداءه عن ظهره .. فنظر سلمان إلى الخاتم .. فعرفه .. فانكب عليه يقبله ويبكى .. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم تحول .. أي اجلس أمامي .. فاستدار حتى قابل وجه النبي عليه السلام .. فسأله صلى الله عليه وسلم عن خبره .. فقص عليه قصته .. وأخبره أنه كان شاباً مترفاً .. ترك العز والسلطان .. طلباً للهداية والإيمان .. حتى تنقل بين الرهبان .. يخدمهم ويتعلم منهم .. واستقر به المقام عبداً مملوكاً ليهودي في المدينة .. ثم أخذ سلمان ينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ودموعه تجري على خدية .. فرحاً وبشراً .. ثم أسلم .. ونطق الشهادتين .. ومضى إلى سيده اليهودي .. فزاده اليهودي شغلاً وخدمة .. فكان الصحابة يجالسون النبي صلى الله عليه وسلم .. أما هو فقد شغله الرق .. عن مجالسته .. حتى فاتته معركة بدر ثم أحد .. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال له : كاتب يا سلمان .. أي اشتر نفسك من سيدك بمال تؤديه إليه .. فسأل سلمان صاحبه أن يكاتبه .. فشدد عليه اليهودي .. وأبى عليه إلا بأربعين أوقية من فضة .. وثلاثِمائةِ نخلة .. يجمعها فسائل صغار .. ثم يغرسها .. واشترط عليه أن تحيا كلُّها .. فلما أخبر سلمان رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بما اشترط عليه اليهودي .. قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه : أعينوا أخاكم بالنخل .. فأعانه المسلمون .. وجعل الرجل يمضي إلى بستانه فيأتيه بما يستطيع من فسيلة نخل .. فلما جمع النخل .. فقال صلى الله عليه وسلم : يا سلمان .. اذهب ففقر لها - أي احفر لها - لغرسها .. فإذا أنت أردت أن تضعها فلا تضعها حتى تأتيني فتؤذنني .. فبدأ سلمان يحفر لها .. وأعانه أصحابه .. حتى حفر ثلاثَمائة حفرة .. ثم جاء فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم .. فخرج صلى الله عليه وسلم معه إليها .. فجعل الصحابة يقربون له فسيلة النخل .. ويضعه صلى الله عليه وسلم بيده في الحفر .. قال سلمان : فوالذي نفس سلمان بيده..ما ماتت منها نخلة واحدة .. فلما أدى النخل إلى اليهودي .. بقي عليه المال .. فأُتي النبي صلى الله عليه وسلم يوماً بذهب من بعض المغازي .. فالتفت إلى أصحابه وقال : ما فعل الفارسي المكاتب .. فدعوه له .. فقال صلى الله عليه وسلم : خذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان .. فأخذها سلمان .. فأدى منها المال إلى اليهودي .. وعتق .. ثم لازم النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات .. .. مفتاح الشرّ .. قال لي : كان لي صديق حميم في مكانة الأخ .. مات الأسبوع الماضي فجأة في حادث سير .. أسأل الله أن يرحمه ويتجاوز عنه .. المشكلة .. أن هذا الصديق له خبرة في الانترنت .. وكان متعلقاً باكتشاف المواقع الإباحية .. وجمع الصور الخليعة .. حتى إنه صمم موقعاً إباحياً يحتوي على صور خليعة .. بل لديه مجموعة أشخاص .. مسجلين في الموقع .. يرسل إلى بريدهم كل فترة ما يستجد لديه من صور .. إباحية .. يرسلها الموقع إليهم آلياً .. ومات الرجل فجأة .. والمصيبة أننا لا نعرف الرمز السري للموقع للتصرف فيه أو إغلاقه .. كنت أفكر في ذلك .. وأنا أنتظر الصلاة عليه في المسجد .. مشيت في جنازته .. وهو محمول على النعش .. كنت أفكر .. ماذا سيستقبله في قبره .. صور خليعة ؟!.. حسبنا الله ونعم الوكيل !! وصلنا إلى المقبرة .. قبور موحشة .. الناس يتزاحمون على القبر .. نظرت داخل قبره .. آآآه .. كيف سيكون حاله فيه .. رأيت بعض الناس يبكي .. قلت في نفسي : هل سينفعه بكاؤهم !! دفناه .. ثم ذهبنا وتركناه .. والدته رأت في المنام صبية يمرون على قبره ويتبولون فوقه .. كانت تتساءل عن تعبيرها .. المسكينه لا تدري عن خفايا الأمور !! سمعت عن هذه الرؤيا .. فقلت في نفسي .. ما تحتاج إلى تعبير .. معناها واضح .. هؤلاء الصبية الذين يتبولون على قبره .. هم الذين أرسل إليهم الصور .. وبدؤوا هم بإرسالها لمن يعرفون .. يا للهول .. كيف سيتحمل آثام هؤلاء !! ( من دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً ) .. حاولت جاهداً .. أن أحسن إليه .. خاطبت ال( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) الكبرى المستضيفة للموقع ليوقفوا الاشتراك .. فاعتذروا عن عمل أي شيء .. بل لم يصدقوني .. لأني لا أعرف أرقامه السرية التي حجز بها الموقع .. صرخت بهم .. يا جماعة .. الرجل ماااااااااات .. لم يلتفتوا إليَّ .. جلست أتفكر في حاله .. كم صرخت به : كيف تتحمل ذنوب الناس .. كيف تكون مفتاحاً للشر .. كيف تحمل أوزارهم في القيامة على كتفيك .. لكنه لم يكن يتأثر بكلامي .. كان يرى أنه شباب ويريد أن ( يفرفش ) .. وهذه أمور للتسلية فقط .. أعوذ بالله .. كم من شاب نظر نظرة إلى صورة فتبع ذلك وقوع في فاحشة .. وكم من فتاة وقعت في ذلك كذلك .. الرجل مات .. لكنه سيسأل يوم القيامة عن كل نظرة نظرها .. ونظروها .. وكل فاحشة واقعها .. وواقعوها .. وصورة نشرها .. ونشروها .. لا أدري كم سيستمر يتحمل آثامهم .. ولكن عسى الله أن يتجاوز عنه .. وحسبي الله ونعم الوكيل .. السماء لا تمطر ..!! بنو إسرائيل .. أصابهم قحط على عهد موسى عليه السلام .. فاجتمع الناس إليه .. فقالوا : يا كليم الله .. ادع لنا ربك أن يسقينا الغيث .. فقام معهم .. وخرجوا إلى الصحراء .. وهم سبعون ألفاً أو يزيدون .. اجتمعوا بين يديه .. وقاموا يدعون .. وهم شعث غبر .. عطاش جوعى .. وقام كليم الله يدعو : إلهي .. اسقنا غيثك .. وانشر علينا رحمتك .. وارحمنا بالأطفال الرضع .. والبهائم الرتع .. والمشايخ الركع .. فما زادت السماء إلا تقشعاً .. والشمس إلا حرارة .. فقال موسى : إلهي .. اسقنا .. فقال الله : كيف أسقيكم ؟ وفيكم عبد يبارزني بالمعاصي منذ أربعين سنة .. فناد في الناس حتى يخرج من بين أظهركم .. فبه منعتكم .. فصاح موسى في قومه : يا أيها العبد العاصي .. الذي يبارز الله منذ أربعين سنة .. اخرج من بين أظهرنا .. فبك منعنا المطر .. فنظر العبد العاصي ..ذات اليمين وذات الشمال ..فلم ير أحداً خرج ..فعلم أنه المطلوب .. فقال في نفسه : إن أنا خرجت من بين هذا الخلق .. افتضحت على رؤوس بني إسرائيل .. وإن قعدت معهم منعوا المطر بسببي .. فانكسرت نفسه .. ودمعت عينه .. فأدخل رأسه في ثيابه .. نادماً على فعاله .. وقال : إلهي .. وسيدي .. عصيتك أربعين سنة ..وسترتني وأمهلتني .. وقد أتيتك طائعاً فاقبلني .. وأخذ يبتهل إلى خالقه .. فلم يستتم الكلام .. حتى ارتفعت سحابة بيضاء ..فأمطرت كأفواه القرب .. فعجب موسى وقال : إلهي .. سقيتنا .. وما خرج من بين أظهرنا أحد .. فقال الله : يا موسى سقيتكم بالذي به منعتكم .. فقال موسى : إلهي .. أرني هذا العبد الطائع .. فقال : يا موسى .. إني لم أفضحه وهو يعصيني .. أأفضحه وهو يطيعني .. .. الفراق .. بدأ الإسلام ينتشر في مكة .. فبدا الناس يترددون في اتباعه .. وكان من بينهم أم سلمة رضي الله عنها .. نظرت في هذا الدين فإذا هو يأمرها بترك عبادة الأصنام .. وعبادة الواحد العلام .. فأسلمت هي وزوجها .. فاشتد عليهما أذى قريش .. فهاجرا إلى الحبشة .. ثم عادا إلى مكة بعد زمان .. فعادت قريش لإيذائهم .. فأخذ أبو سلمة زوجته وولده .. وخرج بهم إلى المدينة مهاجراً .. أركبها على بعير .. ووضع الغلام في حجرها .. ومضى خارجاً من مكة .. فلما كان في بعض الطريق .. رآه رجال من بني مخزوم وهم قبيلة أم سلمة .. فقالوا : هذه نفسك قد غلبتنا عليها .. أرأيت أبنتنا هذه ! علام نتركك تسير بها في البلاد ؟ ثم تزاحموا عليه .. فنزعوا خطام البعير من يده .. وأخذوها يقودونها .. وهو ينظر إلى زوجته وولده .. لا يملك لهما شيئاً .. فصار المسكين يتلفت يمنة ويسرة .. يبحث عن معين .. فمر به رجال من قبيلته .. فلما رأوه مغلوباً .. أقبلوا إلى أم سلمة ليأخذوها .. فأبى قومها .. فأقبل قوم أبي سلمة على الغلام الصغير وانتزعوه من يد أمه وهم يقولون .. لا والله .. لا نترك ابننا عندها .. فصاحت أم سلمة .. فأقبل قومها على الغلام ليأخذوه .. وأولئك يمسكون به .. حتى جعلوا يتجاذبون الصغير بينهم .. وهو يصرخ باكياً .. وقلبها يتقطع عليه .. حتى خلعوا يده .. وانطلق به قوم أبي سلمة .. ومضى قوم أم سلمة بأم سلمة .. كسيرة حزينة .. فحبسوها عندهم .. وانطلق قوم أبي سلمة بالغلام إلى ديارهم .. ومضى أبو سلمة مهاجراً إلى المدينة .. ففرقوا بينها وبين زوجها وبين ولدها .. فكانت المسكينة تخرج في كل صباح .. فتجلس على الرمال .. فتفكر في زوجها وولدها .. فلا تزال تبكي حتى تمسي .. ومضى عليها على هذا الحال .. شهر .. وشهران .. وعشرة .. وقلبها يحن إلى ولدها .. وفكرها مشغول على زوجها .. حتى أتمت ستةً كاملة .. وهي في بحر من الدموع .. حتى مر بها رجل من بني عمها .. فرآها باكية شاحبة .. فرحمها .. فقال لقومها : ألا تخرجون هذه المسكينة .. فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها .. فقال قومها : الحقي بزوجك إن شئت .. فاستبشرت .. وجمعت متاعها .. وركبت بعيرها وحدها .. فعلم قوم أبي سلمة بخروجها .. فردوا عليها ولدها .. فوضعت ولدها في حجرها .. ومضت جهة المدينة .. حتى إذا كانت في بعض الطريق .. لقيها عثمان بن أبي طلحة .. فتعجب من سفرها وحدها .. فسألها : إلى أين يا بنت أمية ؟ فقلت : أريد زوجي بالمدينة .. قال : أو معك أحد ؟ قلت : لا .. ما معي إلا الله .. ومعي ابني هذا .. قال : والله مالك من مترك .. فأخذ بخطام البعير .. فانطلق معها بي .. قالت أم سلمة : فوالله ما صحبت رجلاً من العرب قط .. أرى أنه كان أكرم منه .. كان إذا بلغ المنزل أناخ بي .. ثم استأخر عني .. حتى إذا نزلت استأخر ببعيري .. فحط عنه .. ثم قيده في الشجرة .. ثم تنحى عني إلى شجرة .. فاضطجع تحتها .. فاذا دنا وقت المسير .. قام إلى بعيري فقدمه فرحله .. ثم استأخر عني .. وقال : اركبي .. فاذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه .. فقاده .. حتى ينزل بي .. فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة .. فلما نظر الى قرية بني عمرو بن عوف بقباء .. قال : زوجك في هذه القرية فادخليها على بركة الله .. ثم انصرف راجعاً إلى مكة .. ثم اسلم عثمان بن أبي طلحة بعد ذلك .. القرار الشجاع .. الطفيل بن عمرو .. كان سيداً مطاعاً في قبيلته دوس .. قدم مكة يوماً في حاجة .. فلما دخلها .. رآه أشراف قريش .. فأقبلوا عليه .. قالوا له : من أنت ؟ قال : أنا الطفيل بن عمرو .. سيد دوس .. فنظر بعضهم إلى بعض .. وخافوا أن يراه النبي عليه الصلاة والسلام فيدعوه إلى الإسلام .. فإن أسلم هذا السيد .. قوي به الإسلام .. فاجتمعوا عليه وقال له أحدهم : إن ههنا رجل في مكة يزعم أنه نبي .. فاحذر أن تجلس معه أو تسمع كلامه .. فإنه ساحر .. إن استمعت إليه ذهب بعقلك .. ثم قال له الآخر مثل ذلك .. وزاد الثالث عليهما .. وأكثروا الكلام .. قال الطفيل : فوالله ما زالوا بي يخوفونني منه .. حتى أجمعت ألا أسمع منه شيئاً .. ولا أكلمه .. بل حشوت في أذنيَّ كرسفا - وهو القطن – خوفاً من أن يبلغني شيء من قوله .. وأنا مارّ به .. فغدوت إلى المسجد .. فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة .. فقمت منه قريباً .. فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله .. فسمعت كلاماً حسناً .. فقلت في نفسي : واثكل أمي ! والله إني لرجل لبيب .. ما يخفى عليَّ الحسنُ من القبيح .. فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول .. فإن كان الذي به حسناً قبلته .. وإن كان قبيحاً تركته .. فمكثت حتى قضى صلاته .. فلما قام منصرفاً إلى بيته تبعته .. حتى إذا دخل بيته دخلت عليه .. فقلت : يا محمد .. إن قومك قالوا لي كذا وكذا .. ووالله ما برحوا يخوفونني منك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك .. وقد سمعت منك قولاً حسناً .. فاعرض عليَّ أمرك .. فابتهج النبي عليه الصلاة والسلام .. وفرح ..وعرض الإسلام على الطفيل .. وتلا عليه القرآن .. فتفكر الطفيل في حاله .. فإذا كل يوم يعيشه يزيده من الله بعداً .. وإذا هو يعبد حجراً .. لا يسمع دعاءه إذا دعاه .. ولا يجيب نداءه إذا ناداه .. وهذا الحق قد تبين له .. ثم بدأ الطفيل يتفكر في عاقبة إسلامه .. كيف يغير دينه ودين آبائه !!.. ماذا سيقول الناس عنه ؟! حياته التي عاشها .. أمواله التي جمعها .. أهله .. ولده .. جيرانه .. خلانه .. كل هذا سيضطرب .. سكت الطفيل .. يفكر .. يوازن بين دنياه وأخراه .. وفجأة إذا به يضرب بدنياه عرض الحائط .. نعم سوف يستقيم على الدين .. وليرض من يرضى .. وليسخط من يسخط .. وماذا يكون أهل الأرض .. إذا رضي أهل السماء .. ماله ورزقه بيد من في السماء .. صحته وسقمه بيد من في السماء .. منصبه وجاهه بيد من في السماء .. بل حياته وموته بيد من في السماء .. فإذا رضي أهل السماء .. فلا عليه ما فاته من الدنيا .. إذا أحبه الله .. فلبيغضه بعدها من شاء .. وليتنكر له من شاء .. وليستهزئ به من شاء .. فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب نعم .. أسلم الطفيل في مكانه .. وشهد شهادة الحق .. ثم ارتفعت همته .. وثارت عزيمته .. فقال : يا نبي الله .. إني امرؤ مطاع في قومي .. وإني راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام .. ثم خرج الطفيل من مكة .. مسرعاً إلى قومه .. حاملاً همَّ هذا الدين .. يصعد به جبل .. وينزل به واد .. حتى وصل إلى ديار قومه .. فلما دخلها .. أقبل إليه أبوه .. وكان شيخاً كبيراً .. فقال الطفيل : إليك عني يا أبت .. فلست منك ولست مني .. قال : و لم يا بني ؟ قال : أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم .. قال : ديني هو دينك .. قال : فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك .. ثم ائتني حتى أعلمك مما علمت .. فذهب أبوه واغتسل وطهر ثيابه .. ثم جاء فعرض عليه الإسلام فأسلم .. ثم مشى الطفيل إلى بيته .. فأقبلت إليه زوجته .. فقال : إليك عني .. فلست منك ولست مني .. قالت : ولم ؟ بأبي أنت وأمي .. قال : فرَّق بيني وبينك الإسلام .. وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم .. قالت : فديني دينك .. قال : فاذهبي فتطهري .. ثم ارجعي إليَّ .. فولّته ظهرها ذاهبة .. وكان لهم صنم اسمه ذو الشرى .. يعظمونه ويرون أن من ترك عبادته أصابه الصنم بعقوبة .. فخافت المسكينة إن أسلمت أن يضرها أو يضر أولادها .. فرجعت إليه وقالت : بأبي أنت وأمي .. أما تخشى على الصبية من ذي الشرى .. ؟ وذو الشرى صنم عندهم يعبدونه .. وكانوا يرون أن من ترك عبادته أصابه أو أصاب ولده بأذى .. فقال الطفيل : اذهبي .. أنا ضامن لك أن لا يضرهم ذو الشرى .. فذهبت فاغتسلت .. ثم عرض عليها الإسلام فأسلمت .. ثم جعل الطفيل يطوف في قومه .. يدعوهم إلى الإسلام بيتاً بيتاً .. ويقبل عليهم في نواديهم .. ويقف عليهم في طرقاتهم .. لكنهم أبو إلا عبادة الأصنام .. فغضب الطفيل .. وذهب إلى مكة .. فأقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله .. إن دوساً قد عصت وأبت .. يا رسول الله .. فادع الله عليهم .. فتغير وجه النبي عليه الصلاة والسلام .. ورفع يديه إلى السماء .. فقال الطفيل في نفسه .. هلكت دوْس .. فإذا بالرحيم الشفيق صلى الله عليه وسلم .. يقول : " اللهم اهد دوساً .. اللهم اهد دوساً .. ثم التفت إلى الطفيل وقال : ارجع إلى قومك .. فادعهم .. وارفق بهم .. فرجع إليهم .. فلم يزل بهم .. حتى أسلموا .. ومرت الأيام .. ومات النبي عليه الصلاة والسلام .. فخرج الطفيل مع ولده والمسلمين لقتال مسليمة الكذاب في اليمامة .. فرأى في منامه رؤيا و هو متوجه إلى اليمامة أن رأسه حلق .. وأنه خرج من فمه طائر .. وأنه لقيته امرأة فأدخلته فيها .. وأرى ابنه يطلبه طلباً حثيثاً ثم رأيته حبس عنه .. فلما أصبح أخبر أصحابه بالرؤيا .. وقال فإني قد عبرتها : قالوا : بمَ .. قال : أما حلق رأسي فوضعه .. وأما الطائر الذي خرج منه فروحي .. وأما المرأة التي أدخلتني فيها فالأرض تحفر لي فأغيب فيها .. وأما طلب ابني إياي ثم حبسه عني فإني أراه سيجتهد أن يصيبه من الشهادة ما أصابني .. فقتل رضي الله عنه شهيداً باليمامة .. وجرح ابنه جراحه شديدة .. لكنه نجى من الموت .. ثم استشهد في معركة اليرموك زمن عمر رضي الله عنه .. يرى مقعده في الجنة !! شاب .. بلغ من عمره ستة عشر عاماً .. كان في المسجد يتلو القرآن .. وينتظر إقامة صلاة الفجر .. فلما أقيمت الصلاة .. رد المصحف إلى مكانه .. ثم نهض ليقف في الصف .. فإذا به يقع على الأرض فجأة مغمى عليه .. حمله بعض المصلين إلى المستشفى .. فحدثني الدكتور الجبير الذي عاين حالته .. قال : أُتي إلينا بهذا الشاب محمولاً كالجنازة .. فلما كشفت عليه فإذا هو مصاب بجلطة في القلب .. لو أصيب بها جمل لأردته ميتاً .. نظرت إلى الشاب فإذا هو يصارع الموت .. ويودع أنفاس الحياة .. سارعنا إلى نجدته وتنشيط قلبه .. أوقفت عنده طبيب الإسعاف يراقب حالته .. وذهبت لإحضار بعض الأجهزة لمعالجته .. فلما أقبلت إليه مسرعاً .. فإذا الشاب متعلق بيد طبيب الإسعاف .. والطبيب قد الصق أذنه بفم الشاب .. والشاب يهمس في أذنه بكلمات.. فوقفت أنظر إليهما .. لحظات.. وفجأة أطلق الشاب يد الطبيب .. وحاول جاهداً أن يلتفت لجانبه الأيمن .. ثم قال بلسان ثقيل : أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .. وأخذ يكررها .. ونبضه يتلاشى .. وضربات القلب تختفي.. ونحن نحاول إنقاذه.. ولكن قضاء الله كان أقوى.. ومات الشاب.. عندها انفجر طبيب الإسعاف باكياً.. حتى لم يستطع الوقوف على قدميه.. فعجبنا وقلنا له : يا فلان !.. ما لك تبكي !!.. ليست هذه أول مرة ترى فيها ميتاً.. لكن الطبيب استمر في بكائه ونحيبه.. فلما خف عنه البكاء .. سألناه : ماذا كان يقول لك الفتى ؟ فقال : لما رآك يا دكتور .. تذهب وتجيء .. وتأمر وتنهى.. علم أنك الطبيب المختص به .. فقال لي : يا دكتور .. قل لصاحبك طبيب القلب.. لا يتعب نفسه.. لا يتعب.. أنا ميت لا محالة .. والله إني أرى مقعدي من الجنة الآن .. .. على فراش الموت .. كتبت إليَّ : ما من يوم يمر علي إلا وأبكي .. كل يوم يمر أفكر فيه بالانتحار مرات .. لم تعد حياتي تهمني أبدا .. أتمنى الموت كل ساعة .. ليتني لم أولد ولم أعرف هذه الدنيا .. بدايتي كانت مع واحدة من صديقاتي القليلات .. دعتني ذات يوم إلى بيتها .. وكانت من الذين يستخدمون الإنترنت كثيراً .. وقد أثارت في الرغبة لمعرفة هذا العالم .. لقد علمتني كيف يستخدم .. وكل شيء تقريباً على مدار شهرين .. حيث بدأت أزورها كثيراً .. تعلمت منها "التشات" بكل أشكاله .. تعلمت منها كيفية التصفح .. وبحث المواقع الجيدة والرديئة .. في خلال هذين الشهرين كنت في عراك مع زوجي كي يدخل الإنترنت في البيت .. وكان ضد تلك المسألة .. حتى أقنعته بأني أشعر بالملل الشديد .. ونحن نسكن بعيداً عن أهلي .. تحججت بأن كل صديقاتي يستخدمن الإنترنت .. فلم لا أستخدمه وأحادثهن من خلاله فهو أرخص من فاتورة الهاتف على أقل تقدير .. وافق زوجي .. ويا ليته لم يفعل .. أصبحت بشكل يومي أحادث صديقاتي .. بعدها أصبح زوجي لا يسمع مني أي شكوى أو مطالب .. أعترف بأنه ارتاح كثيراً من إزعاجي وشكواي .. كان كلما خرج من البيت أقبلت كالمجنونة على الإنترنت بشغف شديد .. أجلس أقضي الساعات الطوال .. بدأت أتمنى غيابه كثيراً .. وقد كنت اشتاق إليه حتى بعد خروجه بقليل .. أنا أحب زوجي بكل ما تعني هذه الكلمة .. وهو لم يقصر معي .. حتى وحالته المادية ليست بالجيدة مقارنة بأخواتي وصديقاتي .. إلا أنه كان بدون مبالغة يبذل لإسعادي بأي طريقة .. ومع مرور الأيام وجدت الإنترنت تسعدني أكثر فأكثر .. أصبحت لا أهتم حتى بالسفر إلى أهلي .. وقد كنا كل أسبوعين نسافر لنرى أهلي وأهله .. كان كلما دخل البيت فجأة ارتبكت فأطفئ كل شيء عندي بشكل جعله يستغرب فعلي .. لم يكن عنده شك .. بل كان يريد أن يرى ماذا أفعل في الإنترنت .. ربما كان لديه فضول .. أو هي الغيرة .. حيث قد رأى يوما محادثة صوتية لم أستطع إخفائها.. بعدها كان يعاتبني ويقول : الإنترنت مجال واسع للمعرفة .. وليس مضيعة وقت .. مرت الأيام وأنا أزداد بالتشات فتنة .. تركت مسألة تربية الأبناء للخادمة .. كنت أعرف متى يعود .. فأطفئ الجهاز قبل مجيئه .. ومع ذلك أهملت نفسي كثيراً .. كنت في السابق أكون في أحسن شكل .. وأجمل زينة عند عودته من العمل .. وبعد الإنترنت بدأ هذا يتلاشى حتى اختفى كلياً .. كنت مشغوفة بالإنترنت .. لدرجت أني أذهب خلسة بعد نومه .. وأرجع خلسة قبل أن يصحو من النوم .. ربما أدرك لاحقا أن كل ما أفعله في الإنترنت هي مضيعة وقت ولكن كان يشفق علي من الوحدة وبعد الأهل وقد استغللت هذا أحسن استغلال .. كان منزعجا لإهمالي الأولاد .. وبخني كثيراً .. وكنت أتظاهر بالبكاء .. وأقول أنت لا تعرف ماذا يدور في البيت في غيبتك .. فأنا مهتمة بهم حريصة عليهم .. لكنهم يتعبوني .. باختصار أهملت كل شيء .. حتى زوجي .. كنت أهاتفه عشرات المرات وهو خارج البيت فقط أريد سماع صوته .. والآن وبعد الإنترنت أصبح لا يسمع صوتي أبداً إلا في حالة احتياج البيت لبعض الطلبات النادرة .. تولدت لدى زوجي غيرة كبيرة من الإنترنت .. مر عليَّ ستة أشهر على هذا الحال .. بنيت علاقات مع أسماء مستعارة لا أعرف إن كانت لرجل أم أنثى .. كنت أحاور كل من يحاورني عبر التشات .. حتى وأنا أعرف أن الذي يحاورني رجل .. إلا أن شخصاً واحداً هو الذي أقبلت عليه بشكل كبير .. أحببت حديثه ونكته .. كان مسلياً .. بدأت العلاقة بيننا تقوى مع الأيام .. تكونت هذه العلاقة اليومية في خلال 3 أشهر تقريبا .. كان يغمرني بكلامه المعسول .. وكلمات الحب والشوق .. ربما لم تكن كلماته جميلة إلى هذه الدرجة .. ولكن الشيطان جمّلها بعيني كثيراً .. كانت محاثاتنا كلها كتابة .. عبر " التشات " .. في يوم من الأيام طلب سماع صوتي .. فرفضت .. أصر على طلبه .. هددني بتركي وأن يتجاهلني في التشات والإيميل .. حاولت كثيرا مقاومة هذا الطلب ولم أستطع .. لا أدري لماذا .. حتى قبلت مع بعض الشروط .. أن تكون مكالمة واحدة فقط .. استخدمنا برنامجا للمحادثة الصوتية .. رغم أن البرنامج ليس بالجيد .. ولكن كان صوته جميلا جدا وكلامه عذب جدا .. قال لي : صوتك غير واضح عبر الانترنت .. أعطيني رقم هاتفك .. رفضت ذلك .. تعجبت من جرأته .. لم أجرؤ على مكالمته لمدة طويلة .. كنت أعلم والله أن الشيطان الرجيم كان يلازمني ويحسن صوته في نفسي ويصارع بقايا العفة والدين وما أملك من أخلاق .. حتى أتى اليوم الذي كلمته من الهاتف .. ومن هنا بدأت حياتي بالانحراف .. لقد انجرفت كثيرااااااا .. أصبحنا كالجسد الواحد .. نستخدم "التشات" ونحن نتكلم عبر الهاتف .. لن أطيل الكلام .. من يقرا قصتي يشعر بأن زوجي مهمل في حقي .. أو كثير الغياب عن البيت .. ولكن العكس هو الصحيح .. كان يخرج من عمله ولا يذهب إلى أصدقائه كثيراً من أجلنا أنا وأولادي .. ومع مرور الأيام وبعد اندماجي بالإنترنت والتي كنت أقضي بها ما يقارب 8 إلى 12 ساعة يومياً .. أصبحت أكره كثرة تواجده في البيت .. ألومه على هذا كثيراً .. أشجعه بأن يعمل في المساء حتى نتخلص من الديون المتراكمة والأقساط التي لا تريد أن تنتهي .. وفعلا أخذ بكلامي .. ودخل شريكاً مع أحد أصدقائه في مشروع صغير .. بعد ذلك .. أصبح الوقت الذي أقضيه في الإنترنت أكثر وأكثر .. رغم انزعاجه كثيرا من فاتورة الهاتف والتي تصل إلى الآلاف أحياناً .. إلا أنه لم يقدر على صدي عن هذا أبدا .. بدأت علاقتي بصاحبي تتطور .. أصبح يطلب رؤيتي بعدما سمع صوتي مراراً .. بل ربما مل منه .. لم أكن أبالي كثيراً أو أحاول قطع اتصالي به .. بل كنت فقط أعاتبه على طلبه .. وربما كنت أكثر منه شوقاً إلى رؤيته .. لكني كنت أترفع عن ذلك .. لا لشيء .. سوى أنني خائفة .. أصبح إلحاحه يزداد يوماً بعد يوم .. يريد فقط رؤيتي لا أكثر .. قبلت طلبه بشرط أن تكون أول وآخر مرة نتقابل فيها .. تواعدنا ثم التقينا في أحد الأسواق وكان الشيطان ثالثنا .. في الحقيقة من أول نظرة أعجبني .. بل زيَّنه الشيطان في عيني .. لم يكن زوجي قبيحاً .. لكن الشيطان يزين الحرام .. افترقنا .. بدأ بعدها يقوي علاقته بي .. لم يكن يعرف أني متزوجة .. وأم أولاد .. رآني بعدها مراراً .. عرف عني كل شيء .. جعلني أكره زوجي .. عرض علي الطلاق من زوجي لأتزوجه .. بدأت أكره زوجي .. بدأت اصطنع معه المشاكل كل يوم ليطلقني .. لم يحتمل زوجي هذه المشاكل التافهة .. و بدأ يكثر الغياب عن البيت .. حتى وقعت الكارثة .. قال زوجي إنه ذاهب في رحلة عمل لمدة خمسة أيام .. عرض عليَّ أن أذهب مع الأولاد إلى أهلي .. أحسست أن هذا هو الوقت المناسب .. رفضت الذهاب لأهلي .. فوافق مضطرا وذهب مسافراً في يوم الجمعة .. وفي يوم الأحد كان الموعد .. اتفقت مع الشيطان أن أقابله في مكان بأحد الأسواق .. ركبت سيارته ثم أنطلق يجوب الشوارع .. أول مرة في حياتي أخرج مع رجل غريب .. كان يبدو عليه القلق أكثر مني .. قلت له : لا أريد أن يطول وقت خروجي من البيت .. أخشى أن يتصل زوجي أو يحدث شيء .. قال لي : وإذا عرف زوجك .. ربما يطلقك وترتاحين منه .. لم يعجبني حديثه و نبرة صوته .. بداء القلق يزداد عندي .. قلت له: يجب أن لا تبتعد كثيراً .. لا أريد أن أتأخر عن البيت .. بدأ يشغلني بأحاديث جانبية .. وفجأة وإذا أنا في مكان لا أعرفه .. مظلم وهي أشبه باستراحة أو مزرعة .. بدأت أصرخ به ما هذا المكان ؟ إلى أين تأخذني ؟ .. وما هي إلا ثوان معدودات .. وإذا بالسيارة تقف .. ورجل آخر يفتح عليَّ الباب ويخرجني بالقوة .. وثالث داخل الاستراحة .. ورابع رأيته جالساً .. روائح غريبة تنبعث من المكان .. كان كل شيء ينزل علي كالصاعقة .. صرخت وبكيت واستعطفتهم .. أصبحت من شدة الرعب لا أفهم ما يدور حولي .. شعرت بضربة كف على وجهي .. وصوت يصرخ علي .. فزلزلني زلزالاً فقدت الوعي بعده من شدة الخوف .. وقع ما وقع .. صحوت بعدها من إغمائي .. تملكني رعب شديد .. جسمي يرتعش .. لم أتوقف عن البكاء .. ربطوا عيني .. وحملوني إلى السيارة .. ورموني في مكان قريب من البيت .. دخلت البيت مسرعة .. بقيت أبكي وأبكي حتى جفت دموعي .. أصبحت حبيسة غرفتي .. لم أر أبنائي .. ولم أدخل في فمي لقمة .. كرهت نفسي .. حاولت الانتحار .. أبنائي لم أعد أعرفهم .. أو أشعر بوجودهم .. رجع زوجي من السفر .. كانت حالتي سيئة لدرجة أنه أخذني إلى المستشفى بقوة .. أعطوني مهدئات ومقويات .. طلبت من زوجي أن يأخذني إلى أهلي بأسرع وقت .. كنت أبكي كثيراً ..وأهلي لا يعلمون شيئاً ..يعتقدون أن هنالك مشكلة بيني وبين زوجي.. حاول أبي أن يتفاهم مع زوجي ..ولم يصل معه إلى نتيجة ..لأن زوجي أصلاً لا يعلم شيئاً.. لا أحد يعلم ما الذي حل بي .. حتى أن أهلي عرضوني على بعض القراء .. اعتقاداً منهم بأني مريضة .. باختصار .. أنا لا أستحق زوجي أبداً .. لذا طلبت منه الطلاق .. إكراماً له والله .. فأنا لا أستحق أن أعيش بين الأشراف مطلقاً .. أنا التي حفرت قبري بيدي .. وصديق "التشات" لم يكن سوى صائد لفريسة من البنات الّلواتي يستخدمن التشات .. حزن زوجي لحالي .. بل ترك عمله أياماً ليكون قريباً مني .. رفض أن يطلقني .. كان المسكين يحبني .. تعب حتى كون أسرة وبيتاً ولا يريد أن يهدمه .. كتمت سرّي في صدري .. وكل يوم يمر بي أزداد قهراً على قهري .. أي ذلٍ أصابني من أولئك الأنذال .. كيف أكون مزبلة لشراب خمر ومتعاطي مخدرات يعبثون بجسدي كما شاءوا .. كم كنت غبية حمقاء .. كيف أمضيت أشهراً في صرف عواطفي لمن لا يستحقها .. وها أنا أكتب هذه القصة من على فراش المرض والهزال .. بل لعله يكون فراش الموت .. .. اتخذوه مهجوراً .. قالت : كنت في الحرم المكي .. في قسم النساء .. وإذا بامرأة تطرق على كتفي .. وتردد بلكنة أعجمية : يا حاجة !! يا حاجة !!.. إلتفت إليها .. فإذا امرأة متوسطة السن .. غلب على ظني أنها تركية .. سلمت علي .. وقعت في قلبي محبتها ! سبحان الله الأرواح جند مجندة .. كانت تريد أن تقول شيئاً .. تحاول استجماع كلماتها .. أشارت إلى المصحف الذي كنت أحمله .. ثم قالت بعربية مكسرة : أنت تقرأ في قرآن ..؟! قلت : نعم ! .. وإذا بالمرأة .. يحمر وجهها .. وتمتلئ عيناها بالدموع .. قد هالني منظرها .. بدأت في البكاء !! قلت لها : ما بك !؟ قالت بصوت مخنوق وهي تنظر بخجل .. قالت : أنا ما أقرأ قرآن .. قلت : لماذا ؟ قالت : ما أعرف .. ومع انتهاء حرف الفاء .. انفجرت باكية .. ظللت أربت على كتفيها وأهديء من روعها .. قلت : أنت الآن في بيت الله .. اسأليه أن يعلمك .. وأن يعينك على قراءة القرآن .. كفكفت دموعها .. وفي مشهد لن أنساه ما حييت .. رفعت المرأة يديها تدعو الله قائلة : اللهم افتح قلبي .. اللهم افتح قلبي أقرأ قرآن .. اللهم افتح قلبي أقرأ قرآن .. ثم التفتت إليَّ وقالت : أنا أموت وما قرأت قرآن .. قلت لها : لا.. إن شاء الله سوف تقرأينه كاملاً وتختميه مرات ومرات .. سألتها : هل تقرأين الفاتحة ؟ فاستبشرت .. وقالت : نعم .. ثم بدأت ترتل : الحمد لله رب العالمين .. الرحمن الرحيم .. حتى ختمتها .. ثم جلست تعدد صغار السور التي تحفظها .. كنت متعجبة من عربيتها الجيدة إلى حد ما.. وهي تتكلم عن حياتها .. وما تبذله لتتعلم القرآن .. وفجأة تغير وجهها .. وقالت : إذا أنا أموت ما قرأت قرآن .. أنا في نار !! أنا والله أسمع شريط .. بس لازم في قراءة !! هذا كلام الله .. كلام الله العظيم ! وبدأت المسكينة تدافع عبراتها وهي تتكلم عن عظمة الله .. وحق كتابه علينا .. لم أتمالك نفسي من البكاء ! امرأة أعجمية .. في بلاد علمانية .. تخشى أن تلقى الله ولم تقرأ كتابه .. منتهى أملها في الحياة أن تختم القرآن .. تبكي .. وتحزن .. وتضيق عليها نفسها .. لأنها لا تستطيع تلاوة كتاب الله .. فما بالنا قد هجرناه ؟ قد أوتيناه فنسيناه ؟ ما بالنا والسبل ميسرة لحفظه وتلاوته وفهمه ؟ بالله .. على أي شيء تحترق قلوبنا ؟ وما الذي يثير مدامعنا ويهيج أحزاننا ؟

في بطن الحوت-الجزء الاول للشيخ محمد العريفي

Posted: 11 Oct 2012 09:55 AM PDT


في بطن الحوت-الجزء الاول للشيخ محمد العريفي

. أعمى يسدد الهدف .. لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي.. ما زلت أذكر تلك الليلة .. بقيت إلى آخر الليل مع الشّلة في إحدى الاستراحات .. كانت سهرة مليئة بالكلام الفارغ .. بل بالغيبة والتعليقات المحرمة .. كنت أنا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم .. وغيبة الناس .. وهم يضحكون .. أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيراً.. كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد .. بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه .. أجل كنت أسخر من هذا وذاك .. لم يسلم أحد منّي أحد حتى أصحابي .. صار بعض الناس يتجنّبني كي يسلم من لساني .. أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق.. والأدهى أنّي وضعت قدمي أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا يدري ما يقول .. وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق .. عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة .. وجدت زوجتي في انتظاري .. كانت في حالة يرثى لها .. قالت بصوت متهدج : راشد .. أين كنتَ ؟ قلت ساخراً : في المريخ .. عند أصحابي بالطبع .. كان الإعياء ظاهراً عليها .. قالت والعبرة تخنقها: راشد… أنا تعبة جداً .. الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكا .. سقطت دمعة صامته على خدها .. أحسست أنّي أهملت زوجتي .. كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي .. خاصة أنّها في شهرها التاسع .. حملتها إلى المستشفى بسرعة .. دخلت غرفة الولادة .. جعلت تقاسي الآلام ساعات طوال .. كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر .. تعسرت ولادتها .. فانتظرت طويلاً حتى تعبت .. فذهبت إلى البيت .. وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني .. بعد ساعة .. اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم .. ذهبت إلى المستشفى فوراً .. أول ما رأوني أسأل عن غرفتها .. طلبوا منّي مراجعة الطبيبة التي أشرفت على ولادة زوجتي .. صرختُ بهم : أيُّ طبيبة ؟! المهم أن أرى ابني سالم .. قالوا .. أولاً .. راجع الطبيبة .. دخلت على الطبيبة .. كلمتني عن المصائب .. والرضى بالأقدار .. ثم قالت : ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر !! خفضت رأسي .. وأنا أدافع عبراتي .. تذكّرت ذاك المتسوّل الأعمى .. الذي دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس .. سبحان الله كما تدين تدان ! بقيت واجماً قليلاً .. لا أدري ماذا أقول .. ثم تذكرت زوجتي وولدي .. فشكرت الطبيبة على لطفها .. ومضيت لأرى زوجتي .. لم تحزن زوجتي .. كانت مؤمنة بقضاء الله .. راضية .. طالما نصحتني أن أكف عن الاستهزاء بالناس .. كانت تردد دائماً .. لا تغتب الناس .. خرجنا من المستشفى .. وخرج سالم معنا .. في الحقيقة .. لم أكن أهتم به كثيراً.. اعتبرته غير موجود في المنزل .. حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصالة لأنام فيها .. كانت زوجتي تهتم به كثيراً .. وتحبّه كثيراً .. أما أنا فلم أكن أكرهه .. لكني لم أستطع أن أحبّه ! كبر سالم .. بدأ يحبو .. كانت حبوته غريبة .. قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي .. فاكتشفنا أنّه أعرج .. أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر .. أنجبت زوجتي بعده عمر وخالداً .. مرّت السنوات .. وكبر سالم .. وكبر أخواه .. كنت لا أحب الجلوس في البيت .. دائماً مع أصحابي .. في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم .. لم تيأس زوجتي من إصلاحي.. كانت تدعو لي دائماً بالهداية .. لم تغضب من تصرّفاتي الطائشة .. لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم واهتمامي بباقي إخوته .. كبر سالم .. وكبُر معه همي .. لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى المدارس الخاصة بالمعاقين .. لم أكن أحس بمرور السنوات .. أيّامي سواء .. عمل ونوم وطعام وسهر .. في يوم جمعة .. استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً.. ما يزال الوقت مبكراً بالنسبة لي .. كنت مدعواً إلى وليمة .. لبست وتعطّرت وهممت بالخروج .. مررت بصالة المنزل .. استوقفني منظر سالم .. كان يبكي بحرقة ! إنّها المرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان طفلاً .. عشر سنوات مضت .. لم ألتفت إليه .. حاولت أن أتجاهله .. فلم أحتمل .. كنت أسمع صوته ينادي أمه وأنا في الغرفة .. التفت .. ثم اقتربت منه .. قلت : سالم ! لماذا تبكي ؟! حين سمع صوتي توقّف عن البكاء .. فلما شعر بقربي .. بدأ يتحسّس ما حوله بيديه الصغيرتين .. ما بِه يا ترى؟! اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني !! وكأنه يقول : الآن أحسست بي .. أين أنت منذ عشر سنوات ؟! تبعته .. كان قد دخل غرفته .. رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه .. حاولت التلطف معه .. بدأ سالم يبين سبب بكائه .. وأنا أستمع إليه وأنتفض .. تدري ما السبب !! تأخّر عليه أخوه عمر .. الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد .. ولأنها صلاة جمعة .. خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل .. نادى عمر .. ونادى والدته .. ولكن لا مجيب .. فبكى .. أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين .. لم أستطع أن أتحمل بقية كلامه .. وضعت يدي على فمه .. وقلت : لذلك بكيت يا سالم !!.. قال : نعم .. نسيت أصحابي .. ونسيت الوليمة .. وقلت : سالم لا تحزن .. هل تعلم من سيذهب بك اليوم إلى المسجد؟ .. قال : أكيد عمر .. لكنه يتأخر دائماً .. قلت : لا .. بل أنا سأذهب بك .. دهش سالم .. لم يصدّق .. ظنّ أنّي أسخر منه .. استعبر ثم بكى .. مسحت دموعه بيدي .. وأمسكت يده .. أردت أن أوصله بالسيّارة .. رفض قائلاً : المسجد قريب .. أريد أن أخطو إلى المسجد .. - إي والله قال لي ذلك - .. لا أذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيها المسجد .. لكنها المرّة الأولى التي أشعر فيها بالخوف .. والنّدم على ما فرّطته طوال السنوات الماضية .. كان المسجد مليئاً بالمصلّين .. إلاّ أنّي وجدت لسالم مكاناً في الصف الأوّل .. استمعنا لخطبة الجمعة معاً وصلى بجانبي .. بل في الحقيقة أنا صليت بجانبه .. بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً .. استغربت !! كيف سيقرأ وهو أعمى ؟ كدت أن أتجاهل طلبه .. لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره .. ناولته المصحف .. طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف.. أخذت أقلب الصفحات تارة .. وأنظر في الفهرس تارة .. حتى وجدتها .. أخذ مني المصحف .. ثم وضعه أمامه .. وبدأ في قراءة السورة .. وعيناه مغمضتان .. يا الله !! إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة !! خجلت من نفسي.. أمسكت مصحفاً .. أحسست برعشة في أوصالي.. قرأت .. وقرأت.. دعوت الله أن يغفر لي ويهديني .. لم أستطع الاحتمال .. فبدأت أبكي كالأطفال .. كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة .. خجلت منهم .. فحاولت أن أكتم بكائي .. تحول البكاء إلى نشيج وشهيق .. لم أشعر إلاّ بيد صغيرة تتلمس وجهي .. ثم تمسح عنّي دموعي .. إنه سالم !! ضممته إلى صدري .. نظرت إليه .. قلت في نفسي .. لست أنت الأعمى .. بل أنا الأعمى .. حين انسقت وراء فساق يجرونني إلى النار .. عدنا إلى المنزل .. كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم .. لكن قلقها تحوّل إلى دموع حين علمت أنّي صلّيت الجمعة مع سالم .. من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد .. هجرت رفقاء السوء .. وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد.. ذقت طعم الإيمان معهم .. عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا .. لم أفوّت حلقة ذكر أو صلاة الوتر .. ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر .. رطّبت لساني بالذكر لعلّ الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من النّاس .. أحسست أنّي أكثر قرباً من أسرتي .. اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتي .. الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم .. من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها .. حمدت الله كثيراً على نعمه .. ذات يوم .. قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى المناطق البعيدة للدعوة .. تردّدت في الذهاب.. استخرت الله .. واستشرت زوجتي .. توقعت أنها سترفض .. لكن حدث العكس ! فرحت كثيراً .. بل شجّعتني ..فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون استشارتها فسقاً وفجوراً .. توجهت إلى سالم .. أخبرته أني مسافر .. ضمني بذراعيه الصغيرين مودعاً .. تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف .. كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما سنحت لي الفرصة بزوجتي وأحدّث أبنائي .. اشتقت إليهم كثيراً .. آآآه كم اشتقت إلى سالم !! تمنّيت سماع صوته .. هو الوحيد الذي لم يحدّثني منذ سافرت .. إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم .. كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه .. كانت تضحك فرحاً وبشراً .. إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها .. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة .. تغيّر صوتها .. قلت لها : أبلغي سلامي لسالم .. فقالت : إن شاء الله .. وسكتت .. أخيراً عدت إلى المنزل .. طرقت الباب .. تمنّيت أن يفتح لي سالم .. لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره .. حملته بين ذراعي وهو يصرخ : بابا .. يابا .. لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت .. استعذت بالله من الشيطان الرجيم .. أقبلت إليّ زوجتي .. كان وجهها متغيراً .. كأنها تتصنع الفرح .. تأمّلتها جيداً .. ثم سألتها : ما بكِ؟ قالت : لا شيء .. فجأة تذكّرت سالماً .. فقلت .. أين سالم ؟ خفضت رأسها .. لم تجب .. سقطت دمعات حارة على خديها .. صرخت بها .. سالم .. أين سالم ..؟ لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد .. يقول بلثغته : بابا .. ثالم لاح الجنّة .. عند الله.. لم تتحمل زوجتي الموقف .. أجهشت بالبكاء .. كادت أن تسقط على الأرض .. فخرجت من الغرفة .. عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين .. فأخذته زوجتي إلى المستشفى .. فاشتدت عليه الحمى .. ولم تفارقه .. حين فارقت روحه جسده .. .. الملك .. بعض الناس .. تشتاق نفسه إلى الهداية .. لكنه يمنعه الكبر من اتباع شعائر الدين .. نعم يتكبر عن تقصير ثوبه فوق الكعبين .. وإعفاء لحيته ومخالفة المشركين .. فجمال مظهره أعظم عنده من طاعة ربه .. وبعض النساء كذلك .. لا تزال تتساهل بأمر الحجاب .. حرصاً على تكميل زينتها .. وحسن بزتها .. أو تعصي ربها بنتف حاجبها .. أو تضييق لباسها .. وإذا نصحت استكبرت وطغت .. ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر .. فكيف إذا كان هذا الكبر مانعاً من الهداية .. كان جبلة بن الأيهم .. ملكاً من ملوك غسان .. دخل إلى قلبه الإيمان .. فأسلم ثم كتب إلى الخليفة عمر رضي الله عنه .. يستأذنه في القدوم عليه .. سرّ عمرُ والمسلمون لذلك سروراً عظيماً .. وكتب إليه عمر : أن اقدم إلينا .. ولك مالنا وعليك ما علينا .. فأقبل جبلة في خمسمائة فارس من قومه .. فلما دنا من المدينة لبس ثياباً منسوجة بالذهب .. ووضع على رأسه تاجاً مرصعاً بالجوهر .. وألبس جنوده ثياباً فاخرة .. ثم دخل المدينة .. فلم يبق أحد إلا خرج ينظر إليه حتى النساء والصبيان .. فلما دخل على عمر رحَّب به وأدنى مجلسه ! .. فلما دخل موسم الحج .. حج عمر وخرج معه جبلة .. فبينا هو يطوف بالبيت إذ وطئ على إزاره رجل فقير من بني فزارة .. فالتفت إليه جبلة مغضباً .. فلطمه فهشم أنفه .. فغضب الفزاري .. واشتكاه إلى عمر بن الخطاب .. فبعث إليه فقال : ما دعاك يا جبلة إلى أن لطمت أخاك في الطواف .. فهشمت أنفه ! فقال : إنه وطئ إزاري ؟ ولولا حرمة البيت لضربت عنقه .. فقال له عمر : أما الآن فقد أقررت .. فإما أن ترضيه .. وإلا اقتص منك ولطمك على وجهك .. قال : يقتص مني وأنا ملك وهو سوقة ! قال عمر : يا جبلة .. إن الإسلام قد ساوى بينك وبينه .. فما تفضله بشيء إلا بالتقوى .. قال جبلة : إذن أتنصر .. قال عمر : من بدل دينه فاقتلوه .. فإن تنصرت ضربت عنقك .. فقال : أخّرني إلى غدٍ يا أمير المؤمنين .. قال : لك ذلك .. فلما كان الليل خرج جبلةُ وأصحابُه من مكة .. وسار إلى القسطنطينية فتنصّر .. فلما مضى عليه زمان هناك .. ذهبت اللذات .. وبقيت الحسرات .. فتذكر أيام إسلامه .. ولذة صلاته وصيامه .. فندم على ترك الدين .. والشرك برب العالمين .. فجعل يبكي ويقول : تنصرت الأشراف من عار لطمة * وما كان فيها لو صبرت لها ضرر تكنفني منها لجاج ونخوة * وبعت لها العين الصحيحة بالعور فياليت أمي لم تلدني وليتني * رجعت إلى القول الذي قال لي عمر وياليتني أرعى المخاض بقفرة * وكنت أسير في ربيعة أو مضر وياليت لي بالشام أدنى معيشة * أجالس قومي ذاهب السمع والبصر ثم ما زال على نصرانيته حتى مات .. نعم .. مات على الكفر لأنه تكبر عن الذلة لشرع رب العالمين .. .. شيخ في مرقص .. قال لي : كان في حارتنا مسجد صغير يؤم الناس فيه شيخ كبير .. قضى حياته في الصلاة والتعليم .. لاحظ أن عدد المصلين يتناقص .. كان مهتماً بهم .. يشعر أنهم أولاده .. ذات يوم التفت ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) إلى المصلين وقال لهم : ما بال أكثر الناس .. خاصة الشباب لا يقربون المسجد ولا يعرفونه .. فأجابه المصلون : إنهم في المراقص والملاهي .. قال ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) : مراقص !! وما المراقص ؟ فقال أحد المصلين : المرقص صالة كبيرة فيها خشبة مرتفعة .. تصعد عليها الفتيات يرقصن والناس حولهن ينظرون إليهن .. قال ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) : أعوذ بالله .. والذين ينظرون إليهن مسلمون .. قالوا : نعم .. فقال بكل براءة : لا حول ولا قوة إلا بالله .. يجب أن ننصح الناس .. قالوا : يا شيخ .. أتعظ الناس وتنصحهم في المرقص ..؟ فقال نعم .. ثم نهض خارجاً من المسجد .. وهو يقول : هيا بنا إلى المرقص .. حاولوا أن يثنوه عن عزمه .. أخبروه أنهم سيواجهون بالسخرية والاستهزاء .. وسينالهم الأذى .. فقال : وهل نحن خير من محمد صلى الله عليه وسلم !! ثم أمسك ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) بيد أحد المصلين .. وقال : دلني على المرقص .. مضى ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) يمشي .. بكل صدق وثبات .. وصلوا إلى المرقص .. رآهم صاحب المرقص من بعيد .. ظن أنهم ذاهبين لدرس أو محاضرة .. فلما أقبلوا عليه .. تعجب .. فلما توجهوا إلى باب المرقص .. سألهم : ماذا تريدون ؟ قال ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) : نريد أن ننصح من في المرقص .. تعجب صاحب المرقص .. وأخذ ينظر إليهم .. واعتذر عن قبولهم .. أخذ ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) يساومه .. ويذكره بالثواب العظيم .. لكنه أبى .. فأخذ يساومه بالمال ليأذن لهم .. حتى دفعوا له مبلغاً من المال يعادل دخله اليومي .. فوافق صاحب المرقص .. وطلب منهم أن يحضروا في الغد عند بدء العرض اليومي ! فلما كان الغد والناس في المرقص .. وخشبة المسرح تعج بالمنكرات .. والشياطين تحف الناس وتصفق لهم .. وفجأة أسدل الستار .. ثم فُتح .. فإذا شيخ وقور يجلس على كرسي .. دُهش الناس .. وتعجبوا .. ظن بعضهم أنها فقرة فكاهية .. بدأ ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) بالبسملة .. والحمد لله .. والثناء عليه .. وصلى على النبي عليه الصلاة والسلام .. ثم بدأ في وعظ الناس .. نظر الناس بعضهم إلى بعض .. منهم من يضحك .. ومنهم من ينتقد .. ومنهم من يعلق بسخرية .. و( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) ماض في موعظته لا يلتفت إليهم .. حتى قام أحد الحضور .. وأسكت الناس .. وطلب منهم الإنصات .. بدأ الهدوء يحيط بالناس .. والسكينة تنزل على القلوب .. حتى هدأت الأصوات .. فلا تسمع إلا صوت ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) .. قال كلاماً ما سمعوه من قبل .. آيات تهز الجبال .. وأحاديث وأمثال .. وقصص لتوبة بعض العصاة .. وأخذ يدافع عبراته ويقول .. يا أيها الناس .. إنكم عشتم طويلاً .. وعصيتم الله كثيراً .. فأين ذهبت لذة المعصية .. لقد ذهبت اللذة وبقيت الصحائف سوداء .. ستسألون عنها يوم القيامة .. سيأتي يوم يفنى فيه كل شيء إلا الله الواحد القهار .. أيها الناس .. هل نظرتم إلى أعمالكم .. والى أين ستؤدّي بكم .. إنكم لا تتحملون النار في الدنيا .. وهي جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم .. فبادروا بالتوبة قبل فوات الأوان .. وبدا ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) متأثراً وهو يعظ .. كانت كلماته قد خرجت من القلب .. فوصلت إلى القلب .. بكى الناس .. فزاد في موعظته .. ثم دعا لهم بالرحمة والمغفرة .. وهم يرددون : آمين .. آمين .. ثم قام من على كرسيه .. تجلله المهابة والوقار .. وخرج الجميع وراءه .. - نعم الجميع - .. وكانت توبتهم على يده .. عرفوا سرَّ وجودهم في الحياة .. وما تغني عنهم الرقصات واللذات .. إذا تطايرت الصحف وكبرت السيئات .. حتى صاحب المرقص .. تاب وندم على ما كان منه .. .. ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) الضال .. أحياناً .. يعرف المرء الحق ويرغب في اتباعه .. لكنه يغرى بمتع الدنيا .. فيظل على معصيته .. الأعشى بن قيس .. كان شيخاً كبيراً شاعراً .. خرج من اليمامة .. من نجد .. يريد النبي عليه الصلاة والسلام .. راغباً في الدخول في الإسلام .. مضى على راحلته .. مشتاقاً للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم .. بل كان يسير وهو يردد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً : ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا * وبت كما بات السليمُ مسهدا ألا أيهذا السائلي أين يممت * فإن لها في أهل يثرب موعدا نبي يرى ما لا ترون وذكرُه * أغار لعمري في البلاد وأنجدا أجدِّك لم تسمع وصاة محمد * نبيِّ الإله حيث أوصى وأشهدا إذ أنت لم ترحل بزاد من التقى * ولا قيت بعد الموت من قد تزودا ندمت على أن لا تكون كمثله * فترصد للأمر الذي كان أرصدا وما زال يقطع الفيافي والقفار..يحمله الشوق والغرام .. إلى النبي عليه الصلاة السلام .. راغباً في الإسلام .. ونبذ عبادة الأصنام .. فلما كان قريباً من المدينة..اعترضه بعض المشركين فسألهوه عن أمره؟ فأخبرهم أنه جاء يريد لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلم .. فخافوا أن يسلم هذا الشاعر .. فيقوى شأن النبي صلى الله عليه وسلم .. فشاعر واحد وهو حسان بن ثابت قد فعل بهم الأفاعيل .. فكيف لو أسلم شاعر العرب الأعشى بن قيس .. فقالوا له : يا أعشى دينك ودين آبائك خير لك .. قال : بل دينه خير وأقوم .. فنظر بعضهم إلى بعض وجعلوا يتشاورون .. كيف يصدوه عن الدين .. فقالوا له : يا أعشى .. إنه يحرم الزنا .. فقال : أنا شيخ كبير .. وما لي في النساء حاجة .. فقالوا : إنه يحرم الخمر .. فقال : إنها مذهبة للعقل .. مذلة للرجل .. ولا حاجة لي بها .. فلما رأوا أنه عازم على الإسلام .. قالوا : نعطيك مائةَ بعير وترجع إلى أهلك .. وتترك الإسلام .. فجعل يفكر في المال .. فإذا هو ثروة عظيمة .. فتغلب الشيطان على عقله .. والتفت إليهم وقال : أما المال .. فنعم .. فجمعوا له مائة بعير .. فأخذها .. وارتد على عقبيه .. وكرَّ راجعاً إلى قومه بكفره .. واستاق الإبل أمامه .. فرحاً بها مستبشراً .. فلما كاد أن يبلغ دياره .. سقط من على ناقته فانكسرت رقبته ومات .. .. سارة .. الإشارة حمراء .. والطريق مليء بالسيارات .. .لم يتبق على الموعد سوى بضع دقائق .. تباً لهذه الإشارة إنها طويلة .. يا ليتني كنت في الصف الأول .. لكنت قطعتها .. الثواني تمر بطيئة كأنها دقائق بل ساعات .. أنظر إلى الساعة حيناً وإلى الإشارة حيناً آخر .. أضاءت الإشارة اللون الأخضر .. ضغطت على منبه السيارة أزعجت الجميع .. تحركت السيارات .. تجاوزت الأول ..كدت اصطدم بالثاني .. قيادتي للسيارة أفزعت من حولي.. حاولت أن أسرع .. لكنني لم أستطع .. مضى الوقت.. وضاع الموعد.. ولم أجد الأصدقاء .. لقد ذهبوا.. إلى أين أذهب ؟.. احترت في الإجابة .. أطلقت زفرة من صدري .. ياليتني كنت أعرف مكانهم.. السيارة تمضي بهدوء .. انطلقت أفكر .. أيقظني منبه سيارة أخرى .. نظرت إلى صاحب السيارة بغضب .. وأشرت إليه بيدي .. تمهل الدنيا لن تطير .. ونسيت حالي قبل دقائق.. قررت أن أقضي السهرة في البيت .. إنها فكرة جيده .. فابنتي الوحيدة مريضة .. والأفضل أن أكون قريباً منها.. أوقفت السيارة أمام محل الفيديو .. نزلت إلى المحل .. اخترت عدة أفلام .. وانطلقت إلى المنزل.. فتحت الباب .. ناديت على زوجتي .. احضري الشاهي والمكسرات.. دخلت إلى الغرفة .. "يالها من زوجة معقدة" .. الآن ستقول لي:"اتق الله يا أحمد".. لقد تعودت على هذه الكلمات حتى تبلدت أحاسيسي نحوها.. لكنها زوجة مطيعة.. طيبة.. تشقى من أجل سعادتي.. دخلت ومعها الشاهي والمكسرات.. ابتسمت في وجهي .. قالت : لابد أنك سئمت السهر مع أصدقائك وتريد أن تجلس في البيت.. قلت : نعم .. تعالي واجلسي .. فرِحت وهمت أن تجلس .. وقمت أنا إلى جهاز الفيديو والتلفاز .. فانطلقت الموسيقى الصاخبة .. أرخت المسكينة رأسها وقالت : اتق الله يا أحمد.. وخرجت تجر أذيال الحسرة والهزيمة.. فهي لا تسمع الموسيقى .. ارتفعت الأصوات في الغرفة .. موسيقى .. صراخ .. ضحكات.. وانطلقت أشرب الشاهي .. وأتناول المكسرات .. وعيناي قد تسمرتا في شاشة التلفاز.. انتهى الشريط الأول .. والشريط الثاني .. الساعة تشير إلى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل .. فجأة .. مقبض الباب يتحرك ببطء .. صرخت : ماذا تريدين ؟ .. لم أسمع جواباً.. انفتح الباب.. دخلت ابنتي المريضة .. فاجأني الموقف .. سكت برهة ولم أتكلم .. اقتربت مني .. نظرت إليَّ بهدوووء .. ثم قالت : اتق الله يا بابا .. اتق الله يا بابا .. ثم انصرفت وأغلقت الباب.. ناديتها .. سارة .. سارة .. لم تجب .. انطلقت خلفها.. لا أكاد أصدق..هل هذه ابنتي ؟.. فتحت باب الغرفة.. وجدتها سبقتني إلى فراشها .. ونامت في حضن أُمها.. إنها هي.. عدت إلى غرفة الجلوس .. أغلقت جهاز الفيديو .. صوت ابنتي يملأ الغرفة .. اتق الله يا بابا .. اتق الله يا بابا .. قشعريرة سرت في جسدي .. تصبب العرق من رأسي.. لا أدري ماذا أصابني .. ما عدت أسمع إلا صوتها .. ولا أرى إلا صورتها .. كلماتها اخترقت كل الحواجز الجاثمة على صدري منذ زمن بعيد .. ترك صلاة .. معاصٍ .. دخان .. أفلام خليعة .. أيقظتني من الغفلة.. تسارعت نبضات قلبي .. وألقيت بجسدي على الأرض.. حاولت أن أنام .. لكنني لم أستطع .. مضى الوقت سريعاً .. صور من الماضي استعرضتها أمامي .. ومع كل صورة اسمع صوت ابنتي يتردد .. اتق الله .. اتق الله .. وهنا .. ارتفع صوت الأذان .. اهتزت جوانحي .. ارتعدت فرائصي .. رعشة سرت في أطرافي .. جعل يردد : " الصلاة خيرٌ من النوم " .. قلت : صدقت .. الصلاة خير من النوم .. أوووه .. لقد كنت نائماً كل هذه السنين.. توضأت وخرجت إلى المسجد .. مشيت في الطريق وكأني لا أعرفه .. كأن نسائم الفجر تعاتبني أين أنت ؟ .. وطيور السماء تقول : مرحباً بالنائم الذي استيقظ أخيراً.. دخلت المسجد .. صليت ركعتين .. وجلست اقرأ القرآن .. تلعثمت في القراءة .. منذ زمن لم أقرأ القرآن .. شعرت أن القرآن يسألني : لم هجرتني منذ سنوات .. ألستُ كلام ربك .. أخذت أردد في سورة الزمر : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً ) .. عجباً .. جميعاً .. ما أرحم الله بنا .. تمنيت أن استمر في القراءة .. لكن المؤذن .. أقام الصلاة .. تجمدت في مكاني لحظة ثم تقدمت مع الناس .. وقفت في الصف .. وكأنني غريب.. انتهت الصلاة..جلست في المسجد حتى أشرقت الشمس .. عدت إلى البيت.. فتحت باب الغرفة .. ألقيت نظرة على زوجتي وسارة .. كانتا نائمتين .. تركتهما وخرجت إلى العمل .. ليس من عادتي الذهاب مبكراً إلى العمل .. تفاجأ الزملاء بوجودي .. انطلقت عبارات التهنئة ممزوجة بالسخرية .. لم أبال بما يقولون .. تسمرت عيناي على الباب .. أنتظر قدوم إبراهيم .. زميلي في المكتب .. والذي طالما نصحني .. إنه شخص طيب الأخلاق .. حسن المعاملة .. حضر إبراهيم .. فقمت من مكاني استقبله .. لم يصدق عينيه .. سألني : أنت أحمد ؟!!.. قلت : نعم .. جذبت يده .. وقلت : أريد أن أحدثك .. قال : لا بأس .. نتحدث في المكتب .. قلت : لا .. نذهب إلى الاستراحة.. صمت إبراهيم .. وراح يصغي لكلماتي .. حدثته بحديث البارحة .. أمتلأت عيناه بالدموع .. وابتسم ابتسامة عريضه .. قال لي : ذاك نور أضاء قلبك فلا تطفئه بظلمة المعاصي.. كان يوماً حافلاً بالنشاط والجدية .. رغم أني لم أنم منذ البارحة .. ابتسامة تعلو وجهي .. تفانٍ في العمل .. المراجعون يتجهون نحوي .. يطلبون مني مساعدتهم .. بعضهم قال لي : ما هذا النشاط؟!..أجبته : إنها صلاة الفجر في المسجد.. مسكين إبراهيم .. كان يتحمل العبء الأكبر من العمل .. أما أنا فقد كنت أنام .. لم يشتك ولم يتذمر .. ياله من إنسان طيب .. نعم إنه الإيمان عندما تخالط حلاوته القلوب.. مضى الوقت ولم أشعر بالتعب والإرهاق .. قال لي إبراهيم : أحمد .. يجب أن تذهب إلى البيت .. فإنك لم تنم منذ البارحة .. وسأقوم بعملك .. نظرت إلى الساعة .. لم يبق على أذان الظهر سوى دقائق .. قررت البقاء.. أذن المؤذن .. فسارعت إلى المسجد .. جلست في الصف الأول .. شعرت بالندم على الأيام التي كنت أهرب فيها من العمل وقت الصلاة.. بعد الصلاة انطلقت إلى البيت .. في الطريق انتابني شعور بالقلق .. يا ترى كيف حال سارة ؟.. شعرت بانقباض .. لا أدري لماذا ؟! أحسست أن الطريق هذه المرة طويل .. ازداد الخوف .. رفعت رأسي إلى السماء .. دعوت الله أن يعجل بشفاء ابنتي.. وصلت إلى البيت .. فتحت الباب .. ناديت زوجتي .. لم أسمع جواباً .. دخلت الغرفة مسرعاً .. زوجتي منطوية على نفسها تبكي .. التفتت إليَّ .. صرخت وهي تبكي : لقد ماتت سارة .. لم أتبين ما تقول .. اندفعت نحو سارة .. ضممتها إلى صدري .. حاولت حملها .. سقطت يدها نحو الأرض .. جسمها بارد .. كذلك يداها وقدماها .. نبضها .. أنفاسها .. لم أسمع شيئاً .. نظرت إلى وجهها .. نورٌ يتلألأ .. كأنه كوكب دري .. ايقظتها .. حركتها .. هززتها .. صرخت أمها : سارة .. سارة .. لقد ماتت .. ماتت .. وانخرطت في البكاء.. لم أصدق ما أرى .. كأنه حلم .. انهمرت الدموع من عيني .. أخذت أشهق .. أنظر إلى وجهها الجميل .. وشعرها الناعم .. أقبِّل فمها الصغير .. كأنها تردد الآن : عيب عليك .. عيب عليك .. يا بابا .. تذكرت أن هذه مصيبة .. أخذت أردد .. لا حول ولا قوة إلا بالله .. إنا لله وإنا إليه راجعون .. اتصلت بإبراهيم .. قلت له : تعال فوراً .. لقد ماتت سارة .. النساء في الداخل مع زوجتي يغسلن ابنتي .. انتهين من تغسيلها .. لففن على جسدها الطاهر خرقة بيضاء .. نادتني زوجتي .. دخلت كي أودع سارة الوداع الأخير .. كدت أسقط على الأرض .. تماسكت .. قبلتها على جبينها .. عاهدتها على الثبات حتى الممات .. نظرت إلى أمها .. فإذا هي زائغة العينين .. شاحبة الوجه .. تنتفض .. قلت لها : لا تحزني .. فقد ذهبت إلى الجنة بإذن الله .. هناك سنلتقي .. فشمري كي تشفع لنا .. ثم قرأت قوله تعالى : {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كل امرئٍ بما كسب رهين}.. بكت الأم وبكيت أنا.. صلينا عليها صلاة الجنازة .. ثم سرنا بها إلى المقبرة .. أنظر إلى الجنازة وكأنني أنظر إلى النور الذي أضاء لي حياتي.. وصلنا المقبرة .. المكان موحش .. مخيف .. توجهنا إلى القبر .. وقفت على شفير القبر .. هنا سأضع ابنتي .. أمسك إبراهيم بكتفي وقال : اصبر يا أحمد.. نزلت إلى القبر .. إنها دارك يا أحمد .. ربما اليوم وربما غداً .. ماذا أعددت لهذه الدار .. ناداني إبراهيم : أحمد خذ البنت .. وضعتها على صدري .. وددت لو أدفنها فيه .. ضممتها .. قبلتها .. ثم وضعتها على شقها الأيمن .. وقلت : بسم الله وعلى ملة رسول الله .. صففت اللبن .. سددت كل المنافذ .. خرجت من القبر .. بدأ الناس يهيلون التراب .. لم أملك دموعي.. .. ذكريات تائب .. هو شيخ كبير .. نجلس إليه .. بعدما كبر سنه .. ورق عظمه .. وكف بصره .. وهو يحكي ذكريات شبابه .. نجلس إلى كعب بن مالك رضي الله عنه .. وهو يحكي ذكرياته .. في تخلفه عن غزوة تبوك .. وكانت آخر غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم .. آذن النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالرحيل وأراد أن يتأهبوا أهبة غزوهم .. وجمع منهم النفقات لتجهيز الجيش .. حتى بلغ عدد الجيش ثلاثين ألفاً .. وذلك حين طابت الظلال الثمار .. في حر شديد .. وسفر بعيد .. وعدو قوي عنيد .. وكان عدد المسلمين كثيراً .. ولم تكن أسماؤهم مجموعة في كتاب .. قال كعب – كما في الصحيحين - : وأنا أيسر ما كنت .. قد جمعت راحلتين .. وأنا أقدر شيء في نفسي على الجهاد .. وأنا في ذلك أصغي إلى الظلال .. وطيب الثمار .. فلم أزل كذلك .. حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم غادياً بالغداة .. فقلت : أنطلق غدا إلى السوق فأشتري جهازي .. ثم ألحق بهم .. فانطلقت إلى السوق من الغد .. فعسر علي بعض شأني .. فرجعت .. فقلت : أرجع غدا إن شاء الله فألحق بهم .. فعسر عليَّ بعض شأني أيضاً .. فقلت : أرجع غدا إن شاء الله .. فلم أزل كذلك .. حتى مضت الأيام .. وتخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فجعلت أمشي في الأسواق .. وأطوف بالمدينة .. فلا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق .. أو رجلاً قد عذره الله .. نعم تخلف كعب في المدينة .. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد مضى بأصحابه الثلاثين ألفاً .. حتى إذا وصل تبوك .. نظر في وجوه أصحابه .. فإذا هو يفقد رجلاً صالحاً ممن شهدوا بيعة العقبة .. فيقول صلى الله عليه وسلم : ما فعل كعب بن مالك ؟! فقال رجل : يا رسول الله .. خلفه برداه والنظر في عطفيه .. فقال معاذ بن جبل : بئس ما قلت .. والله يا نبي الله ما علمنا عليه إلا خيراً .. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قال كعب : فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك .. وأقبل راجعاً إلى المدينة .. جعلت أتذكر .. بماذا أخرج به من سخطه .. وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي .. حتى إذا وصل المدينة .. عرفتُ أني لا أنجو إلا بالصدق .. فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة .. فبدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين .. ثم جلس للناس .. فجاءه المخلفون .. فطفقوا يعتذرون إليه .. ويحلفون له .. وكانوا بضعة وثمانين رجلاً .. فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم .. واستغفر لهم .. ووكل سرائرهم إلى الله .. وجاءه كعب بن مالك .. فلما سلم عليه .. نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم .. ثم تبسَّم تبسُّم المغضب .. ثم قال له : تعال .. فأقبل كعب يمشي إليه .. فلما جلس بين يديه .. قال له صلى الله عليه وسلم : ما خلفك .. ألم تكن قد ابتعت ظهرك ؟ قال : بلى .. قال : فما خلفك ؟! فقال كعب : يا رسول الله .. إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا .. لرأيت أني أخرج من سخطه بعذر .. ولقد أعطيت جدلاً .. ولكني والله لقد علمت .. أني إن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به علي .. ليوشكن الله أن يسخطك علي .. ولئن حدثتك حديث صدق .. تجد عليَّ فيه .. إني لأرجو فيه عفوَ الله عني .. يا رسول الله .. والله ما كان لي من عذر .. والله ما كنت قط أقوى .. ولا أيسر مني حين تخلفت عنك .. ثم سكت كعب .. فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه .. وقال : أما هذا .. فقد صدقكم الحديث .. فقم .. حتى يقضي الله فيك .. فقام كعب يجر خطاه .. وخرج من المسجد .. مهموماً مكروباً .. لا يدري ما يقضي الله فيه .. فلما رأى قومه ذلك .. تبعه رجال منهم .. وأخذوا يلومونه .. ويقولون : والله ما نعلمك أذنبت ذنباً قط .. قبل هذا .. إنك رجل شاعر .. أعجزت ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون .. هلا اعتذرت بعذر يرضى عنك فيه .. ثم يستغفر لك .. فيغفر الله لك .. قال كعب : فلم يزالوا يؤنبونني .. حتى هممت أن أرجع فأكذب نفسي .. فقلت : هل لقي هذا معي أحد ؟ قالوا : نعم .. رجلان قالا مثل ما قلت .. فقيل لهما مثل ما قيل لك .. قلت : من هما ؟ قالوا : مرارة بن الربيع .. وهلال بن أمية .. فإذا هما رجلان صالحان قد شهدا بدراً .. لي فيهما أسوة .. فقلت : والله لا أرجع إليه في هذا أبداً .. ولا أكذب نفسي .. * * * * * * * * * ثم مضى كعب رضي الله عنه .. حزيناً .. كسير النفس .. وقعد في بيته .. فلم يمضِ وقت .. حتى نهى النبي صلى الله عليه وسلم الناس عن كلام كعب وصاحبيه .. قال كعب : فاجتنبنا الناس .. وتغيروا لنا .. فجعلت أخرج إلى السوق .. فلا يكلمني أحد .. وتنكر لنا الناس .. حتى ما هم بالذين نعرف .. وتنكرت لنا الحيطان .. حتى ما هي بالحيطان التي نعرف .. وتنكرت لنا الأرض .. حتى ما هي بالأرض التي نعرف .. فأما صاحباي فجلسا في بيوتهما يبكيان .. جعلا يبكيان الليل والنهار .. ولا يطلعان رؤوسهما .. ويتعبدان كأنهما الرهبان .. وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم .. فكنت أخرج .. فأشهد الصلاة مع المسلمين .. وأطوف في الأسواق .. ولا يكلمني أحد .. وآتي المسجد فأدخل .. وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه .. فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟ ثم أصلي قريباً منه .. فأسارقه النظر .. فإذا أقبلت على صلاتي .. أقبل إلي .. وإذا التفتُّ نحوه .. أعرض عني .. * * * * * * * * * ومضت على كعب الأيام .. والآلام تلد الآلام .. وهو الرجل الشريف في قومه .. بل هو من أبلغ الشعراء .. عرفه الملوك والأمراء .. وسرت أشعاره عند العظماء .. حتى تمنوا لقياه .. ثم هو اليوم .. في المدينة .. بين قومه .. لا أحد يكلمه .. ولا ينظر إليه .. حتى .. إذا اشتدت عليه الغربة .. وضاقت عليه الكربة .. نزل به امتحان آخر : فبينما هو يطوف في السوق يوماً .. إذا رجل نصراني جاء من الشام .. فإذا هو يقول : من يدلني على كعب بن مالك .. ؟ فطفق الناس يشيرون له إلى كعب .. فأتاه .. فناوله صحيفة من ملك غسان .. عجباً !! من ملك غسان ..!! إذاً قد وصل خبره إلى بلاد الشام .. واهتم به ملك الغساسنة .. فماذا يريد الملك ؟!! فتح كعب الرسالة فإذا فيها .. أما بعد .. يا كعب بن مالك .. إنه بلغني أن صاحبك قد جفاك وأقصاك .. ولست بدار مضيعة ولا هوان .. فالحق بنا نواسك .. فلما أتم قراءة الرسالة .. قال رضي الله عنه : إنا لله .. قد طمع فيَّ أهل الكفر .. هذا أيضاً من البلاء والشر .. ثم مضى بالرسالة فوراً إلى التنور .. فأشعله ثم أحرقها فيه .. ولم يلتفت كعب إلى إغراء الملك .. نعم فُتح له باب إلى بلاط الملوك .. وقصور العظماء .. يدعونه إلى الكرامة والصحبة .. والمدينة من حوله تتجهمه .. والوجوه تعبس في وجهه .. يسلم فلا يرد عليه السلام .. ويسأل فلا يسمع الجواب .. ومع ذلك لم يلتفت إلى الكفار .. ولم يفلح الشيطان في زعزعته .. أو تعبيده لشهوته .. ألقى الرسالة في النار .. وأحرقها .. * * * * * * * * * ومضت الأيام تتلوها الأيام .. وانقضى شهر كامل .. وكعب على هذا الحال .. والحصار يشتد خناقه .. والضيق يزداد ثقله .. فلا الرسول صلى الله عليه وسلم يُمضي .. ولا الوحي بالحكم يقضي .. فلما اكتملت أربعون يوماً .. فإذا رسول من النبي صلى الله عليه وسلم يأتي إلى كعب .. فيطرق عليه الباب .. فيخرج كعب إليه .. لعله جاء بالفرج .. فإذا الرسول يقول له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك .. قال : أطلقها .. أم ماذا ؟ قال : لا .. ولكن اعتزلها ولا تقربها .. فدخل كعب على امرأته وقال : الحقي بأهلك .. فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر .. وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى صاحبي كعب بمثل ذلك .. فجاءت امرأة هلال بن أمية .. فقالت : يا رسول الله .. إن هلال بن أمية شيخ كبير ضعيف .. فهل تأذن لي أن أخدمه ..؟ قال : نعم .. ولكن لا يقربنك .. فقالت المرأة : يا نبي الله .. والله ما به من حركة لشيء .. ما زال مكتئباً .. يبكي الليل والنهار .. منذ كان من أمره ما كان .. * * * * * * * * * ومرت الأيام ثقيلة على كعب ..واشتدت الجفوة عليه ..حتى صار يراجع إيمانه .. يكلم المسلمين ولا يكلمونه .. ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يرد عليه .. فإلى أين يذهب ..!! ومن يستشير !؟ قال كعب رضي الله عنه : فلما طال عليَّ البلاء .. ذهبت إلى أبي قتادة .. وهو ابن عمي .. وأحب الناس إليَّ .. فإذا هو في حائط بستانه .. فتسورت الجدار عليه .. ودخلت .. فسلمت عليه .. فوالله ما رد علي السلام .. فقلت : أنشدك الله .. يا أبا قتادة .. أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟ فسكت .. فقلت : يا أبا قتادة .. أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟ فسكت .. فقلت : أنشدك الله .. يا أبا قتادة .. أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟ فقال : الله ورسوله أعلم .. سمع كعب هذا الجواب .. من ابن عمه وأحب الناس إليه .. لا يدري أهو مؤمن أم لا ؟ فلم يستطع أن يتجلد لما سمعه .. وفاضت عيناه بالدموع .. ثم اقتحم الحائط خارجاً .. وذهب إلى منزله .. وجلس فيه .. يقلب طرفه بين جدرانه .. لا زوجة تجالسه .. ولا قريب يؤانسه .. وقد مضت عليهم خمسون ليلة .. من حين نهى النبي صلى الله عليه وسلم الناس عن كلامهم .. * * * * * * * * * وفي الليلة الخمسين .. نزلت توبتهم على النبي صلى الله عليه وسلم ثلث الليل .. فقالت أم سلمة رضي الله عنها : يا نبي الله .. ألا نبشر كعب بن مالك .. قال : إذا يحطمكم الناس .. ويمنعونكم النوم سائر الليلة .. فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الفجر .. آذن الناس بتوبة الله علينا .. فانطلق الناس يبشرونهم .. قال كعب : وكنت قد صليت الفجر على سطح بيت من بيوتنا .. فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى .. قد ضاقت علي نفسي .. وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت .. وما من شيء أهم إليّ .. من أن أموت .. فلا يصلي عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم .. أو يموت .. فأكون من الناس بتلك المنزلة .. فلا يكلمني أحد منهم .. ولا يصلي عليَّ .. فبينما أنا على ذلك .. إذ سمعت صوت صارخ .. على جبل سلع بأعلى صوته يقول : يا كعب بن مالك ! .. أبشر .. فخررت ساجداً .. وعرفت أن قد جاء فرج من الله .. وأقبل إليَّ رجل على فرس .. والآخر صاح من فوق جبل .. وكان الصوت أسرع من الفرس .. فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني .. نزعت له ثوبيَّ فكسوته إياهما ببشراه .. والله ما أملك غيرهما .. واستعرت ثوبين .. فلسبتهما .. وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فتلقاني الناس فوجاً .. فوجاً .. يهنئوني بالتوبة .. يقولون : ليهنك توبة الله عليك .. حتى دخلت المسجد .. فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهو يبرق وجهه من السرور .. وكان إذا سُرَّ استنار وجهه .. حتى كأنه قطعة قمر .. فقال لي : أبشر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمك .. قلت : أمن عندك يا رسول الله .. أم من عند الله ؟ قال : لا .. بل من عند الله .. ثم تلا الآيات .. فلما جلست بين يديه .. قلت : يا رسول الله ! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله .. وإلى رسوله .. فقال : أمسك عليك بعض مالك .. فهو خير لك .. فقلت : يا رسول الله ! إن الله إنما نجاني بالصدق .. وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقاً ما بقيت .. نعم .. تاب الله على كعب وصاحبيه .. وأنزل في ذلك قرءاناً يتلى .. فقال عز وجل : { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ *وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } .. .. في بطن الحوت .. كل الناس يذكرون الله عند الشدائد .. لكن منهم من يذكره ويطيعه .. فإذا زالت الشدة عصاه ونساه .. ومنهم من يستمر صلاحه وتوبته .. يونس عليه السلام .. دعا قومه إلى الإيمان .. فأعرضوا وتكبروا .. فغضب .. وركب البحر مع سفينة .. فلما ثقلت بهم خافوا أن يغرقوا جميعاً .. فعلموا أنه لا بد أن يخففوا الحمل بإلقاء أحد ركابها إلى البحر .. عملوا القرعة مراراً فوقعت على يونس .. ألقوه في البحر .. فالتقمه الحوت .. ثم نزل به إلى الأعماق .. كل شيء حدث بسرعة .. يونس في الظلمات .. تسمع حوله .. فإذا به يسمع تسبيح الحصى الذي في قعر البحر .. فانتفض .. ( فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) .. فقرعت كلماته أبواب السماء .. فنزل عليه الفرج .. هذا خبر يونس النبي عليه الصلاة والسلام .. أما يونس اليوم فيقول : كنت شاباً أظن أن الحياة .. مال وفير .. وفراش وثير .. ومركب وطيء .. وكان يوم جمعة .. جلست مع مجموعة من رفقاء الدرب على الشاطئ .. وهم كالعادة مجموعة من القلوب الغافلة .. سمعت النداء حي على الصلاة .. حي على الفلاح .. أقسم أني سمعت الأذان طوال حياتي .. ولكني لم أفقه يوماً معنى كلمة فلاح .. طبع الشيطان على قلبي .. حتى صارت كلمات الأذان كأنها تقال بلغة لا أفهمها .. كان الناس حولنا يفرشون سجاداتهم .. ويجتمعون للصلاة .. ونحن كنا نجهز عدة الغوص وأنابيب الهواء .. استعداداً لرحلة تحت الماء.. لبسنا عدة الغوص .. ودخلنا البحر .. بعدنا عن الشاطئ .. حتى صرنا في بطن البحر .. كان كل شيء على ما يرام .. الرحلة جميلة .. وفي غمرة المتعة .. فجأة تمزقت القطعة المطاطية التي يطبق عليها الغواص بأسنانه وشفتيه لتحول دون دخول الماء إلى الفم .. ولتمده بالهواء من الأنبوب .. وتمزقت أثناء دخول الهواء إلى رئتي .. وفجأة أغلقت قطرات الماء المالح المجرى التنفسي... وبدأت أموت .. بدأت رئتي تستغيث وتنتفض .. تريد هواء .. أي هواء .. أخذت اضطرب .. البحر مظلم .. رفاقي بعيدون عني .. بدأت أدرك خطورة الموقف .. إنني أموت .. بدأت أشهق .. وأشرق بالماء المالح.. بدأ شريط حياتي بالمرور أمام عيني .. مع أول شهقة .. عرفت كم أنا ضعيف .. بضع قطرات مالحة سلطها الله علي ليريني أنه هو القوي الجبار .. آمنت أنه لا ملجأ من الله إلا إليه... حاولت التحرك بسرعة للخروج من الماء .. إلا أني كنت على عمق كبير .. ليست المشكلة أن أموت .. المشكلة كيف سألقى الله ؟! إذا سألني عن عملي .. ماذا سأقول ؟ أما ما أحاسب عنه .. الصلاة .. وقد ضيعتها .. تذكرت الشهادتين .. فأردت أن يختم لي بهما .. فقلت أشهـ .. فغصَّ حلقي .. وكأن يداً خفية تطبق على رقبتي لتمنعني من نطقها .. حاولت جاهداً .. أشهـ .. أشهـ .. بدأ قلبي يصرخ : ربي ارجعون .. ربي ارجعون .. ساعة .. دقيقة .. لحظة .. ولكن هيهات.. بدأت أفقد الشعور بكل شيء .. أحاطت بي ظلمة غريبة .. هذا آخر ما أتذكر .. لكن رحمة ربي كانت أوسع .. فجأة بدأ الهواء يتسرب إلى صدري مرة أخرى .. انقشعت الظلمة .. فتحت عيني .. فإذا أحد الأصحاب .. يثبت خرطوم الهواء في فمي .. ويحاول إنعاشي .. ونحن مازلنا في بطن البحر .. رأيت ابتسامة على محياه .. فهمت منها أنني بخير .. عندها صاح قلبي .. ولساني .. وكل خلية في جسدي .. أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمد رسول الله .. الحمد لله .. خرجت من الماء .. وأنا شخص أخر .. تغيرت نظرتي للحياة .. أصبحت الأيام تزيدني من الله قرباً .. أدركت سرَّ وجودي في الحياة .. تذكرت قول الله ( إلا ليعبدون ) .. صحيح .. ما خلقنا عبثاً .. مرت أيام .. فتذكرت تلك الحادثة .. فذهبت إلى البحر .. ولبست لباس الغوص .. ثم أقبلت إلى الماء .. وحدي وتوجهت إلى المكان نفسه في بطن البحر .. وسجدت لله تعالى سجدة ما أذكر اني سجدت مثلها في حياتي .. في مكان لا أظن أن إنساناً قبلي قد سجد فيه لله تعالى .. عسى أن يشهد علي هذا المكان يوم القيامة فيرحمني الله بسجدتي في بطن البحر ويدخلني جنته اللهم أمين .. وغدراتي وفجراتي !! ربنا أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا .. ومن سعة رحمته .. أنه عرض التوبة على كل أحد .. مهما أشرك العبد وكفر .. أو طغى وتجبر .. فإن الرحمة معروضة عليه .. وباب التوبة مشرع بين يديه .. وانظر إلى ذاك ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) الهرم .. الذي .. كبر سنه .. وانحنى ظهره .. ورق عظمه .. أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهو جالس بين أصحابه يوماً .. يجر خطاه .. وقد سقط حاجباه على عينيه .. وهو يدّعم على عصا .. جاء يمشي .. حتى قام بين يديّ النبي صلى الله عليه وسلم .. فقال بصوت تصارعه الآلام .. يا رسول الله .. أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها .. فلم يترك منها شيئاً .. وهو في ذلك لم يترك حاجة .. ولا داجة .. أي صغيرة ولا كبيرة .. إلا أتاها .. لو قسّمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم .. فهل لذلك من توبة ؟ فرفع النبي صلى الله عليه وسلم بصره إليه .. فإذا شيخ قد انحنى ظهره .. واضطرب أمره .. قد هده مر السنين والأعوام .. وأهلكته الشهوات والآلام .. فقال له صلى الله عليه وسلم : فهل أسلمت ؟ قال : أما أنا .. فأشهد أن لا إله إلا الله .. وأنك رسول الله .. فقال صلى الله عليه وسلم: تفعل الخيرات .. وتترك السيئات .. فيجعلهن الله لك خيرات كلهن .. فقال ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) : وغدراتي .. وفجراتني .. فقال : نعم .. فصاح ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) : الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. فما زال يكبر حتى توارى عنهم .. الحديث : رواه الطبراني والبزار ، وقال المنذري : إسناده جيد قوي ،وقال ابن حجر هو على شرط الصحيح . هل تطرحه في النار ؟! الله أرحم بعباده .. من آبائهم وأمهاتهم .. في الصحيحين : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى من حرب ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) .. أُتي إليه بعد المعركة .. بأطفال الكفار ونسائهم .. ثم جمعوا في مكان .. فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليهم .. فإذا امرأة من السبي .. أم ثكلى .. تجر خطاها .. تبحث عن ولدها .. وفلذة كبدها .. قد اضطرب أمرها .. وطار صوابها .. واشتدّ مصابها .. تطوف على الأطفال الرضع .. تنظر في وجوههم .. يكاد ثديها يتفجر من احتباس اللبن فيه .. تتمنى لو أن طفلها بين يديها .. تضمه ضمة .. وتشمه شمة .. ولو كلفها ذلك حياتها .. فبينما هي على ذلك .. إذ وجدت ولدها .. فلما رأته جف دمعها .. وعاد صوابها .. ثم انكبت عليه .. وانطرحت بين يديه .. وقد رحمت جوعه وتعبه .. وبكاءه ونصبه ..أخذت تضمه وتقبله .. ثم ألصقته بصدرها .. وألقمته ثديها .. فنظر الرحيم الشفيق إليها .. وقد أضناها التعب .. وعظم النصب .. وقد طال شوقها إلى ولدها .. واشتد مصابه ومصابها .. فلما رأى ذلها .. وانكسارها .. وفجيعتها بولدها .. التفت إلى أصحابه ثم قال : أتُرَون هذه .. طارحة ولدها في النار .. يعني لو أشعلنا ناراً وأمرناها أن تطرح ولدها فيها .. أترون أنها ترضى .. فعجب الصحابة الكرام : كيف تطرحه في النار .. وهو فلذة كبدها .. وعصارة قلبها ..كيف تطرحه .. وهي تلثمه .. وتقبله .. وتغسل وجهه بدموعها .. كيف تطرحه .. وهي الأم الرحيمة .. والوالدة الشفيقة .. قالوا : لا .. والله .. يا رسول الله .. لا تطرحه في النار .. وهي تقدر على أن لا تطرحه .. فقال صلى الله عليه وسلم : والله .. لله .. أرحم بعباده من هذه بولدها ..

في بطن الحوت-الجزء الاول للشيخ محمد العريفي

Posted: 11 Oct 2012 09:47 AM PDT


في بطن الحوت-الجزء الاول للشيخ محمد العريفي

. أعمى يسدد الهدف .. لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي.. ما زلت أذكر تلك الليلة .. بقيت إلى آخر الليل مع الشّلة في إحدى الاستراحات .. كانت سهرة مليئة بالكلام الفارغ .. بل بالغيبة والتعليقات المحرمة .. كنت أنا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم .. وغيبة الناس .. وهم يضحكون .. أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيراً.. كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد .. بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه .. أجل كنت أسخر من هذا وذاك .. لم يسلم أحد منّي أحد حتى أصحابي .. صار بعض الناس يتجنّبني كي يسلم من لساني .. أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق.. والأدهى أنّي وضعت قدمي أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا يدري ما يقول .. وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق .. عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة .. وجدت زوجتي في انتظاري .. كانت في حالة يرثى لها .. قالت بصوت متهدج : راشد .. أين كنتَ ؟ قلت ساخراً : في المريخ .. عند أصحابي بالطبع .. كان الإعياء ظاهراً عليها .. قالت والعبرة تخنقها: راشد… أنا تعبة جداً .. الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكا .. سقطت دمعة صامته على خدها .. أحسست أنّي أهملت زوجتي .. كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي .. خاصة أنّها في شهرها التاسع .. حملتها إلى المستشفى بسرعة .. دخلت غرفة الولادة .. جعلت تقاسي الآلام ساعات طوال .. كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر .. تعسرت ولادتها .. فانتظرت طويلاً حتى تعبت .. فذهبت إلى البيت .. وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني .. بعد ساعة .. اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم .. ذهبت إلى المستشفى فوراً .. أول ما رأوني أسأل عن غرفتها .. طلبوا منّي مراجعة الطبيبة التي أشرفت على ولادة زوجتي .. صرختُ بهم : أيُّ طبيبة ؟! المهم أن أرى ابني سالم .. قالوا .. أولاً .. راجع الطبيبة .. دخلت على الطبيبة .. كلمتني عن المصائب .. والرضى بالأقدار .. ثم قالت : ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر !! خفضت رأسي .. وأنا أدافع عبراتي .. تذكّرت ذاك المتسوّل الأعمى .. الذي دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس .. سبحان الله كما تدين تدان ! بقيت واجماً قليلاً .. لا أدري ماذا أقول .. ثم تذكرت زوجتي وولدي .. فشكرت الطبيبة على لطفها .. ومضيت لأرى زوجتي .. لم تحزن زوجتي .. كانت مؤمنة بقضاء الله .. راضية .. طالما نصحتني أن أكف عن الاستهزاء بالناس .. كانت تردد دائماً .. لا تغتب الناس .. خرجنا من المستشفى .. وخرج سالم معنا .. في الحقيقة .. لم أكن أهتم به كثيراً.. اعتبرته غير موجود في المنزل .. حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصالة لأنام فيها .. كانت زوجتي تهتم به كثيراً .. وتحبّه كثيراً .. أما أنا فلم أكن أكرهه .. لكني لم أستطع أن أحبّه ! كبر سالم .. بدأ يحبو .. كانت حبوته غريبة .. قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي .. فاكتشفنا أنّه أعرج .. أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر .. أنجبت زوجتي بعده عمر وخالداً .. مرّت السنوات .. وكبر سالم .. وكبر أخواه .. كنت لا أحب الجلوس في البيت .. دائماً مع أصحابي .. في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم .. لم تيأس زوجتي من إصلاحي.. كانت تدعو لي دائماً بالهداية .. لم تغضب من تصرّفاتي الطائشة .. لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم واهتمامي بباقي إخوته .. كبر سالم .. وكبُر معه همي .. لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى المدارس الخاصة بالمعاقين .. لم أكن أحس بمرور السنوات .. أيّامي سواء .. عمل ونوم وطعام وسهر .. في يوم جمعة .. استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً.. ما يزال الوقت مبكراً بالنسبة لي .. كنت مدعواً إلى وليمة .. لبست وتعطّرت وهممت بالخروج .. مررت بصالة المنزل .. استوقفني منظر سالم .. كان يبكي بحرقة ! إنّها المرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان طفلاً .. عشر سنوات مضت .. لم ألتفت إليه .. حاولت أن أتجاهله .. فلم أحتمل .. كنت أسمع صوته ينادي أمه وأنا في الغرفة .. التفت .. ثم اقتربت منه .. قلت : سالم ! لماذا تبكي ؟! حين سمع صوتي توقّف عن البكاء .. فلما شعر بقربي .. بدأ يتحسّس ما حوله بيديه الصغيرتين .. ما بِه يا ترى؟! اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني !! وكأنه يقول : الآن أحسست بي .. أين أنت منذ عشر سنوات ؟! تبعته .. كان قد دخل غرفته .. رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه .. حاولت التلطف معه .. بدأ سالم يبين سبب بكائه .. وأنا أستمع إليه وأنتفض .. تدري ما السبب !! تأخّر عليه أخوه عمر .. الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد .. ولأنها صلاة جمعة .. خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل .. نادى عمر .. ونادى والدته .. ولكن لا مجيب .. فبكى .. أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين .. لم أستطع أن أتحمل بقية كلامه .. وضعت يدي على فمه .. وقلت : لذلك بكيت يا سالم !!.. قال : نعم .. نسيت أصحابي .. ونسيت الوليمة .. وقلت : سالم لا تحزن .. هل تعلم من سيذهب بك اليوم إلى المسجد؟ .. قال : أكيد عمر .. لكنه يتأخر دائماً .. قلت : لا .. بل أنا سأذهب بك .. دهش سالم .. لم يصدّق .. ظنّ أنّي أسخر منه .. استعبر ثم بكى .. مسحت دموعه بيدي .. وأمسكت يده .. أردت أن أوصله بالسيّارة .. رفض قائلاً : المسجد قريب .. أريد أن أخطو إلى المسجد .. - إي والله قال لي ذلك - .. لا أذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيها المسجد .. لكنها المرّة الأولى التي أشعر فيها بالخوف .. والنّدم على ما فرّطته طوال السنوات الماضية .. كان المسجد مليئاً بالمصلّين .. إلاّ أنّي وجدت لسالم مكاناً في الصف الأوّل .. استمعنا لخطبة الجمعة معاً وصلى بجانبي .. بل في الحقيقة أنا صليت بجانبه .. بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً .. استغربت !! كيف سيقرأ وهو أعمى ؟ كدت أن أتجاهل طلبه .. لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره .. ناولته المصحف .. طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف.. أخذت أقلب الصفحات تارة .. وأنظر في الفهرس تارة .. حتى وجدتها .. أخذ مني المصحف .. ثم وضعه أمامه .. وبدأ في قراءة السورة .. وعيناه مغمضتان .. يا الله !! إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة !! خجلت من نفسي.. أمسكت مصحفاً .. أحسست برعشة في أوصالي.. قرأت .. وقرأت.. دعوت الله أن يغفر لي ويهديني .. لم أستطع الاحتمال .. فبدأت أبكي كالأطفال .. كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة .. خجلت منهم .. فحاولت أن أكتم بكائي .. تحول البكاء إلى نشيج وشهيق .. لم أشعر إلاّ بيد صغيرة تتلمس وجهي .. ثم تمسح عنّي دموعي .. إنه سالم !! ضممته إلى صدري .. نظرت إليه .. قلت في نفسي .. لست أنت الأعمى .. بل أنا الأعمى .. حين انسقت وراء فساق يجرونني إلى النار .. عدنا إلى المنزل .. كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم .. لكن قلقها تحوّل إلى دموع حين علمت أنّي صلّيت الجمعة مع سالم .. من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد .. هجرت رفقاء السوء .. وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد.. ذقت طعم الإيمان معهم .. عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا .. لم أفوّت حلقة ذكر أو صلاة الوتر .. ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر .. رطّبت لساني بالذكر لعلّ الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من النّاس .. أحسست أنّي أكثر قرباً من أسرتي .. اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتي .. الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم .. من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها .. حمدت الله كثيراً على نعمه .. ذات يوم .. قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى المناطق البعيدة للدعوة .. تردّدت في الذهاب.. استخرت الله .. واستشرت زوجتي .. توقعت أنها سترفض .. لكن حدث العكس ! فرحت كثيراً .. بل شجّعتني ..فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون استشارتها فسقاً وفجوراً .. توجهت إلى سالم .. أخبرته أني مسافر .. ضمني بذراعيه الصغيرين مودعاً .. تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف .. كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما سنحت لي الفرصة بزوجتي وأحدّث أبنائي .. اشتقت إليهم كثيراً .. آآآه كم اشتقت إلى سالم !! تمنّيت سماع صوته .. هو الوحيد الذي لم يحدّثني منذ سافرت .. إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم .. كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه .. كانت تضحك فرحاً وبشراً .. إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها .. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة .. تغيّر صوتها .. قلت لها : أبلغي سلامي لسالم .. فقالت : إن شاء الله .. وسكتت .. أخيراً عدت إلى المنزل .. طرقت الباب .. تمنّيت أن يفتح لي سالم .. لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره .. حملته بين ذراعي وهو يصرخ : بابا .. يابا .. لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت .. استعذت بالله من الشيطان الرجيم .. أقبلت إليّ زوجتي .. كان وجهها متغيراً .. كأنها تتصنع الفرح .. تأمّلتها جيداً .. ثم سألتها : ما بكِ؟ قالت : لا شيء .. فجأة تذكّرت سالماً .. فقلت .. أين سالم ؟ خفضت رأسها .. لم تجب .. سقطت دمعات حارة على خديها .. صرخت بها .. سالم .. أين سالم ..؟ لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد .. يقول بلثغته : بابا .. ثالم لاح الجنّة .. عند الله.. لم تتحمل زوجتي الموقف .. أجهشت بالبكاء .. كادت أن تسقط على الأرض .. فخرجت من الغرفة .. عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين .. فأخذته زوجتي إلى المستشفى .. فاشتدت عليه الحمى .. ولم تفارقه .. حين فارقت روحه جسده .. .. الملك .. بعض الناس .. تشتاق نفسه إلى الهداية .. لكنه يمنعه الكبر من اتباع شعائر الدين .. نعم يتكبر عن تقصير ثوبه فوق الكعبين .. وإعفاء لحيته ومخالفة المشركين .. فجمال مظهره أعظم عنده من طاعة ربه .. وبعض النساء كذلك .. لا تزال تتساهل بأمر الحجاب .. حرصاً على تكميل زينتها .. وحسن بزتها .. أو تعصي ربها بنتف حاجبها .. أو تضييق لباسها .. وإذا نصحت استكبرت وطغت .. ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر .. فكيف إذا كان هذا الكبر مانعاً من الهداية .. كان جبلة بن الأيهم .. ملكاً من ملوك غسان .. دخل إلى قلبه الإيمان .. فأسلم ثم كتب إلى الخليفة عمر رضي الله عنه .. يستأذنه في القدوم عليه .. سرّ عمرُ والمسلمون لذلك سروراً عظيماً .. وكتب إليه عمر : أن اقدم إلينا .. ولك مالنا وعليك ما علينا .. فأقبل جبلة في خمسمائة فارس من قومه .. فلما دنا من المدينة لبس ثياباً منسوجة بالذهب .. ووضع على رأسه تاجاً مرصعاً بالجوهر .. وألبس جنوده ثياباً فاخرة .. ثم دخل المدينة .. فلم يبق أحد إلا خرج ينظر إليه حتى النساء والصبيان .. فلما دخل على عمر رحَّب به وأدنى مجلسه ! .. فلما دخل موسم الحج .. حج عمر وخرج معه جبلة .. فبينا هو يطوف بالبيت إذ وطئ على إزاره رجل فقير من بني فزارة .. فالتفت إليه جبلة مغضباً .. فلطمه فهشم أنفه .. فغضب الفزاري .. واشتكاه إلى عمر بن الخطاب .. فبعث إليه فقال : ما دعاك يا جبلة إلى أن لطمت أخاك في الطواف .. فهشمت أنفه ! فقال : إنه وطئ إزاري ؟ ولولا حرمة البيت لضربت عنقه .. فقال له عمر : أما الآن فقد أقررت .. فإما أن ترضيه .. وإلا اقتص منك ولطمك على وجهك .. قال : يقتص مني وأنا ملك وهو سوقة ! قال عمر : يا جبلة .. إن الإسلام قد ساوى بينك وبينه .. فما تفضله بشيء إلا بالتقوى .. قال جبلة : إذن أتنصر .. قال عمر : من بدل دينه فاقتلوه .. فإن تنصرت ضربت عنقك .. فقال : أخّرني إلى غدٍ يا أمير المؤمنين .. قال : لك ذلك .. فلما كان الليل خرج جبلةُ وأصحابُه من مكة .. وسار إلى القسطنطينية فتنصّر .. فلما مضى عليه زمان هناك .. ذهبت اللذات .. وبقيت الحسرات .. فتذكر أيام إسلامه .. ولذة صلاته وصيامه .. فندم على ترك الدين .. والشرك برب العالمين .. فجعل يبكي ويقول : تنصرت الأشراف من عار لطمة * وما كان فيها لو صبرت لها ضرر تكنفني منها لجاج ونخوة * وبعت لها العين الصحيحة بالعور فياليت أمي لم تلدني وليتني * رجعت إلى القول الذي قال لي عمر وياليتني أرعى المخاض بقفرة * وكنت أسير في ربيعة أو مضر وياليت لي بالشام أدنى معيشة * أجالس قومي ذاهب السمع والبصر ثم ما زال على نصرانيته حتى مات .. نعم .. مات على الكفر لأنه تكبر عن الذلة لشرع رب العالمين .. .. شيخ في مرقص .. قال لي : كان في حارتنا مسجد صغير يؤم الناس فيه شيخ كبير .. قضى حياته في الصلاة والتعليم .. لاحظ أن عدد المصلين يتناقص .. كان مهتماً بهم .. يشعر أنهم أولاده .. ذات يوم التفت ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) إلى المصلين وقال لهم : ما بال أكثر الناس .. خاصة الشباب لا يقربون المسجد ولا يعرفونه .. فأجابه المصلون : إنهم في المراقص والملاهي .. قال ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) : مراقص !! وما المراقص ؟ فقال أحد المصلين : المرقص صالة كبيرة فيها خشبة مرتفعة .. تصعد عليها الفتيات يرقصن والناس حولهن ينظرون إليهن .. قال ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) : أعوذ بالله .. والذين ينظرون إليهن مسلمون .. قالوا : نعم .. فقال بكل براءة : لا حول ولا قوة إلا بالله .. يجب أن ننصح الناس .. قالوا : يا شيخ .. أتعظ الناس وتنصحهم في المرقص ..؟ فقال نعم .. ثم نهض خارجاً من المسجد .. وهو يقول : هيا بنا إلى المرقص .. حاولوا أن يثنوه عن عزمه .. أخبروه أنهم سيواجهون بالسخرية والاستهزاء .. وسينالهم الأذى .. فقال : وهل نحن خير من محمد صلى الله عليه وسلم !! ثم أمسك ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) بيد أحد المصلين .. وقال : دلني على المرقص .. مضى ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) يمشي .. بكل صدق وثبات .. وصلوا إلى المرقص .. رآهم صاحب المرقص من بعيد .. ظن أنهم ذاهبين لدرس أو محاضرة .. فلما أقبلوا عليه .. تعجب .. فلما توجهوا إلى باب المرقص .. سألهم : ماذا تريدون ؟ قال ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) : نريد أن ننصح من في المرقص .. تعجب صاحب المرقص .. وأخذ ينظر إليهم .. واعتذر عن قبولهم .. أخذ ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) يساومه .. ويذكره بالثواب العظيم .. لكنه أبى .. فأخذ يساومه بالمال ليأذن لهم .. حتى دفعوا له مبلغاً من المال يعادل دخله اليومي .. فوافق صاحب المرقص .. وطلب منهم أن يحضروا في الغد عند بدء العرض اليومي ! فلما كان الغد والناس في المرقص .. وخشبة المسرح تعج بالمنكرات .. والشياطين تحف الناس وتصفق لهم .. وفجأة أسدل الستار .. ثم فُتح .. فإذا شيخ وقور يجلس على كرسي .. دُهش الناس .. وتعجبوا .. ظن بعضهم أنها فقرة فكاهية .. بدأ ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) بالبسملة .. والحمد لله .. والثناء عليه .. وصلى على النبي عليه الصلاة والسلام .. ثم بدأ في وعظ الناس .. نظر الناس بعضهم إلى بعض .. منهم من يضحك .. ومنهم من ينتقد .. ومنهم من يعلق بسخرية .. و( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) ماض في موعظته لا يلتفت إليهم .. حتى قام أحد الحضور .. وأسكت الناس .. وطلب منهم الإنصات .. بدأ الهدوء يحيط بالناس .. والسكينة تنزل على القلوب .. حتى هدأت الأصوات .. فلا تسمع إلا صوت ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) .. قال كلاماً ما سمعوه من قبل .. آيات تهز الجبال .. وأحاديث وأمثال .. وقصص لتوبة بعض العصاة .. وأخذ يدافع عبراته ويقول .. يا أيها الناس .. إنكم عشتم طويلاً .. وعصيتم الله كثيراً .. فأين ذهبت لذة المعصية .. لقد ذهبت اللذة وبقيت الصحائف سوداء .. ستسألون عنها يوم القيامة .. سيأتي يوم يفنى فيه كل شيء إلا الله الواحد القهار .. أيها الناس .. هل نظرتم إلى أعمالكم .. والى أين ستؤدّي بكم .. إنكم لا تتحملون النار في الدنيا .. وهي جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم .. فبادروا بالتوبة قبل فوات الأوان .. وبدا ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) متأثراً وهو يعظ .. كانت كلماته قد خرجت من القلب .. فوصلت إلى القلب .. بكى الناس .. فزاد في موعظته .. ثم دعا لهم بالرحمة والمغفرة .. وهم يرددون : آمين .. آمين .. ثم قام من على كرسيه .. تجلله المهابة والوقار .. وخرج الجميع وراءه .. - نعم الجميع - .. وكانت توبتهم على يده .. عرفوا سرَّ وجودهم في الحياة .. وما تغني عنهم الرقصات واللذات .. إذا تطايرت الصحف وكبرت السيئات .. حتى صاحب المرقص .. تاب وندم على ما كان منه .. .. ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) الضال .. أحياناً .. يعرف المرء الحق ويرغب في اتباعه .. لكنه يغرى بمتع الدنيا .. فيظل على معصيته .. الأعشى بن قيس .. كان شيخاً كبيراً شاعراً .. خرج من اليمامة .. من نجد .. يريد النبي عليه الصلاة والسلام .. راغباً في الدخول في الإسلام .. مضى على راحلته .. مشتاقاً للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم .. بل كان يسير وهو يردد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً : ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا * وبت كما بات السليمُ مسهدا ألا أيهذا السائلي أين يممت * فإن لها في أهل يثرب موعدا نبي يرى ما لا ترون وذكرُه * أغار لعمري في البلاد وأنجدا أجدِّك لم تسمع وصاة محمد * نبيِّ الإله حيث أوصى وأشهدا إذ أنت لم ترحل بزاد من التقى * ولا قيت بعد الموت من قد تزودا ندمت على أن لا تكون كمثله * فترصد للأمر الذي كان أرصدا وما زال يقطع الفيافي والقفار..يحمله الشوق والغرام .. إلى النبي عليه الصلاة السلام .. راغباً في الإسلام .. ونبذ عبادة الأصنام .. فلما كان قريباً من المدينة..اعترضه بعض المشركين فسألهوه عن أمره؟ فأخبرهم أنه جاء يريد لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلم .. فخافوا أن يسلم هذا الشاعر .. فيقوى شأن النبي صلى الله عليه وسلم .. فشاعر واحد وهو حسان بن ثابت قد فعل بهم الأفاعيل .. فكيف لو أسلم شاعر العرب الأعشى بن قيس .. فقالوا له : يا أعشى دينك ودين آبائك خير لك .. قال : بل دينه خير وأقوم .. فنظر بعضهم إلى بعض وجعلوا يتشاورون .. كيف يصدوه عن الدين .. فقالوا له : يا أعشى .. إنه يحرم الزنا .. فقال : أنا شيخ كبير .. وما لي في النساء حاجة .. فقالوا : إنه يحرم الخمر .. فقال : إنها مذهبة للعقل .. مذلة للرجل .. ولا حاجة لي بها .. فلما رأوا أنه عازم على الإسلام .. قالوا : نعطيك مائةَ بعير وترجع إلى أهلك .. وتترك الإسلام .. فجعل يفكر في المال .. فإذا هو ثروة عظيمة .. فتغلب الشيطان على عقله .. والتفت إليهم وقال : أما المال .. فنعم .. فجمعوا له مائة بعير .. فأخذها .. وارتد على عقبيه .. وكرَّ راجعاً إلى قومه بكفره .. واستاق الإبل أمامه .. فرحاً بها مستبشراً .. فلما كاد أن يبلغ دياره .. سقط من على ناقته فانكسرت رقبته ومات .. .. سارة .. الإشارة حمراء .. والطريق مليء بالسيارات .. .لم يتبق على الموعد سوى بضع دقائق .. تباً لهذه الإشارة إنها طويلة .. يا ليتني كنت في الصف الأول .. لكنت قطعتها .. الثواني تمر بطيئة كأنها دقائق بل ساعات .. أنظر إلى الساعة حيناً وإلى الإشارة حيناً آخر .. أضاءت الإشارة اللون الأخضر .. ضغطت على منبه السيارة أزعجت الجميع .. تحركت السيارات .. تجاوزت الأول ..كدت اصطدم بالثاني .. قيادتي للسيارة أفزعت من حولي.. حاولت أن أسرع .. لكنني لم أستطع .. مضى الوقت.. وضاع الموعد.. ولم أجد الأصدقاء .. لقد ذهبوا.. إلى أين أذهب ؟.. احترت في الإجابة .. أطلقت زفرة من صدري .. ياليتني كنت أعرف مكانهم.. السيارة تمضي بهدوء .. انطلقت أفكر .. أيقظني منبه سيارة أخرى .. نظرت إلى صاحب السيارة بغضب .. وأشرت إليه بيدي .. تمهل الدنيا لن تطير .. ونسيت حالي قبل دقائق.. قررت أن أقضي السهرة في البيت .. إنها فكرة جيده .. فابنتي الوحيدة مريضة .. والأفضل أن أكون قريباً منها.. أوقفت السيارة أمام محل الفيديو .. نزلت إلى المحل .. اخترت عدة أفلام .. وانطلقت إلى المنزل.. فتحت الباب .. ناديت على زوجتي .. احضري الشاهي والمكسرات.. دخلت إلى الغرفة .. "يالها من زوجة معقدة" .. الآن ستقول لي:"اتق الله يا أحمد".. لقد تعودت على هذه الكلمات حتى تبلدت أحاسيسي نحوها.. لكنها زوجة مطيعة.. طيبة.. تشقى من أجل سعادتي.. دخلت ومعها الشاهي والمكسرات.. ابتسمت في وجهي .. قالت : لابد أنك سئمت السهر مع أصدقائك وتريد أن تجلس في البيت.. قلت : نعم .. تعالي واجلسي .. فرِحت وهمت أن تجلس .. وقمت أنا إلى جهاز الفيديو والتلفاز .. فانطلقت الموسيقى الصاخبة .. أرخت المسكينة رأسها وقالت : اتق الله يا أحمد.. وخرجت تجر أذيال الحسرة والهزيمة.. فهي لا تسمع الموسيقى .. ارتفعت الأصوات في الغرفة .. موسيقى .. صراخ .. ضحكات.. وانطلقت أشرب الشاهي .. وأتناول المكسرات .. وعيناي قد تسمرتا في شاشة التلفاز.. انتهى الشريط الأول .. والشريط الثاني .. الساعة تشير إلى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل .. فجأة .. مقبض الباب يتحرك ببطء .. صرخت : ماذا تريدين ؟ .. لم أسمع جواباً.. انفتح الباب.. دخلت ابنتي المريضة .. فاجأني الموقف .. سكت برهة ولم أتكلم .. اقتربت مني .. نظرت إليَّ بهدوووء .. ثم قالت : اتق الله يا بابا .. اتق الله يا بابا .. ثم انصرفت وأغلقت الباب.. ناديتها .. سارة .. سارة .. لم تجب .. انطلقت خلفها.. لا أكاد أصدق..هل هذه ابنتي ؟.. فتحت باب الغرفة.. وجدتها سبقتني إلى فراشها .. ونامت في حضن أُمها.. إنها هي.. عدت إلى غرفة الجلوس .. أغلقت جهاز الفيديو .. صوت ابنتي يملأ الغرفة .. اتق الله يا بابا .. اتق الله يا بابا .. قشعريرة سرت في جسدي .. تصبب العرق من رأسي.. لا أدري ماذا أصابني .. ما عدت أسمع إلا صوتها .. ولا أرى إلا صورتها .. كلماتها اخترقت كل الحواجز الجاثمة على صدري منذ زمن بعيد .. ترك صلاة .. معاصٍ .. دخان .. أفلام خليعة .. أيقظتني من الغفلة.. تسارعت نبضات قلبي .. وألقيت بجسدي على الأرض.. حاولت أن أنام .. لكنني لم أستطع .. مضى الوقت سريعاً .. صور من الماضي استعرضتها أمامي .. ومع كل صورة اسمع صوت ابنتي يتردد .. اتق الله .. اتق الله .. وهنا .. ارتفع صوت الأذان .. اهتزت جوانحي .. ارتعدت فرائصي .. رعشة سرت في أطرافي .. جعل يردد : " الصلاة خيرٌ من النوم " .. قلت : صدقت .. الصلاة خير من النوم .. أوووه .. لقد كنت نائماً كل هذه السنين.. توضأت وخرجت إلى المسجد .. مشيت في الطريق وكأني لا أعرفه .. كأن نسائم الفجر تعاتبني أين أنت ؟ .. وطيور السماء تقول : مرحباً بالنائم الذي استيقظ أخيراً.. دخلت المسجد .. صليت ركعتين .. وجلست اقرأ القرآن .. تلعثمت في القراءة .. منذ زمن لم أقرأ القرآن .. شعرت أن القرآن يسألني : لم هجرتني منذ سنوات .. ألستُ كلام ربك .. أخذت أردد في سورة الزمر : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً ) .. عجباً .. جميعاً .. ما أرحم الله بنا .. تمنيت أن استمر في القراءة .. لكن المؤذن .. أقام الصلاة .. تجمدت في مكاني لحظة ثم تقدمت مع الناس .. وقفت في الصف .. وكأنني غريب.. انتهت الصلاة..جلست في المسجد حتى أشرقت الشمس .. عدت إلى البيت.. فتحت باب الغرفة .. ألقيت نظرة على زوجتي وسارة .. كانتا نائمتين .. تركتهما وخرجت إلى العمل .. ليس من عادتي الذهاب مبكراً إلى العمل .. تفاجأ الزملاء بوجودي .. انطلقت عبارات التهنئة ممزوجة بالسخرية .. لم أبال بما يقولون .. تسمرت عيناي على الباب .. أنتظر قدوم إبراهيم .. زميلي في المكتب .. والذي طالما نصحني .. إنه شخص طيب الأخلاق .. حسن المعاملة .. حضر إبراهيم .. فقمت من مكاني استقبله .. لم يصدق عينيه .. سألني : أنت أحمد ؟!!.. قلت : نعم .. جذبت يده .. وقلت : أريد أن أحدثك .. قال : لا بأس .. نتحدث في المكتب .. قلت : لا .. نذهب إلى الاستراحة.. صمت إبراهيم .. وراح يصغي لكلماتي .. حدثته بحديث البارحة .. أمتلأت عيناه بالدموع .. وابتسم ابتسامة عريضه .. قال لي : ذاك نور أضاء قلبك فلا تطفئه بظلمة المعاصي.. كان يوماً حافلاً بالنشاط والجدية .. رغم أني لم أنم منذ البارحة .. ابتسامة تعلو وجهي .. تفانٍ في العمل .. المراجعون يتجهون نحوي .. يطلبون مني مساعدتهم .. بعضهم قال لي : ما هذا النشاط؟!..أجبته : إنها صلاة الفجر في المسجد.. مسكين إبراهيم .. كان يتحمل العبء الأكبر من العمل .. أما أنا فقد كنت أنام .. لم يشتك ولم يتذمر .. ياله من إنسان طيب .. نعم إنه الإيمان عندما تخالط حلاوته القلوب.. مضى الوقت ولم أشعر بالتعب والإرهاق .. قال لي إبراهيم : أحمد .. يجب أن تذهب إلى البيت .. فإنك لم تنم منذ البارحة .. وسأقوم بعملك .. نظرت إلى الساعة .. لم يبق على أذان الظهر سوى دقائق .. قررت البقاء.. أذن المؤذن .. فسارعت إلى المسجد .. جلست في الصف الأول .. شعرت بالندم على الأيام التي كنت أهرب فيها من العمل وقت الصلاة.. بعد الصلاة انطلقت إلى البيت .. في الطريق انتابني شعور بالقلق .. يا ترى كيف حال سارة ؟.. شعرت بانقباض .. لا أدري لماذا ؟! أحسست أن الطريق هذه المرة طويل .. ازداد الخوف .. رفعت رأسي إلى السماء .. دعوت الله أن يعجل بشفاء ابنتي.. وصلت إلى البيت .. فتحت الباب .. ناديت زوجتي .. لم أسمع جواباً .. دخلت الغرفة مسرعاً .. زوجتي منطوية على نفسها تبكي .. التفتت إليَّ .. صرخت وهي تبكي : لقد ماتت سارة .. لم أتبين ما تقول .. اندفعت نحو سارة .. ضممتها إلى صدري .. حاولت حملها .. سقطت يدها نحو الأرض .. جسمها بارد .. كذلك يداها وقدماها .. نبضها .. أنفاسها .. لم أسمع شيئاً .. نظرت إلى وجهها .. نورٌ يتلألأ .. كأنه كوكب دري .. ايقظتها .. حركتها .. هززتها .. صرخت أمها : سارة .. سارة .. لقد ماتت .. ماتت .. وانخرطت في البكاء.. لم أصدق ما أرى .. كأنه حلم .. انهمرت الدموع من عيني .. أخذت أشهق .. أنظر إلى وجهها الجميل .. وشعرها الناعم .. أقبِّل فمها الصغير .. كأنها تردد الآن : عيب عليك .. عيب عليك .. يا بابا .. تذكرت أن هذه مصيبة .. أخذت أردد .. لا حول ولا قوة إلا بالله .. إنا لله وإنا إليه راجعون .. اتصلت بإبراهيم .. قلت له : تعال فوراً .. لقد ماتت سارة .. النساء في الداخل مع زوجتي يغسلن ابنتي .. انتهين من تغسيلها .. لففن على جسدها الطاهر خرقة بيضاء .. نادتني زوجتي .. دخلت كي أودع سارة الوداع الأخير .. كدت أسقط على الأرض .. تماسكت .. قبلتها على جبينها .. عاهدتها على الثبات حتى الممات .. نظرت إلى أمها .. فإذا هي زائغة العينين .. شاحبة الوجه .. تنتفض .. قلت لها : لا تحزني .. فقد ذهبت إلى الجنة بإذن الله .. هناك سنلتقي .. فشمري كي تشفع لنا .. ثم قرأت قوله تعالى : {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كل امرئٍ بما كسب رهين}.. بكت الأم وبكيت أنا.. صلينا عليها صلاة الجنازة .. ثم سرنا بها إلى المقبرة .. أنظر إلى الجنازة وكأنني أنظر إلى النور الذي أضاء لي حياتي.. وصلنا المقبرة .. المكان موحش .. مخيف .. توجهنا إلى القبر .. وقفت على شفير القبر .. هنا سأضع ابنتي .. أمسك إبراهيم بكتفي وقال : اصبر يا أحمد.. نزلت إلى القبر .. إنها دارك يا أحمد .. ربما اليوم وربما غداً .. ماذا أعددت لهذه الدار .. ناداني إبراهيم : أحمد خذ البنت .. وضعتها على صدري .. وددت لو أدفنها فيه .. ضممتها .. قبلتها .. ثم وضعتها على شقها الأيمن .. وقلت : بسم الله وعلى ملة رسول الله .. صففت اللبن .. سددت كل المنافذ .. خرجت من القبر .. بدأ الناس يهيلون التراب .. لم أملك دموعي.. .. ذكريات تائب .. هو شيخ كبير .. نجلس إليه .. بعدما كبر سنه .. ورق عظمه .. وكف بصره .. وهو يحكي ذكريات شبابه .. نجلس إلى كعب بن مالك رضي الله عنه .. وهو يحكي ذكرياته .. في تخلفه عن غزوة تبوك .. وكانت آخر غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم .. آذن النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالرحيل وأراد أن يتأهبوا أهبة غزوهم .. وجمع منهم النفقات لتجهيز الجيش .. حتى بلغ عدد الجيش ثلاثين ألفاً .. وذلك حين طابت الظلال الثمار .. في حر شديد .. وسفر بعيد .. وعدو قوي عنيد .. وكان عدد المسلمين كثيراً .. ولم تكن أسماؤهم مجموعة في كتاب .. قال كعب – كما في الصحيحين - : وأنا أيسر ما كنت .. قد جمعت راحلتين .. وأنا أقدر شيء في نفسي على الجهاد .. وأنا في ذلك أصغي إلى الظلال .. وطيب الثمار .. فلم أزل كذلك .. حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم غادياً بالغداة .. فقلت : أنطلق غدا إلى السوق فأشتري جهازي .. ثم ألحق بهم .. فانطلقت إلى السوق من الغد .. فعسر علي بعض شأني .. فرجعت .. فقلت : أرجع غدا إن شاء الله فألحق بهم .. فعسر عليَّ بعض شأني أيضاً .. فقلت : أرجع غدا إن شاء الله .. فلم أزل كذلك .. حتى مضت الأيام .. وتخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فجعلت أمشي في الأسواق .. وأطوف بالمدينة .. فلا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق .. أو رجلاً قد عذره الله .. نعم تخلف كعب في المدينة .. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد مضى بأصحابه الثلاثين ألفاً .. حتى إذا وصل تبوك .. نظر في وجوه أصحابه .. فإذا هو يفقد رجلاً صالحاً ممن شهدوا بيعة العقبة .. فيقول صلى الله عليه وسلم : ما فعل كعب بن مالك ؟! فقال رجل : يا رسول الله .. خلفه برداه والنظر في عطفيه .. فقال معاذ بن جبل : بئس ما قلت .. والله يا نبي الله ما علمنا عليه إلا خيراً .. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قال كعب : فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك .. وأقبل راجعاً إلى المدينة .. جعلت أتذكر .. بماذا أخرج به من سخطه .. وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي .. حتى إذا وصل المدينة .. عرفتُ أني لا أنجو إلا بالصدق .. فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة .. فبدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين .. ثم جلس للناس .. فجاءه المخلفون .. فطفقوا يعتذرون إليه .. ويحلفون له .. وكانوا بضعة وثمانين رجلاً .. فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم .. واستغفر لهم .. ووكل سرائرهم إلى الله .. وجاءه كعب بن مالك .. فلما سلم عليه .. نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم .. ثم تبسَّم تبسُّم المغضب .. ثم قال له : تعال .. فأقبل كعب يمشي إليه .. فلما جلس بين يديه .. قال له صلى الله عليه وسلم : ما خلفك .. ألم تكن قد ابتعت ظهرك ؟ قال : بلى .. قال : فما خلفك ؟! فقال كعب : يا رسول الله .. إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا .. لرأيت أني أخرج من سخطه بعذر .. ولقد أعطيت جدلاً .. ولكني والله لقد علمت .. أني إن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به علي .. ليوشكن الله أن يسخطك علي .. ولئن حدثتك حديث صدق .. تجد عليَّ فيه .. إني لأرجو فيه عفوَ الله عني .. يا رسول الله .. والله ما كان لي من عذر .. والله ما كنت قط أقوى .. ولا أيسر مني حين تخلفت عنك .. ثم سكت كعب .. فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه .. وقال : أما هذا .. فقد صدقكم الحديث .. فقم .. حتى يقضي الله فيك .. فقام كعب يجر خطاه .. وخرج من المسجد .. مهموماً مكروباً .. لا يدري ما يقضي الله فيه .. فلما رأى قومه ذلك .. تبعه رجال منهم .. وأخذوا يلومونه .. ويقولون : والله ما نعلمك أذنبت ذنباً قط .. قبل هذا .. إنك رجل شاعر .. أعجزت ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون .. هلا اعتذرت بعذر يرضى عنك فيه .. ثم يستغفر لك .. فيغفر الله لك .. قال كعب : فلم يزالوا يؤنبونني .. حتى هممت أن أرجع فأكذب نفسي .. فقلت : هل لقي هذا معي أحد ؟ قالوا : نعم .. رجلان قالا مثل ما قلت .. فقيل لهما مثل ما قيل لك .. قلت : من هما ؟ قالوا : مرارة بن الربيع .. وهلال بن أمية .. فإذا هما رجلان صالحان قد شهدا بدراً .. لي فيهما أسوة .. فقلت : والله لا أرجع إليه في هذا أبداً .. ولا أكذب نفسي .. * * * * * * * * * ثم مضى كعب رضي الله عنه .. حزيناً .. كسير النفس .. وقعد في بيته .. فلم يمضِ وقت .. حتى نهى النبي صلى الله عليه وسلم الناس عن كلام كعب وصاحبيه .. قال كعب : فاجتنبنا الناس .. وتغيروا لنا .. فجعلت أخرج إلى السوق .. فلا يكلمني أحد .. وتنكر لنا الناس .. حتى ما هم بالذين نعرف .. وتنكرت لنا الحيطان .. حتى ما هي بالحيطان التي نعرف .. وتنكرت لنا الأرض .. حتى ما هي بالأرض التي نعرف .. فأما صاحباي فجلسا في بيوتهما يبكيان .. جعلا يبكيان الليل والنهار .. ولا يطلعان رؤوسهما .. ويتعبدان كأنهما الرهبان .. وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم .. فكنت أخرج .. فأشهد الصلاة مع المسلمين .. وأطوف في الأسواق .. ولا يكلمني أحد .. وآتي المسجد فأدخل .. وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه .. فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟ ثم أصلي قريباً منه .. فأسارقه النظر .. فإذا أقبلت على صلاتي .. أقبل إلي .. وإذا التفتُّ نحوه .. أعرض عني .. * * * * * * * * * ومضت على كعب الأيام .. والآلام تلد الآلام .. وهو الرجل الشريف في قومه .. بل هو من أبلغ الشعراء .. عرفه الملوك والأمراء .. وسرت أشعاره عند العظماء .. حتى تمنوا لقياه .. ثم هو اليوم .. في المدينة .. بين قومه .. لا أحد يكلمه .. ولا ينظر إليه .. حتى .. إذا اشتدت عليه الغربة .. وضاقت عليه الكربة .. نزل به امتحان آخر : فبينما هو يطوف في السوق يوماً .. إذا رجل نصراني جاء من الشام .. فإذا هو يقول : من يدلني على كعب بن مالك .. ؟ فطفق الناس يشيرون له إلى كعب .. فأتاه .. فناوله صحيفة من ملك غسان .. عجباً !! من ملك غسان ..!! إذاً قد وصل خبره إلى بلاد الشام .. واهتم به ملك الغساسنة .. فماذا يريد الملك ؟!! فتح كعب الرسالة فإذا فيها .. أما بعد .. يا كعب بن مالك .. إنه بلغني أن صاحبك قد جفاك وأقصاك .. ولست بدار مضيعة ولا هوان .. فالحق بنا نواسك .. فلما أتم قراءة الرسالة .. قال رضي الله عنه : إنا لله .. قد طمع فيَّ أهل الكفر .. هذا أيضاً من البلاء والشر .. ثم مضى بالرسالة فوراً إلى التنور .. فأشعله ثم أحرقها فيه .. ولم يلتفت كعب إلى إغراء الملك .. نعم فُتح له باب إلى بلاط الملوك .. وقصور العظماء .. يدعونه إلى الكرامة والصحبة .. والمدينة من حوله تتجهمه .. والوجوه تعبس في وجهه .. يسلم فلا يرد عليه السلام .. ويسأل فلا يسمع الجواب .. ومع ذلك لم يلتفت إلى الكفار .. ولم يفلح الشيطان في زعزعته .. أو تعبيده لشهوته .. ألقى الرسالة في النار .. وأحرقها .. * * * * * * * * * ومضت الأيام تتلوها الأيام .. وانقضى شهر كامل .. وكعب على هذا الحال .. والحصار يشتد خناقه .. والضيق يزداد ثقله .. فلا الرسول صلى الله عليه وسلم يُمضي .. ولا الوحي بالحكم يقضي .. فلما اكتملت أربعون يوماً .. فإذا رسول من النبي صلى الله عليه وسلم يأتي إلى كعب .. فيطرق عليه الباب .. فيخرج كعب إليه .. لعله جاء بالفرج .. فإذا الرسول يقول له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك .. قال : أطلقها .. أم ماذا ؟ قال : لا .. ولكن اعتزلها ولا تقربها .. فدخل كعب على امرأته وقال : الحقي بأهلك .. فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر .. وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى صاحبي كعب بمثل ذلك .. فجاءت امرأة هلال بن أمية .. فقالت : يا رسول الله .. إن هلال بن أمية شيخ كبير ضعيف .. فهل تأذن لي أن أخدمه ..؟ قال : نعم .. ولكن لا يقربنك .. فقالت المرأة : يا نبي الله .. والله ما به من حركة لشيء .. ما زال مكتئباً .. يبكي الليل والنهار .. منذ كان من أمره ما كان .. * * * * * * * * * ومرت الأيام ثقيلة على كعب ..واشتدت الجفوة عليه ..حتى صار يراجع إيمانه .. يكلم المسلمين ولا يكلمونه .. ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يرد عليه .. فإلى أين يذهب ..!! ومن يستشير !؟ قال كعب رضي الله عنه : فلما طال عليَّ البلاء .. ذهبت إلى أبي قتادة .. وهو ابن عمي .. وأحب الناس إليَّ .. فإذا هو في حائط بستانه .. فتسورت الجدار عليه .. ودخلت .. فسلمت عليه .. فوالله ما رد علي السلام .. فقلت : أنشدك الله .. يا أبا قتادة .. أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟ فسكت .. فقلت : يا أبا قتادة .. أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟ فسكت .. فقلت : أنشدك الله .. يا أبا قتادة .. أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟ فقال : الله ورسوله أعلم .. سمع كعب هذا الجواب .. من ابن عمه وأحب الناس إليه .. لا يدري أهو مؤمن أم لا ؟ فلم يستطع أن يتجلد لما سمعه .. وفاضت عيناه بالدموع .. ثم اقتحم الحائط خارجاً .. وذهب إلى منزله .. وجلس فيه .. يقلب طرفه بين جدرانه .. لا زوجة تجالسه .. ولا قريب يؤانسه .. وقد مضت عليهم خمسون ليلة .. من حين نهى النبي صلى الله عليه وسلم الناس عن كلامهم .. * * * * * * * * * وفي الليلة الخمسين .. نزلت توبتهم على النبي صلى الله عليه وسلم ثلث الليل .. فقالت أم سلمة رضي الله عنها : يا نبي الله .. ألا نبشر كعب بن مالك .. قال : إذا يحطمكم الناس .. ويمنعونكم النوم سائر الليلة .. فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الفجر .. آذن الناس بتوبة الله علينا .. فانطلق الناس يبشرونهم .. قال كعب : وكنت قد صليت الفجر على سطح بيت من بيوتنا .. فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى .. قد ضاقت علي نفسي .. وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت .. وما من شيء أهم إليّ .. من أن أموت .. فلا يصلي عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم .. أو يموت .. فأكون من الناس بتلك المنزلة .. فلا يكلمني أحد منهم .. ولا يصلي عليَّ .. فبينما أنا على ذلك .. إذ سمعت صوت صارخ .. على جبل سلع بأعلى صوته يقول : يا كعب بن مالك ! .. أبشر .. فخررت ساجداً .. وعرفت أن قد جاء فرج من الله .. وأقبل إليَّ رجل على فرس .. والآخر صاح من فوق جبل .. وكان الصوت أسرع من الفرس .. فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني .. نزعت له ثوبيَّ فكسوته إياهما ببشراه .. والله ما أملك غيرهما .. واستعرت ثوبين .. فلسبتهما .. وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فتلقاني الناس فوجاً .. فوجاً .. يهنئوني بالتوبة .. يقولون : ليهنك توبة الله عليك .. حتى دخلت المسجد .. فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهو يبرق وجهه من السرور .. وكان إذا سُرَّ استنار وجهه .. حتى كأنه قطعة قمر .. فقال لي : أبشر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمك .. قلت : أمن عندك يا رسول الله .. أم من عند الله ؟ قال : لا .. بل من عند الله .. ثم تلا الآيات .. فلما جلست بين يديه .. قلت : يا رسول الله ! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله .. وإلى رسوله .. فقال : أمسك عليك بعض مالك .. فهو خير لك .. فقلت : يا رسول الله ! إن الله إنما نجاني بالصدق .. وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقاً ما بقيت .. نعم .. تاب الله على كعب وصاحبيه .. وأنزل في ذلك قرءاناً يتلى .. فقال عز وجل : { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ *وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } .. .. في بطن الحوت .. كل الناس يذكرون الله عند الشدائد .. لكن منهم من يذكره ويطيعه .. فإذا زالت الشدة عصاه ونساه .. ومنهم من يستمر صلاحه وتوبته .. يونس عليه السلام .. دعا قومه إلى الإيمان .. فأعرضوا وتكبروا .. فغضب .. وركب البحر مع سفينة .. فلما ثقلت بهم خافوا أن يغرقوا جميعاً .. فعلموا أنه لا بد أن يخففوا الحمل بإلقاء أحد ركابها إلى البحر .. عملوا القرعة مراراً فوقعت على يونس .. ألقوه في البحر .. فالتقمه الحوت .. ثم نزل به إلى الأعماق .. كل شيء حدث بسرعة .. يونس في الظلمات .. تسمع حوله .. فإذا به يسمع تسبيح الحصى الذي في قعر البحر .. فانتفض .. ( فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) .. فقرعت كلماته أبواب السماء .. فنزل عليه الفرج .. هذا خبر يونس النبي عليه الصلاة والسلام .. أما يونس اليوم فيقول : كنت شاباً أظن أن الحياة .. مال وفير .. وفراش وثير .. ومركب وطيء .. وكان يوم جمعة .. جلست مع مجموعة من رفقاء الدرب على الشاطئ .. وهم كالعادة مجموعة من القلوب الغافلة .. سمعت النداء حي على الصلاة .. حي على الفلاح .. أقسم أني سمعت الأذان طوال حياتي .. ولكني لم أفقه يوماً معنى كلمة فلاح .. طبع الشيطان على قلبي .. حتى صارت كلمات الأذان كأنها تقال بلغة لا أفهمها .. كان الناس حولنا يفرشون سجاداتهم .. ويجتمعون للصلاة .. ونحن كنا نجهز عدة الغوص وأنابيب الهواء .. استعداداً لرحلة تحت الماء.. لبسنا عدة الغوص .. ودخلنا البحر .. بعدنا عن الشاطئ .. حتى صرنا في بطن البحر .. كان كل شيء على ما يرام .. الرحلة جميلة .. وفي غمرة المتعة .. فجأة تمزقت القطعة المطاطية التي يطبق عليها الغواص بأسنانه وشفتيه لتحول دون دخول الماء إلى الفم .. ولتمده بالهواء من الأنبوب .. وتمزقت أثناء دخول الهواء إلى رئتي .. وفجأة أغلقت قطرات الماء المالح المجرى التنفسي... وبدأت أموت .. بدأت رئتي تستغيث وتنتفض .. تريد هواء .. أي هواء .. أخذت اضطرب .. البحر مظلم .. رفاقي بعيدون عني .. بدأت أدرك خطورة الموقف .. إنني أموت .. بدأت أشهق .. وأشرق بالماء المالح.. بدأ شريط حياتي بالمرور أمام عيني .. مع أول شهقة .. عرفت كم أنا ضعيف .. بضع قطرات مالحة سلطها الله علي ليريني أنه هو القوي الجبار .. آمنت أنه لا ملجأ من الله إلا إليه... حاولت التحرك بسرعة للخروج من الماء .. إلا أني كنت على عمق كبير .. ليست المشكلة أن أموت .. المشكلة كيف سألقى الله ؟! إذا سألني عن عملي .. ماذا سأقول ؟ أما ما أحاسب عنه .. الصلاة .. وقد ضيعتها .. تذكرت الشهادتين .. فأردت أن يختم لي بهما .. فقلت أشهـ .. فغصَّ حلقي .. وكأن يداً خفية تطبق على رقبتي لتمنعني من نطقها .. حاولت جاهداً .. أشهـ .. أشهـ .. بدأ قلبي يصرخ : ربي ارجعون .. ربي ارجعون .. ساعة .. دقيقة .. لحظة .. ولكن هيهات.. بدأت أفقد الشعور بكل شيء .. أحاطت بي ظلمة غريبة .. هذا آخر ما أتذكر .. لكن رحمة ربي كانت أوسع .. فجأة بدأ الهواء يتسرب إلى صدري مرة أخرى .. انقشعت الظلمة .. فتحت عيني .. فإذا أحد الأصحاب .. يثبت خرطوم الهواء في فمي .. ويحاول إنعاشي .. ونحن مازلنا في بطن البحر .. رأيت ابتسامة على محياه .. فهمت منها أنني بخير .. عندها صاح قلبي .. ولساني .. وكل خلية في جسدي .. أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمد رسول الله .. الحمد لله .. خرجت من الماء .. وأنا شخص أخر .. تغيرت نظرتي للحياة .. أصبحت الأيام تزيدني من الله قرباً .. أدركت سرَّ وجودي في الحياة .. تذكرت قول الله ( إلا ليعبدون ) .. صحيح .. ما خلقنا عبثاً .. مرت أيام .. فتذكرت تلك الحادثة .. فذهبت إلى البحر .. ولبست لباس الغوص .. ثم أقبلت إلى الماء .. وحدي وتوجهت إلى المكان نفسه في بطن البحر .. وسجدت لله تعالى سجدة ما أذكر اني سجدت مثلها في حياتي .. في مكان لا أظن أن إنساناً قبلي قد سجد فيه لله تعالى .. عسى أن يشهد علي هذا المكان يوم القيامة فيرحمني الله بسجدتي في بطن البحر ويدخلني جنته اللهم أمين .. وغدراتي وفجراتي !! ربنا أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا .. ومن سعة رحمته .. أنه عرض التوبة على كل أحد .. مهما أشرك العبد وكفر .. أو طغى وتجبر .. فإن الرحمة معروضة عليه .. وباب التوبة مشرع بين يديه .. وانظر إلى ذاك ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) الهرم .. الذي .. كبر سنه .. وانحنى ظهره .. ورق عظمه .. أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهو جالس بين أصحابه يوماً .. يجر خطاه .. وقد سقط حاجباه على عينيه .. وهو يدّعم على عصا .. جاء يمشي .. حتى قام بين يديّ النبي صلى الله عليه وسلم .. فقال بصوت تصارعه الآلام .. يا رسول الله .. أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها .. فلم يترك منها شيئاً .. وهو في ذلك لم يترك حاجة .. ولا داجة .. أي صغيرة ولا كبيرة .. إلا أتاها .. لو قسّمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم .. فهل لذلك من توبة ؟ فرفع النبي صلى الله عليه وسلم بصره إليه .. فإذا شيخ قد انحنى ظهره .. واضطرب أمره .. قد هده مر السنين والأعوام .. وأهلكته الشهوات والآلام .. فقال له صلى الله عليه وسلم : فهل أسلمت ؟ قال : أما أنا .. فأشهد أن لا إله إلا الله .. وأنك رسول الله .. فقال صلى الله عليه وسلم: تفعل الخيرات .. وتترك السيئات .. فيجعلهن الله لك خيرات كلهن .. فقال ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) : وغدراتي .. وفجراتني .. فقال : نعم .. فصاح ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) : الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. فما زال يكبر حتى توارى عنهم .. الحديث : رواه الطبراني والبزار ، وقال المنذري : إسناده جيد قوي ،وقال ابن حجر هو على شرط الصحيح . هل تطرحه في النار ؟! الله أرحم بعباده .. من آبائهم وأمهاتهم .. في الصحيحين : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى من حرب ( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 )( 2012 ) .. أُتي إليه بعد المعركة .. بأطفال الكفار ونسائهم .. ثم جمعوا في مكان .. فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليهم .. فإذا امرأة من السبي .. أم ثكلى .. تجر خطاها .. تبحث عن ولدها .. وفلذة كبدها .. قد اضطرب أمرها .. وطار صوابها .. واشتدّ مصابها .. تطوف على الأطفال الرضع .. تنظر في وجوههم .. يكاد ثديها يتفجر من احتباس اللبن فيه .. تتمنى لو أن طفلها بين يديها .. تضمه ضمة .. وتشمه شمة .. ولو كلفها ذلك حياتها .. فبينما هي على ذلك .. إذ وجدت ولدها .. فلما رأته جف دمعها .. وعاد صوابها .. ثم انكبت عليه .. وانطرحت بين يديه .. وقد رحمت جوعه وتعبه .. وبكاءه ونصبه ..أخذت تضمه وتقبله .. ثم ألصقته بصدرها .. وألقمته ثديها .. فنظر الرحيم الشفيق إليها .. وقد أضناها التعب .. وعظم النصب .. وقد طال شوقها إلى ولدها .. واشتد مصابه ومصابها .. فلما رأى ذلها .. وانكسارها .. وفجيعتها بولدها .. التفت إلى أصحابه ثم قال : أتُرَون هذه .. طارحة ولدها في النار .. يعني لو أشعلنا ناراً وأمرناها أن تطرح ولدها فيها .. أترون أنها ترضى .. فعجب الصحابة الكرام : كيف تطرحه في النار .. وهو فلذة كبدها .. وعصارة قلبها ..كيف تطرحه .. وهي تلثمه .. وتقبله .. وتغسل وجهه بدموعها .. كيف تطرحه .. وهي الأم الرحيمة .. والوالدة الشفيقة .. قالوا : لا .. والله .. يا رسول الله .. لا تطرحه في النار .. وهي تقدر على أن لا تطرحه .. فقال صلى الله عليه وسلم : والله .. لله .. أرحم بعباده من هذه بولدها ..

نغمات..انعش قلبك بأروع النغمات

Posted: 11 Oct 2012 09:41 AM PDT


نغمات..انعش قلبك بأروع النغمات

[CENTER]نغمات..انعش قلبك بأروع النغمات
نغمات..انعش قلبك بأروع النغمات
نغمات..انعش قلبك بأروع النغمات
حمل من هنـــــــــــــــــــــا
نغمات..انعش قلبك بأروع النغمات
أو من هنــــــــــــــــــــــا
نغمات..انعش قلبك بأروع النغمات
والقادم أجمل إن شاء الله
[/CENTER]

مدونتي من ألف باء الى ألف ياء

Posted: 11 Oct 2012 09:30 AM PDT


مدونتي من ألف باء الى ألف ياء

مدونتي من ألف باء الى ألف ياء:33_1185028183:
السلام عليكم جميعكم وأسعد الله أوقاتكم

أعرفكم بنفسي

أنا أحب الركض في مساحات الحروف العربية لا العجمية

ستقرأون بعض ماكتبت أناملي

رغم إدراكي أني سوى هاوية :s141::lolo:


1 comment:


  1. شركة تنظيف موكيت بمكة


    اعيدي تنظيف الموكيت من كافة البقع الصعبة مع شركة المنزل شركة تنظيف موكيت بمكة باقوي عروض الاسعار علي غسيل سجاد بمكة , تنظيف موكيت بمكة , تنظيف مفروشات بمكة باحدث اجهزة البخار و اقوي المنظفات المخصوصة للموكيت و المفروشات
    شركة المنزل شركة تنظيف بمكة علي اعلي مستوي من افضل الطرق الحديثة في تنظيف منازل بمكة علي ايدي امهر الايادي العاملة بافضل الادوات و المعدات


    شركة تنظيف بمكة


    اتصلوا بنا
    0502024166

    http://elmnzel.com/%D8%AE%D8%AF%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%81/cleaning-makkah

    ReplyDelete